جائزة «نوبل»، هي أشهر الجوائز العالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب نيل الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر ويحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.
ومع قسم الثقافة ببوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901 في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.
ونلتقي اليوم مع الأديب المؤرخ «تيودور مومزن»، والذي نشهد ذكرى رحيله عن عالمنا اليوم، حيث توفي في 1 نوفمبرعام 1903م، وذلك عقب حصوله على جائزة نوبل بعام واحد حيث نالها 1902م،غير أنه بقي بأثره وإبداعه حيًا في تاريخ البشرية.
نشأة دينية
ولد تيودور مومزن في 30 نوفمبر 1817م لأب من رجال الدين «قسً»، مما دفع به إلى التأثر بالأفكار اللوثرية الخاصة بالمجدد الألماني تعاليم مارتن لوثر وهي أحد أكبر فروع البروتستانتية.
ودرس «مُومزِن » في مدرسة الطونا بهامبورج، ثم التحق بكلية الحقوق، غير أنه حبه الكبير للتاريخ دفعه لدراسته خاصة تاريخ روما، وكان صديقًا للأدباء، خاصة الشاعر والقاص«تيودورشتورم».
القانون .. والكتاب الأول
نشر«مُومزِن» كتابه الأول في القانون تحت عنوان «مسائل قانونية في الكتابة وحقوق المؤلف» وفي عام 1843 ثم نشر كتابين حول القانون الروماني العام، وهذان الكتابان جذب انتباه «كارل فردريش فون سافيني» رئيس العلوم القانونية حينذاك، وهو الذي قدم له فرصة مهمة وعظيمة، حين ضمه إلى أكاديمية العلوم البروسية، وكان هذا سببًا في أن يتنقل بين بلاده وبين إيطاليا وفرنسا.
وعقب اندلاع ثورة 1848 بفرنسا، عاد «مُومزِن» إلى بلاده وعمل صحفي، كما عمل مدرساً للقانون المدني في الجامعة، وفي عام 1850م دعته جامعة زيورخ عرضا لتدريس القانون الروماني، فاستجاب، كما قام بالعمل نفسه بسويسرا عام 1854م.
وعاد إلى ألمانيا بطلب كلية الحقوق، وأصبح يتنقل بين الجامعات ليدرس علوم القانون من برلين إلى مدن ألمانية أخرى، كما عينته جامعة برلين أستاذاً للتاريخ الروماني، ثم أصبح سكرتيراً لقسم الفلسفة والتاريخ بأكاديمية«بروسياو».
عضوا في البرلمان
حقق «مُومزِن» نجاحًا اجتماعيًا، وأصبح عضو بالبرلمان لثلاث مرات كان «تيودور» عضوا في البرلمان عام 1866 وقف أمام بسمارك وراح يدافع عن نظريته في تطبيق القانون الروماني العام، و أن الأمر ليس حلما قوميا، بل هو حقيقة فقد كان يرى أن الدولة الرومانية قامت على ثلاثة أسس الشعب يحكم، المواطنون وحدة واحدة، سيادة السلطة.
مؤلفات «مؤرخ نوبل»
واهتم «مُومزِن» في كتاباته بالأبحاث في المقام الأول في كل هذه المجالات وجمع فيها بين اللغوي، والقانوني، وعالم الآثار، وكان عالمًا بالجغرافيا والاإقتصاد وعلم الإجتماع، ومجالات أخرى عدة، وهذا يوضح سر تفوقه، و يفسر أيضًا حصوله على هذه الجائزة، التي نادرا ما يحصل عليها الفلاسفة والمؤرخون ورجال السياسة.
حققت دراسته للغات القديمة استافادة كبيرة له، حيث مكنته من التعرف على فنون الكتابة المنقوشة خاصة اللغة اليونانية القديمة واللاتينية، وقام بنشر مجموعة دراسات باللغة الإيطالية، في بداية حياته.
وجاء اهتمامه بالقانون جاء في مرحلة تالية لدراسته للتاريخ الروماني، حيث دفعته هذه الدراسات إلى الاهتمام بالآداب الرومانية والفنون في ذلك العصر، وذلك باعتبار أن دراسة وفهم القانون والآداب، وأيضا العلوم والاقتصاد مكنته من دراسة وفهم هذا العصر بشكل شامل.
جمع مؤلفاته وكتبه
و قرر«مُومزِن » أن يجمع مؤلفاته وما كتب، في ثمانينات القرن التاسع عشر، فنشر «قائمة ببليروجرافية» تضم كافة كتاباته حتي عام 1887، و ضمت قرابة 920 عنوانًا.
و جاءت أهمية كتابات «تيودور» من منظوره العلمي للأشياء، خاصة التاريخ، وعلم التأريخ وكان يرى أن المسيرة العلمية مرتبطة بنضال العصر، وكان يحس أن الأيدولوجيات دائمًا ضيقة الأفق وكثيرا ما تفسد الواقع.
جائزة نوبل .. ورحيل مبكر
حاز «تيودور»على نيشان البافاري الماكسيميلياني للعلوم والفن 1871م وسام الاستحقاق للفنون والعلوم 1868م، و فاز بجائزة نوبل عام 1902، بعد عام واحد من منح الجائزة لأول مرة، وحتى الآن أصبح هو المؤرخ الوحيد الذي فاز بالجائزة في هذا الفرع، وقيل عنه بعد ذلك ومن خلال اللجنة التي منحته نوبل «أعظم سيد حي في فن الكتابة التاريخية، مع إشارة خاصة إلى عمله الضخم، تاريخ روما»، ورحل عقب حصوله على جائزة نوبل بعام واحد حيث نال الجائزة 1902م، وتوفي في 1 نوفمبرعام 1903م وظل باقيا بأثره وحيًا بما قدم من إبداع وأدب متفرد.