أسهم بقوة في الحركة الثقافية والفنية بالعديد من المؤلفات المتميزة، وقدم برنامجًا تليفزيونيًا كان الأشهر في الوطن العربي وهو "العلم والإيمان" فجعل العلم في متناول مشاهديه بناء على الأسس الإيمانية، لدرجة جعلت مشاهديه يجلسون بإنصات أمام أجهزة التلفاز بمجرد أن يستمعوا لجملته «أهلا بيكم»، ليعيشوا معه حالة من التأمل ويقظة جديدة للعقل، فكان عقله مبدعًا، يمطرنا بالإفادة وزيادة الوعي، وأسلوبه كان بسيطًا بوعي مفكر وفيلسوف، ولم لا وهو الذي تخلى عن مهنة الطب من أجل الأدب والفلسفة، فاتسم عقله بأفق ممتد وواسع، إنه الطبيب والأديب والعالم والمفكر والإعلامي مصطفى محمود.
نشأة صوفية
وُلد مصطفى محمود مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ، في قرية ميت خاقان التابعة لمركز شبين الكوم في محافظة المنوفية، ويذكر أنه من الأشراف وينتهي نسبه إلى علي زين العابدين. توفي والده عام 1939م بعد سنوات من الشلل.
عاش «مصطفى» في ميت الكرماء بجوار مسجد «المحطة» الشهير الذي يعد أحد مزارات الصوفية الشهيرة في مصر؛ مما ترك أثره الواضح على أفكاره وتوجهاته، عشق الموسيقى فتعلم العزف على العود، والنوتات الموسيقية، عمل بالكثير من التجارب العلمية المتعلقة بالكهرباء، اخترع هو وصديقه العديد من الأجهزة.
الملقب «المشرحجي»
بدأ «مصطفى» حياته متفوقًا في الدراسة، وفي منزل والده أنشأ معملًا صغيرًا يصنع فيه الصابون والمبيدات الحشرية ليقتل بها الحشرات، ثم يقوم بتشريحها، ودرس الطب وتخرج عام 1953 وتخصَّص في الأمراض الصدرية، أُطلق عليه رفقائه بالطب لقب «المشرحجي» لوقوفه طوال اليوم أمام أجساد الموتى، طارحًا التساؤلات حول سر الحياة والموت وما بعدهما، لوتشريحه للجثث فساعده في دراسته، وقرر الطبيب الأديب ترك مهنه الطب واتجه للكتابة والبحث، وتفرغ لهما عام 1960م.
ألّف مصطفى محمود العديد من الكتب منها: العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية، والتي وصلت نحو 89 كتابًا، ومن أشهر مؤلفاته: «55 مشكلة حب»، «رحلتي من الشك إلى الإيمان»، 1970م، وفيه تناول العديد من التساؤلات والمواضيع الفكرية التي تتعلق بخلق الجسد، والإنسان، والعقل، كما ألف «حوار مع صديقي الملحد»، «الشيطان يحكم»، و«الروح والجسد».
و ألف كتاب «لغز الموت» صدر هذا الكتاب لأوّل مرة سنة 1999م، وقد تحدّث فيه عن الحياة، والموت بأسلوب فلسفي مبسّط، فهو يرى بأن الإنسان يموت كل يوم، من خلال موت الملايين من خلاياه في جسمه دون أن يشعر بها، ويطلق على ذلك اسم الموت الأصغر، وقد قسّم الكتاب لأربعة فصول هي: اللغز، والخيط، والزمن، والروح.
وكتب أيضًا مجموعة من الأشكال الأدبية ما بين الرواية والمسرح والقصص القصيرة ومنها: «الذين ضحكوا حتى البكاء، رائحة الدم، أما للمسرح قدم العديد من المسرحيات منها جهنم الصغرى، والإسكندر الأكبر، الإنسان والظل».
حاضرًا بقوة على الشاشات
ألف مصطفى محمود المجموعة القصصية «شلة الأنس» عام 1962م، عن شخصيات شعبية يجتمعون ويتبادلون الحديث عن الفن والاختراعات، وتحولت إلى فيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه، في عام 1976 م.
وأّلف الرواية الفلسفية «العنكبوت» 1965م وهي من أشهر رواياته بلمسة الخيال العلمي وتناقش فكرة مصير الروح وارتباطها بالإنسان وماذا يحدث بعد الموت، وثم تقديمها في مسلسل عام 1973م بطولة النجم عزت العلايلي
وكتب رواية «المستحيل» عام 1960 م وتحولت لفيلم سينمائي بنفس الاسم عام 1965 ووضع لها السيناريو يوسف فرنسيس، وشارك في الكتابة مصطفى محمود، وفي عام 1965 كتب فيلم «العنب المر» المأخوذ من إحدى قصصه الشهيرة، وعام 1968 كتب الحوار الخاص بفيلم «نار الحب» للفنانة سعاد حسني.
صاحب «العلم والإيمان»
قدّم مصطفى محمود أكثر من 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير «العلم والإيمان»، وبدأ البرنامج سنة 1971م واستمر حتى 1997 م، حتى حفر في وجداننا وأذهاننا نقوشا لا تزال باقية إلى اليوم تعلق به الكثيرين من جمهور التلفزيون المصري والعربي.
حاصد جوائز الدولة
كرمت مصر العالم والمفكر الكبير مصطفى محمود، في العديد من الفعاليات، حازت روايته «رجل تحت الصفر» على جائزة الدولة التشجيعية لعام 1970م، وحصل على الجائزة نفسها 1975م في أدب الرحلات عن كتاب «مغامرة في الصحراء»، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الأدب سنة 1995م.
خلف مصطفى محمود أثرًا اجتماعي بين المجتمع المصري، حيث أنشأ عام 1979م مسجدًا باسمه في الجيزة يُعرف بـ «مسجد مصطفى محمود»، وألحق به مستشفى خيري، وأسس أيضًا مركزًا طبيًا أسماه «الكوثر»، و أنشأ جمعية خيرية، تضم العديد من المراكز الطبية، ومراكز البحث المتخصصة بالطب البديل، والعلاج الطبيعي، وتحتوي على 4 مراصد فلكية، ومتحف للجيولوجيا
ترك مصطفى محمود أثرًا في عقول الكثيرين ومن أقواله:
- «الناجح هو ذلك الذي يصرخ منذ ميلاده» جئت إلى العالم لأختلف معه «ولا يكفّ عن رفع يده في براءة الطفولة ليحطم بها كل ظلم وكل باطل».
- «لو كانت الأشياء المادية أهم من المعنوية؛ لما دفن الجسد في الأرض، وصعدت الروح إلى السماء».
- «حفظ المسافة في العلاقات الإنسانية مثل حفظ المسافة بين العربات أثناء السير فهي الوقاية الضرورية من المصادمات المُهلكة».
- «إنَّ السَّعادة في معناها الوحيد المُمكن: هي الصُّلح بينَ الظَّاهر والباطن، هيَ الصُّلح بين الإنسانِ ونفسه».
رحل الدكتور مصطفى محمود عن عالمنا في الواحد والثلاثين من شهر أكتوبر في عام 2009م، بعد صراع مع المرض، واستمرّ علاجه لشهور عدّة، حيث كان في الثامنة والثمانين من عمره، وسيبقى أثره خالدًا بيننا بكل ما قدم من سطر بقلمه وما قدمه من إبداع وفكر وثقافة. عدّة، حيث كان في الثامنة والثمانين من عمره.