“إيلان” السورى مات غرقا، فى مشهد أبكى العالم أجمع، إيلان أسرته حاولت الفرار من جحيم الحرب فى بلادهم، قرروا الهرب بحثا عن طوق نجاة، ولكن أنى لهم الهرب، وطائر الموت يرفرف بجناحيه فوقهم أينما ذهبوا..“جنة” المصرية بطلة الجمباز لم تكن أفضل حالا من إيلان السورى إلا أنها لم تمت غرقا فى بلاد غريبة، ولكنها ماتت إهمالا فى بلدها، قتلها دود الفساد الطبى، وملائكة رحمة تحولوا إلى شياطين عذاب.
إلى جنة وإيلان أرقدا بسلام، مع الشهداء والصديقين والأبرار وحسن أولئك رفيقا، هنيئا لكما البعد عن الأرض والبشر، هنيئا لكما جنة الرحمن.
الله برحمته نجا مصر من شبح الإرهاب وسخر لها جيشاً يحمى ورئيساً لديه استعداد أن يضحى بنفسه فى سبيل ألا يتحول المصريون إلى لاجئين يستعطفون بلاد الله من أجل أن تحن عليهم وتقبلهم.
مصر نجحت فى حرب الإرهاب، وتصدى جيشها الباسل لمؤامرات الداخل والخارج، ووقف فى وجه من كان يريد أن يحول مصر إلى ساحة حرب وخراب ودمار، ونجا الله أطفال ونساء مصر من التشرد والموت.
ولكن يبقى إرهاب الفساد والإهمال وهو بأى حال لا يقل خطورة عن إرهاب المتطرفين والتكفيريين والدواعش.
دواعش الفساد إرهابيون ينخرون فى عظام مؤسساتنا، ويقتلون المصريين، وإن سكتنا عليهم قتلنا جميعا.
الفساد والإهمال مثل الإرهاب يدمر الدول، ويشرد الشعوب، وما حدث لبطلة الجمباز “جنة” خير دليل.
“جنة” الفراشة المصرية الحالمة ابنة الـ ١٠ سنوات قتلها الإهمال والفساد فى القطاع الطبى، بطلة الجمباز البريئة راحت ضحية من لا يتقون الله.
جنة ماتت مرتين، الأولى عندما صدمها سائق “ميكروباص” مجنون من هؤلاء الذين يمرحون فى شوارعنا بدون ضابط ولا رابط، والثانية فى غرفة العناية المركزة المليئة بالديدان.
نعم غرفة عناية مركزة وفى مستشفى شهير به ديدان، أراك متعجبا،إذا أخذتك الدهشة والاستغراب ، سأقول لك من الواضح أنك لست من هذا البلد، ولم تسمع عن حكايات الإهمال فى المستشفيات، ليس الحكومية فقط ولكن حتى الخاصة التى يدفع المرضى فيها دم قلبهم، سأقول لك بصوت توفيق الدقن “حكايات تشيب”، وكل حكاية تنتهى بتصريحات من قبيل سنحيل المسئولين إلى التحقيق، وبعدها يكفى “على الخبر ماجور” وكأن شيئا لم يحدث، حتى نسمع بحكاية جديدة راح ضحيتها إنسان آخر، وهكذا تدور الحكايات، والضحايا يتساقطون فى وسط منظومة صحية تقتل أكثر ما تعالج.
جنة ماتت.. هذا قضاء الله وقدره و”بشر الصابرين”، وربما كانت الحادثة التى تعرضت لها هى السبب، ولكن الديدان لا زالت حية فى غرف العناية المركزة، ديدان الفساد لا زالت تلعب وتمرح وتلهو فى مستشفياتنا، ودود الفساد مثل “دود المش” منه فيه لا ينتهى، يروح “دود” ويجى “دود” مكانه، والفساد يكبر وينتشر ويتوغل، طالما أن “الدود” آمن العقاب، ومن آمن العقاب زاد فساده.
إذا لم تنتفض الحكومة من أجل مقتل جنة، وإذا لم تعلن وزارة الصحة النفير العام لمواجهة ديدان الفساد فى المستشفيات العامة والخاصة، فقل علينا السلام، وأقرأوا الفاتحة من الآن على أرواح ضحايا جدد سيلقون حتفهم على أسرة متسخة، وسط نفايات طبية، ومواء القطط، والصراصير، والوجوه الغليظة التى لا ترحم.
عليكِ سلام الله يا جنة ، أعلم يقينا أنك الأن أفضل حالا وأسعد منا جميعا، رحمك الله ، رحلتى وتركتينا وسط “الديدان”.
كتب : طه فرغلى