أطلق صندوق النقد الدولي اليوم تقرير "الاستقرار المالي العالمي" الذي يقدم رؤية شاملة للتحديات التي تواجه الأسواق المالية،ويضع إطاراً واضحاً للسياسات التي يجب اتباعها لضمان استقرار الأسواق في مواجهة التقلبات العالمية المتزايدة.
وقدم توبياس أدريان، المستشار المالي ومدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي، في مؤتمر صحفي اليوم - عرضاً مفصلاً حول التقرير،حيث أشار إلى أن التقرير يتناول أحدث التطورات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي،لا سيما الذكاء الاصطناعي التوليدي،وتأثيراته المحتملة على أسواق رأس المال العالمية.
وقال إن التقرير لا يكتفي بتحليل هذه التطورات، بل يعرض أيضاً مجموعة من النتائج الجديدة التي تم استنباطها من خلال التواصل مع المشاركين في الأسواق المالية والهيئات التنظيمية حول العالم،ويسلط الضوء على الفرص والمخاطر التي قد تنشأ عن التوسع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي،وخاصة الذكاء التوليدي، الذي يشهد نمواً سريعاً.
وأوضح أدريان أن هذه التكنولوجيا المتقدمة تساهم بشكل كبير في تحسين الكفاءة في أسواق رأس المال،مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُحدث تغييرات جوهرية في عمليات التداول والاستثمار وتوزيع الأصول.
وأكد أن التأثيرات الإيجابية لهذه التقنيات قد بدأت تظهر بالفعل،سواء من خلال زيادة تسجيل براءات الاختراع أو من خلال التغيرات في أنماط الأسعار وديناميكيات التداول في بعض الأسواق المالية،ومن المتوقع أن يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات كبيرة في هيكل السوق وطبيعة التداول في المستقبل القريب.
وعلى الرغم من الفرص الكبيرة التي توفرها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي،لفت أدريان إلى المخاطر الجديدة التي قد تنشأ مع التوسع في استخدامها، فقد يؤدي التوسع في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات كبيرة في هيكل الأسواق المالية، بما في ذلك زيادة حجم التداول وارتباط الأصول بوتيرة أسرع، مما قد يؤدي إلى تقلبات حادة في الأسواق نتيجة ردود الأفعال السريعة تجاه المعلومات الجديدة.
وأشار إلى أن التحليل الحالي يظهر أن معظم استخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي في الوقت الحالي تعتبر امتداداً لتقنيات التعلم الآلي وأدوات التحليل المتقدمة،ومع ذلك فإن التغيرات الأكثر أهمية والمتعلقة بالبنية الأساسية للأسواق لن تظهر إلا على المديين المتوسط والطويل.
وفيما يتعلق بالمخاطر، أوضح أدريان أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى زيادة التقلبات في الأسواق المالية، خاصة إذا تفاعلت جميع استراتيجيات التداول التي تعتمد على النماذج الذكية بشكل مشابه عند حدوث صدمة مفاجئة، كما قد يؤدي إلى نقص الشفافية وتحديات في الرقابة، حيث يمكن أن تنتقل أنشطة التداول والاستثمار إلى صناديق التحوط والشركات التي تعتمد على التداول الذاتي، مما يصعّب على الهيئات التنظيمية مراقبتها.
وللتعامل مع هذه التحديات،أكد أدريان أهمية اتخاذ إجراءات استباقية لضمان استقرار الأسواق المالية،موضحا أن الهيئات الرقابية يجب أن تكون مستعدة لمواجهة المخاطر الناشئة عن الذكاء الاصطناعي من خلال سياسات إضافية، مثل تعزيز آليات وقف التداول وتنظيم استخدام هوامش التغطية لتقليل التحركات السريعة في الأسعار.
وأشار إلى أن تعزيز الرقابة على أنشطة كبار المتداولين وجمع المزيد من البيانات عن أنشطتهم هو أمر ضروري للحفاظ على استقرار الأسواق، كما شدد على ضرورة تنسيق الجهود بين الجهات التنظيمية لتحديد الأطراف التي تقدم خدمات الذكاء الاصطناعي الحيوية، وتعزيز قدرة الأسواق على مواجهة الهجمات السيبرانية والمخاطر التقنية.
على جانب آخر، تناول أدريان حالة عدم اليقين التي تسود الاقتصاد الكلي العالمي منذ جائحة "كوفيد-19"،والتي تفاقمت بفعل صدمات التضخم،وتزايد التوترات الجغرافية-السياسية، وتسارع وتيرة الابتكار التكنولوجي، وأوضح أن هذه البيئة غير المستقرة قد تؤدي إلى تأثيرات كبيرة على الاستقرار المالي العالمي.
وأشار أدريان إلى أن هذه الحالة من عدم اليقين قد تؤدي إلى تفاقم المخاطر في الأسواق المالية من خلال ثلاث قنوات رئيسية: أولاً، قد تزيد من مخاطر التقلبات في الأسواق في حالة حدوث صدمة معاكسة، ثانياً، قد تؤدي إلى تأخير قرارات الاستهلاك والاستثمار في القطاع الخاص، مما يزيد من مخاطر الائتمان في المؤسسات المالية. ثالثاً، قد تؤدي حالة عدم اليقين إلى تقليل توافر الائتمان نتيجة توسع فجوة المعلومات بين المقرضين والمقترضين.
وأشار إلى أن التأثيرات الأكثر وضوحاً لهذه الحالة من عدم اليقين تظهر في البلدان التي تعاني من نقاط ضعف مالية، مثل ارتفاع مستويات الدين العام والخاص.
وأكد أدريان على أهمية أن تكون السياسات الاقتصادية ذات مصداقية وشفافية لبناء الثقة وتحقيق الاستقرار المالي. أوضح أن السياسات الاحترازية المالية يجب أن تكون فعّالة في التعامل مع نقاط الضعف، لا سيما في البلدان التي تعاني من ارتفاع مستويات الدين العام. كما شدد على أن احتياطيات كافية من العملات الأجنبية ومرونة أسعار الصرف يمكن أن تساهم في التخفيف من المخاطر الاقتصادية العالمية.