الخميس 10 اكتوبر 2024

أعمال الأديبة هان كانغ الفائزة بنوبل 2024 تكشف أعماق هشاشة الحياة البشرية

الكورية هان كانغ

ثقافة10-10-2024 | 18:01

دعاء برعي

ذهبت جائزة نوبل في الأدب 2024 للكاتبة الكورية هان كانغ، التي بدأت مسيرتها الإبداعية في 1993 بعدد من القصائد نشرت لها في مجلة "الأدب والمجتمع"، ثم  تلى ذلك ظهورها  في النثر لأول مرة في 1995 مع مجموعة القصص القصيرة منها "حب يوسو"، ثم انطلقت المسيرة بأعمال نثرية أخرى، سواء روايات أو قصص قصيرة.

 

"يداك الباردتان"

ضمت أعمال الكاتبة رواية "يداك الباردتان" في 2002، التي أفصحت عن اهتمامها البالغ بالفن، حيث استعرضت الرواية إعادة إنتاج مخطوطة تركها وراءه نحات مفقود مهووس بصنع قوالب جبسية لأجساد النساء، حيث أسقطت الرواية الضوء على تشريح الجسم البشري، والتلاعب بين الشخصية والخبرة، لينشأ صراع في عمل النحات بين ما يكشفه الجسد وما يخفيه، وأنهت الروائية الكتاب بجملة "الحياة هي ورقة تتقوس فوق هاوية، ونحن نعيش فوقها مثل البهلوانيين المقنعين".

 

"النباتية"

وتصوّر رواية "النباتية" الصادرة في 2007، والفائزة بجائزة مان بوكر الدولية عن عام 2016 والتي تعد سببًا في نجاح هان كانغ الدولي الكبير في ثلاثة أجزاء، العواقب العنيفة التي تنجم عندما ترفض بطلتها يونغ هاي الامتثال لقواعد تناول الطعام. يُقابل قرارها بعدم أكل اللحم بردود فعل متنوعة تمامًا. يتم رفض سلوكها بالقوة من قبل زوجها ووالدها المتسلط، ويتم استغلالها جنسيًا وفنيًا من قبل زوج شقيقتها، وهو فنان فيديو يستغل جسدها. في النهاية، تُساق إلى عيادة نفسية، حيث تحاول أختها إنقاذها وإعادتها إلى :حياة طبيعية". ومع ذلك، تنغمس يونغ هاي في حالة تشبه الذهان تُعبّر عنها من خلال "الأشجار الملتهبة"، رمز لمملكة نباتية جذابة بقدر ما هي خطيرة.

 

"الريح تهب.. اذْهَب"

ثم تأتي رواية "الريح تهب.. اذْهَب" في 2010، لتعتمد على الحبكة، وهي رواية كبيرة ومعقدة حول الصداقة والفن، حيث الحزن والتوق إلى التحول هما حاضران بقوة.

"دروس يونانية"

ويعزز تعاطف هان كانغ الجسدي مع قصص الحياة المتطرفة من أسلوبها المجازي المتزايد في روايتها "دروس يونانية" في 2011 عن طريق تصوير ساحر لعلاقة استثنائية بين فردين ضعيفين. امرأة شابة فقدت قدرتها على الكلام بعد سلسلة من التجارب المؤلمة تتواصل مع معلمها في اللغة اليونانية القديمة، الذي يفقد بصره هو الآخر. من عيوبهما المتبادلة، تتطور علاقة حب هشة. الكتاب هو تأمل جميل حول الفقدان، والحميمية والشروط النهائية للغة.

"أفعال البشرية"

وفي رواية "أفعال البشرية" (2014)، تستخدم هان كانغ حدثًا تاريخيًا وقع في مدينة كوانغجو كأساس سياسي لها، حيث نشأت هي نفسها وحيث قُتل مئات الطلاب والمدنيين العزل خلال مجزرة نفذها الجيش الكوري الجنوبي عام 1980. في سعيها لإعطاء صوت لضحايا التاريخ، تواجه الرواية هذا الحدث بتجسيد قاسٍ، وبذلك تقارب نوع أدب الشهادات.

وهنا يتسم أسلوب هان كانغ، بالرؤية، وينحرف عن توقعاتنا لهذا النوع، ولديها حيلة خاصة تسمح لأرواح الموتى بأن تنفصل عن أجسادهم، ما يسمح لهم بمشاهدة فنائهم في لحظات معينة، عند رؤية الجثث التي لا يمكن التعرف عليها والتي لا يمكن دفنها، ويعكس النص النمط الأساسي لمسرحية "أنتيجون" لسوفوكليس.

"الكتاب الأبيض"

أما روايتها "الكتاب الأبيض" في 2016 فيسوده مرة أخرى الأسلوب الشعري لهان كانغ، وهي مرثية مكرسة للشخص الذي كان من الممكن أن يكون الأخت الكبرى للسارد، ولكنه توفي بعد ساعات قليلة من ولادته، من خلال سلسلة من الملاحظات القصيرة، وكلها تتعلق بأشياء بيضاء.

ويتشكل العمل ككل بصورة ترابطية من خلال هذا اللون الذي يعبر عن الحزن، الأمر الذي يجعله أقل روايةً وأكثر نوعًا من "كتاب دعاء علماني"، كما وُصف أيضًا. إذا كانت الأخت المتخيلة قد سُمح لها بالعيش، يبرر السارد لما سُمح له هو بأن يأتي إلى الوجود، كما أنه في مخاطبة الميتة، يصل الكتاب إلى كلماته الأخيرة "ضمن هذا الأبيض، كل تلك الأشياء البيضاء، سأتنفس النفس الأخير الذي أطلقته".

"لن نفترق"

وعن روايتها "لن نفترق" لعام 2021، الذي يتصل من حيث تصويره للألم بكتاب الأبيض، تستمر القصة في ظل مذبحة حدثت في أواخر الأربعينيات في جزيرة جيجو في كوريا الجنوبية، حيث قُتل عشرات الآلاف من الأشخاص، بينهم أطفال وكبار السن، بشبهة أنهم متعاونون. يصور الكتاب عملية الحداد المشتركة التي يقوم بها السارد وصديقته إنسيون، اللذان يحملان معهما صدمة مرتبطة بالكارثة التي حلت بأقاربهما حتى بعد وقت طويل من الحدث.

 

وبأسلوب تصويري دقيق ومكثف، لا تعبر هان كانغ فقط عن قوة الماضي على الحاضر، بل تتبع أيضًا محاولات الأصدقاء المتواصلة لتجلب إلى النور ما سقط في غياهب النسيان الجماعي، وتحويل صدمتهم إلى مشروع فني مشترك يعطي الكتاب عنوانه. الكتاب، بقدر ما هو عن أعمق أشكال الصداقة بقدر ما هو عن الألم الموروث، يتنقل بصورة مبتكرة بين الصور الكابوسية للحلم وميل "الأدب الشاهد" للتحدث بالحقيقة.

 

ويتميز عمل هان كانغ بهذا التعرض المزدوج للألم، وهو توافق بين العذاب العقلي والجسدي ذو علاقات وثيقة بالتفكير الشرقي. في رواية "النقاهة" من 2013، يتعلق الأمر بجرح في الساق يرفض أن يلتئم وعلاقة مؤلمة بين الشخصية الرئيسية وأختها الميتة. لا يحدث أي شفاء حقيقي على الإطلاق، ويظهر الألم كتجربة وجودية أساسية لا يمكن اختزالها إلى أي عذاب عابر

 

وفي مجمل أعمالها، تواجه هان كانغ الصدمات التاريخية ومجموعات الأعراف والقواعد المجتمعية غير المرئية، وفي كل من أعمالها تكشف عن هشاشة الحياة البشرية، ولديها وعي فريد بالعلاقات بين الجسد والروح، وبين الأحياء والأموات، وقد أصبحت بأسلوبها الشعري والتجريبي مبتكرة في النثر المعاصر، حسب تعبير الأكاديمية السويدية التي تمنح جائزة نوبل.

 

وترجمت إلى العربية ثلاث روايات للكاتبة، هي "النباتية" عام 2018، و"الكتاب الأبيض" عام 2019، و"أفعال بشرية" عام 2020.