الأربعاء 16 اكتوبر 2024

حلمى التونى يدندن فى لوحاته


سمير فؤاد

مقالات14-10-2024 | 14:40

سمير فؤاد

كان حلمى التونى يعشق الموسيقى.. يحب أم كلثوم وعبدالوهاب.. وعندما كان رائق المزاج كان يغنى بصوت حسن ونغمات منضبطه وإيقاع موزون بعض من أغانيه المفضّلة.. ولأن عشقه للموسيقى كان يملأ وجدانه فقد انساب هذا العشق من بين أنامله لينسكب على لوحاته فجاءت محملة بإيقاعات موسيقية وهارمونيات لونيه وموتيفات مثل اللازمات الموسيقية تتكرر فى لوحات عديدة.. سمكة ونخلة وهدهد وفتاة صغيرة تلهو تنط الحبل وشقة بطيخ ومجموعة من الزهور فى أنية ونفير وبيضة.

يظهر عشق التونى لأم كلثوم وعبدالوهاب فى لوحتين من أجمل الأعمال التى رسمها فى فن اللوحة الشخصية من معرضه وجوه جميله عام 1998.. لوحة أم كلثوم مأخوذة من صورة فوتوغرافية لها فى شبابها وهى ترتدى عمامة على الطراز الشرقى والوجه تكسوه ظلال كثيفة من لون يقترب من الأسود يتعارض مع هذه القتامه الجزء المضيء من الوجه بلون ناصع من درجات اللون القرمزى والذى يستعمله بكثافة فى العمامة والشفاة.. وفى الخلفية الزرقاء موتيفة دائرية تتكرر حول الوجه مثل اللازمة الموسيقية.. اللوحة على بساطتها توحى بحس شرقى بدون أى تكلف أو سفسطة فلا توجد هنا زخارف أو حروف عربية وليست الألوان المستخدمة من الألوان التى عهدناها تمثل الشرق كما فى رسوم الفنانين المستشرقين.

أما لوحة عبدالوهاب فهى أيضا مأخوذة من صورة فوتوغرافية له فى شبابه وهى من نفس مقاس لوحة أم كلثوم وبنفس التركيبة اللونية وكأن حلمى التونى قصد أن تكّون اللوحتان ثنائية.. ويظهر وجه عبدالوهاب فى وضع جانبى يرتدى طربوشا وقد وضع يده على ذقنه فى وضع فوتوغرافى مشهور فى هذا الوقت.. أعتقد أن حلمى التونى فى هاتين اللوحتين ويمكن أن أضيف إليهما لوحة ثالثه للممثلة راقيه إبراهيم منفذة بنفس الأسلوب قد وصل إلى تقديم الحس الشرقى ببراعة وبساطة أستاذ مخضرم.

ويظهر عشق التونى للموسيقى فى معرضه عام 2007 والذى أسماه التخت الشرقى ورسم فيه بنات مثل عرائس الأساطير الشعبية يعزفن على آلات مثل العود والكمان والتشيللو والناى.. وتظهر نزعته السيريالية فى لوحتين من هذا المعرض الأولى لوحة "حلم العزف" وفيها فتاة من فتيات أحلامه توحى بيدها وكأنها تعزف على آلة كمان ولكن لا يوجد هنا آلة فهى تعزف فى الفراغ أو تحلم أنها تعزف.. واللوحة الثانية "من وحى عازفى بيكاسو" وهو يشير بهذا إلى لوحة بيكاسو التكعيبية الشهيرة لثلاثة من العازفين ولكن العلاقة مع لوحة بيكاسو تتوقف عند اختيار عدد العازفين فقط.. اللوحة تصور ثلاثة من العازفين اثنان من الرجال فى بزة العزف الرسمية وربطة العنق البابيون والذى جعلها حلمى من باب المفارقة باللون الأحمر ويطل من جيب سترتهما منديل أبيض شكله على هيئة الأهرامات الثلاثة.. أما السيدة فهى فى ثوب السهرة يطّوق عنقها عقد ذو حبات كبيرة.. وقد استبدل التونى رؤوس العازفين الثلاثة بآلاتهم فأصبحت السيدة برأس آلة كمان والعازفين آخرين أحدهما برأس آلة عود والآخر برأس آلة القانون.. ومن اللوحات الجميلة فى هذه المجموعة  لوحته "من وحى القمر" والتى صور فيها حلمى عازفة العود من زاوية خلفية وكأن الرائى ينظر إليها من خلفها فى هيئة تذكرنا بلوحة الفنان الكبير أحمد صبرى فى لوحته عازفة العود وكأن حلمى التونى يرسل تحية إلى الفنان المعلم أحمد صبرى.  

ومن أجمل لوحات الموسيقى وأكثرها  تعبيرا عن روح الموسيقى تلك اللوحة التى رسمها عام 1995 بعنوان "الصحوة".. ويظهر فى هذه اللوحة بجلاء قدرته الفذه على تصميم فراغ اللوحة والتى جعلته من كبار فنانى الإخراج الصحفى.. اللوحة مربعة تقريبا يؤطرها أربعة مستطيلات الثلاثة الأيمن والأيسر والعلوى تتكرر بكل منهما موتيفة عبارة عن زهرة بساق وأوراق.. أما المستطيل السفلى فقد رسم فيه سمكتين متقابلتين يحصران زهرة صفراء فى المنتصف وأسفل هذا المستطيل مسطح من منظور علوى عليه ثلاث عرائس يرقصن متشابكات الأيدى.. أما المربع الذى هو صرّة اللوحة فتتوسطه فتاة مجنّحة تعزف على نفير يقف عليه طائر الهدهد.. اللوحة منفذة بأسلوب مونوكرومى من اللون الأسود والأزرق وكأن التونى يريد تأكيد مقام حسى لونى ويعارض هذا اللون فى نبرات متفرقة بلون أصفر كابى.. برغم عنوان اللوحة الذى يريد به الفنان التعبير عن الصحوة من سبات مادى أو معنوى على الأرجح إلا أنها صحوة منقوصة أو هى بداية لصحوة قد تكتمل أو تجهض فهى بلونها القاتم وخطوطها المتذبذبة توحى بحالة من الغموض السوداوى وكأن اللوحة تعزف لحن الوداع الأخير.

قضى حلمى التونى معظم حياته الفنية يصمم ويرسم للصحافة وعالم النشر وكان تأثيره فيهما لا يضارع.. ولكنه حينما كان يريد أن يعبِّر عن أحاسيسه الذاتيه كان يلجأ إلى حامل الرسم فهنا لا يوجد نص يلزمه ولا محددات من الناشر تقيده.. فى اللوحة كان يجد الحرية التى تجعله يدندن ويغنى ليستمتع وكفى.