الإثنين 10 مارس 2025

تحقيقات

لارا ومروان وحازم حلمي التوني يكتبون: هذا والدي

  • 15-10-2024 | 12:12

حلمي التوني

طباعة

من هو حلمي التوني أو ما هى هوية حلمي التوني التي حاول أن يتشبث بها حتي النهاية هو كان يري أنه ليس إنسانا إنما هو فنان والفنان يحب أن يرسم فإذا لم يرسم فهو فقد هويته تماماً.

بدأ حلمي التوني حياته العملية في مجلة الجيل ثم انتقل إلى مجلة الهلال منذ عام 1957 وحتى أوائل السبعينيات ومع تولى أحمد بهاء الدين رئاسة مؤسسة دار الهلال قام بتعيينه مديراً فنياً مشرفاً علي الأغلفة الخاصة بمطبوعات الدار والتي كانت تعتبر بيته الأول.

ثم سافر إلي لبنان ليقضي 13 عاماً فى بيروت وربما كانت مصادفة أن فى هذا الوقت كانت لبنان هى أكبر مطبعة للكتب العربية ثم عاد إلى القاهرة وتفرغ إلى عمله فى تصميم أغلفة الكتب والرسوم الزيتية ورحلته فى عالم الكاريكاتير.

وكان في معظم حياته مستغرقاً في عمله وفي الأوقات التي كان يخصصها للحديث عن لوحاته وعن الفن عموماً قاصداً بذلك أن ينقل إلينا ما تعلمه فى مسيرته التى امتدت أكثر من 70 عاماً.

وكثيراً ما كانت تستوقفه واحدة من أعماله القديمة ليعيد اكتشافها وينغمس فى شرح لمفردات اللوحة من ظل ونور وتكوين محاولاً توضيح أسباب اختياره لها ويضع يده ليغطى كتلة ما في اللوحة لنفهم تأثر عدم وجودها علي اتزان العمل وكيف أن ترابط هذه المكونات مع الألوان تصل بنا إلي تأثير شاعري معين.

بيد أنه لم يكن يحب أن يشرح معني اللوحة أو ما تأثر به من معان فكان يفضل أن يترك المتلقي أن يخرج بانطباعات العمل من خلال تأثره به وتفسيره الخاص وعندما نسأله فهو يرد بجملته الشهيرة "أنت شايف أيه".

بالإضافة إلى الرسم كان مولعاً باللغة العربية والشعر فكثيراً من الأغلفة التي قام بتصميمها كان يعتمد على خط يده في تصميم عنوان الكتاب بدلاً من استخدام فونتات جاهزة كذلك في رسوماته الزيتية كان يحب أن يستخدم إما أبياتاً شعرية أو مقاطع من أغنيات تكون قريبة إلى قلبه.

وهو كان أيضاً مغرماً باللغة العربية ويعتبرها اللغة الأكثر ثراء من بين اللغات المختلفة.

فكان يتلذذ بأن يجد مفردات لها معان مختلفة بنفس النطق في اللغة الأجنبية بينما توجد لها كلمات منفردة أو مختصة في اللغة العربية.

وأعطانا مثلاً بسيطاً حيث أشار إلى كلمة right وتعنى "يمين" وأن نفس النطق لكلمة أخرى هي rite تعنى "حق" وأيضاً كلمة left وتعنى "شمال" أو "يسار" وفي نفس الوقت تعنى مضى بينما في اللغة العربية كل معنى له كلمة منطوقة خاصة به.

ومن الفنون التي كان يقدرها هى فن المسرح فعندما كان فى لندن ذهب لمشاهدة مسرحية phantom of the opera وcats وظل يحكى عن انبهاره وذكرياته عن هذه المسرحيات حتى قبيل وفاته، وكذلك كان يكن حباً جماً لمسرح العرائس حيث قام بتصميم الأفيش الخاص بالليلة الكبيرة وربما لا يخفى على أحد اهتمامه بالأطفال حيث قام برسم عدد كبير من كتب التلوين لتعريف الصغار بثقافتهم المحلية من بائع البطاطا إلي مراجيح المولد.

وهو كان في حديثه غزير المعلومات فهو كثير الاطلاع ودائماً ما يبحث عن الجديد، وكان فضوله كبيراً عندما تحكي له عن شيئا جديدا وعندما نتحدث معه فإننا نجد أنفسنا كما الواقف علي أطراف أصابعه فهو قوى الملاحظة وسريع البديهة فيبادرك بسؤال ينتظر منك إجابة جيدة فتجد نفسك في حالة قلق بسبب ذكائه.

أما في حياته اليومية فكان يعرف بالدقة والانضباط في المواعيد رغم أن هذه الصفة يفتقدها الكثير من الفنانين.

كذلك كان يفضل أن يتناول طعامه في نفس الموعد كل يوم ويمارس الرياضة صباحاً بانتظام وكان محباً لشتى صنوف الطعام وكذلك من أكثر عاداته وضوحاً هو حبه لتناول الكرواسون والكيكة علي الإفطار.
بالنسبة إلينا فإن المرسم الخاص بأبينا كان متاحا في أوقات وغير متاح في أوقات أخرى.

فوقت الرسم يعتبر وقتاً مقدساً لديه فكلنا نخاف أن نسأله في أى شىء ونتردد كثيراً قبل الدخول عليه.

ورغم أنه يحب الاستماع إلي الراديو فلا تجده يرسم بينما يستمع إلى الموسيقي بل يخصص وقتاً لذلك.

والحقيقة أنه كان يحب الغناء ويعشق محمد عبدالمطلب ولا يتردد أبداً إذا سنحت الفرصة أن يؤدى بعضا من أغنياته أمام جمع من معارفه وأصدقائه حتى وإن كانوا كثر.

هو كان يرى أن الفن كله ينصب في بوتقة واحدة فالموسيقى كالرسم كالعمارة كالنحت فكما يقوم الملحن بتوزيع الآلات في المعزوفة فإن الفنان يقوم بتوزيع المفردات فى اللوحة لتخرج بإيقاع معين وهذا الإيقاع هو إيقاع بصرى وذلك يجعل من العمل عملا فنيا يخاطب الوجدان.

ولأنه فن شعبي فهو رغم نجاحه لم يكن لديه استعداد أن تكون لوحاته مرتفعة الثمن فيصعب علي الناس اقتناؤها وعندما كان يعجب أحد الناس بلوحة من أعماله ويشعر أنه غير قادر علي دفع ثمنها فكان يهديها إليه وهو كان يري أن تقدير هذا الشخص للوحه هو أهم بكثير من القيمة المدفوعة فيها.

والجدير بالذكر أنه كان مميزاً بأنه كان يقوم بتغليف اللوحة بغطاء خاص حتى تصل إلى مالكها فى أفضل حال للحفاظ عليها.

كان حلمي التوني محباً لمصر في كل حالاتها وهو كان يجسدها فى أعماله الفنية بالمرأة المتعددة الفضائل فهي الفلاحة العاملة والمرأة الشجاعة والأم الحاضنة.

ومن أكثر ما يميز حلمى التونى أنه عندما تكون مصر والعالم العربي، وخاصة مصر تمر بفترة صعبة كان يتجه برسوماته إلى الفرح بل والفرح الزائد وهذا تمثل فى معرضه "ليه يا بنفسج" و"يحيا الحب" وذلك حتي تخرج الناس من حالة الكآبة وليشعروا بقيمتهم ويستطيعوا أن يستمروا في الحياة

ربما يكون فن حلمي التوني قد أشاع بعض من الثقة والطمأنينة في قلب مصر والعالم العربي عن طريق الشعور بأن ثقافتنا ممتدة ومعاصرة ومحفوظة وربما يكون قد أشاع بعض فن البهجة والسرور علي مصر  والعالم العربي وربما ما كان يكفيه حقاً هو أن يكون قد أشاع بعضاً من الأمل والتفاؤل.

الاكثر قراءة