الجمعة 17 مايو 2024

شومان في مؤتمر الأزهر: اختلاف الدين لا يعنى ظلم الآخر

1-3-2017 | 15:24

أكد الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف أن  الشريعة الإسلامية السمحة حرمت قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان والمدنيين في حالة الحرب التي لا تكون في الإسلام إلا للدفاع وصد العدوان، كما حرمت الظلم والجور، وتخريب العمران، وقطع الأشجار، بل حرمت قتل الدواب كذلك.

وقال خلال كلمته في مؤتمر الأزهر ومجلس حكماء المسلمين لا أعرف من أين آتي المتطرفون الأدعياء الجهلاء بما يقومون به من قتل للرجال والنساء والأطفال، وترويع للآمنين، وتدمير للممتلكات العامة والخاصة، وتهجير الديار من ساكنيها؟! أين هؤلاء الذين شوهوا صورة الإسلام النقية، وصوروه على أنه دينُ عنفٍ وقتلٍ وإرهابٍ, من قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وقوله عز وجل: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)؟! أين هم في حملهم للناس على معتقداتهم بقوة السلاح من قول الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)؟! أين هم في مغالاتهم وتشددهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسرٌ، ولن يشاد الدينَ أحدٌ إلا غلبه)؟!

وأضاف :إن المنصف المتجرد لَيدركُ أن هذه الجرائم النكراء لا تمت للإسلام بصلة؛ فالإسلام دين السلام والرحمة، بل إن هذه الأفعالَ الشنيعةَ لا يقبلها دينٌ صحيح ولا عقلٌ سليم ولا فِطرةٌ سوية! ومن ثَم، ينبغي ألا يكون اختلاف الدين سببًا من أسباب الصراع أو النزاع، فلم تأتِ به شريعة من الشرائع السماوية، (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وينبغي كذلك ألا يكون الاختلاف العِرقي أو المذهبي بين أتباع الدين الواحد مدخلًا لنزاع أو ذريعةً لصراع. وهنا نقرر أن ما وقع في تاريخ أمتنا الإسلامية من نزاعات وحروب بين المسلمين وغيرهم، فإنما هو نتيجة دفاع المسلمين عن اعتداء أو عدوان وقع عليهم لا بسبب اختلاف الدين، وإلا فلماذا نهى الإسلام أتباعه عن قتل المخالفين في الدين من النساء والشيوخ والأطفال والرهبان؟! ونقرر أيضًا أن ما وقع من نزاعٍ أو صراع – وربما تقاتُلٍ – بين المسلمين أنفسِهم، فإنما مَردُّه تأويلٌ فاسد أو اجتهادٌ جامح أو نزعةٌ بشرية بَعُدَتْ عن هدي الوحي الكريم.  

السادة الحضور:

وأوضح أن الأزهر الشريف متيقظ لتلك الأخطار التي تهدد أمن الأمة فكريًّا وثقافيًّا، خاصة تلك التي تستهدف الشباب؛ لأن أعداء الأمة يدركون جيدًا قيمة الشباب، ويعلمون يقينًا أنهم الطريقُ لتدميرِ مستقبل الأمم أو رِفعتِها، ولقد وقفت مؤسسة الأزهر على مدار تاريخها العريق سدًّا منيعًا أمام محاولات النيل من شباب أمتنا، فأَوْلَت عناية خاصة بتوضيح المفاهيم التي تستغلها تلك الجماعات، وتفنيد الشبهات التي تدلس بها على الناس، وذلك من خلال ندوات ومؤتمرات محلية وعالمية، ومقررات عصرية، ومؤلفات علمية، ترسخ للقيم الإسلامية السمحة، والمواطنة والعيش المشترك، والتعددية، وقبول الآخر، ونبذ العنف والغلو في الدين، والنأي به عن الخلافات والنزاعات إلا أن يُستخدم على وجهه الصحيح، وهو تطبيق هديه لحل المشكلات ونزع فتيل الأزمات؛ فقد جعل الله الاحتكامَ إلى كتبِه المنزَّلة وتعاليمِ رسلِه المرسلة ديدنَ المؤمن الحقيقي في الأديان كافة، وجعل هذه التعاليم مانعةً لنشوب النزاعات والصراعات بين البشر، فإن وقعت فإن الامتثال لها كفيلٌ بحلها. كما أخذ الأزهر الشريف على عاتقه تقويةَ اللُّحمة الوطنية لنسيج المجتمعات، والسعي لإقرار الأمن والسلام بين البشر .

وأضاف الأزهر الشريف يبذل  جهود حثيثة على الأصعدة كافة داخل مصر وخارجها يضيق المقام عن سردها، ومنها جهود «بيت العائلة المصرية»، تلك التجربة الفريدة التي أصبحت نموذجًا يحتذى في العالم؛ لما تقوم به من جهود لوأد الفتن الطائفية داخلَ مصر وخارجَها، كما حدث في المصالحة التاريخية بين فرقاء أفريقيا الوسطى على سبيل المثال. كما تمكن الأزهر بفضل الله تعالى من جمع الفرقاء من أبناء ميانمار هنا في الأزهر الشريف لأول مرة منذ نشوب الأزمة، وذلك بالتنسيق مع مجلس حكماء المسلمين، وقد جرى الاتفاق على مواصلة الجهود حتى المصالحة بإذن الله، ومن جهود الأزهر كذلك ما يقوم به «مركز الأزهر لحوار الأديان» الذي يعمل على إرساء دعائم المواطنة والتعددية الفكرية وتبني ثقافة الحوار والتعايش مع الآخر في  العالم كله، وما حوار الأزهر والفاتيكان في قلب مشيخة الأزهر عنا ببعيد، ومن قبله حوار شباب الأزهر مع شباب مجلس الكنائس العالمي، فضلًا عن حوارات وجولات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر شرقًا وغربًا، بالإضافة إلى جهود مرصد الأزهر باللغات الأجنبية في رصد أنشطة الجماعات المتطرفة وتحليل أفكارهم المنحرفة وفتاواهم الشاذة وتفنيد مزاعمهم التي تزعزع أمنَ المجتمعاتِ واستقرارَها.

وقال  إن اختلاف الدين لا يسوِّغ ظلمَ الآخر أو التضييقَ عليه أو تحقيرَه أو التقليلَ من شأنه أو تهجيرَه من موطنه، والمسلمُ وغير المسلم في ذلك سواء في الفكر الأزهري، ولقد أعلن الأزهر الشريف استنكاره الشديد لتلك الهجمات التي استهدفت إخواننا شركاء الوطن في كنائسهم أو ديارهم، والتي كان آخرها تلك الممارسات البربرية التي تسببت في ترك بعض إخواننا المسيحيين لديارهم في العريش بسيناء، كما أنني أؤكد أننا إذا أردنا سلامًا وأمنًا حقيقيين يسودان العالم؛ فعلى الذين يملكون القوة، أن يمتلكوا كذلك الإرادة لإنقاذ العالم من الدمار والخراب والفقر والجهل والمرض، وأن يتوقفوا عن فرض الوصاية على غيرهم بالقوة، وانتهاج التمييز المقيت في التعامل مع الآخر، تلك المعاملة التي تولد الشعور بالقهر والكراهية، وتغذي روح الانتقام، ولا شك أن ذلك لن يُخلِّف إلا مزيدًا من الدمار الإنساني والتراجع الحضاري.