بقلم : أمل مبروك
البحث عن الحقيقة ليس بالمهمة السهلة ولا البسيطة، وتتجاوز كثيرا مجرد استقاء المعلومات من أفراد أو أحزاب أو مؤسسات نحمل لها قدرا عظيما من الثقة والتقدير والاحترام طوال سنوات كثيرة من أعمارنا وثقافاتنا وما رسخ فى وجداننا، فحقيقة الأشياء والمواقف غالبا ما تكون مختبئة مخبأة.. مختبئة بفعل فاعل أو مخبأة دون قصد من أحد بعينه، وهو ما يقتضي فى الحالتين مجموعة من الالتزامات الأخلاقية والأدوات والسلوكيات حتى يكون الطريق الذى نسير فيه من أجل الاقتراب من الحقيقة طريقا صحيحا، ويقتضي أيضا سعة فى الأفق ورحابة فى الصدر حتى نتمكن من استيعاب وتحمل كل وجهات النظر دون تحيز أو تعنت، وبالتالى يصبح لدينا خصوبة وحيوية في الحوار والتفاعل الموضوعى مع كل ما نتوصل إليه من معلومات ونتائج، فمن الخطأ تصور أن شخصا ما أيا ما كانت موهبته ومهاراته يمكنه أن يمتلك وحده حقيقة هذه الظاهرة أو تلك، وكلها متغيرة متحولة تسري بين أصابعنا كالزئبق، فما أن تمسك بها من جانب حتى تنفلت منك لناحية أخرى، كاشفة عن وجه آخر من أوجهها المتعددة والمتناقضة والمتحولة، فهذه هى عادة وطبيعة الأشياء.
الوصول إلى الحقيقة يحتاج إمكانيات فكرية وثقافية هائلة تحفل بالتنوع والثراء إلى حد ربما غير مسبوق عما اعتدنا عليه وألفناه فى ممارساتنا الحياتية والسياسية، ويحتاج تغييرا فى أنماطنا الفكرية ثم إبداعا فى تنفيذها، ونظرة بسيطة إلى تاريخ دولة مثل روسيا يجعلنا نكتشف أن انهيار أصنام "الاتحاد السوفيتي العظيم" وملحقاته أدخل الجميع في أزمة فكرية وسياسية وتنظيمية طاحنة، غير أنه حرر العقول وأطلق الخيال والوجدان لتصعد على أنقاضها التى نخرها السوس وأحاطتها العفونة من كل جانب أجيال جديدة حرة وخلاقة ومبدعة، هذه الأجيال الجديدة الصاعدة بكل ما تملكه من حرية وشجاعة فكرية وقدرات إبداعية صارت مؤهلة تماما لأن تحدث ثورة فكرية وثقافية كبرى فى مجتمعها قادرة على أن تزيح ركاما هائلا متراكما من التضليل والديكتاتورية ظل رابضا على العقول والأنفاس لعقود طويلة، وإزاحة ذلك الركام العفن لم يكن ترفا فكريا أو أكاديميا وإنما ضرورة لا غنى عنها للوصول إلى مجتمع ينعم بالديمقراطية والحرية.
وبطبيعة الحال فإن البحث عن الحقيقة لن ينجح من المحاولة الأولى وسيحتاج نفسا طويلا وصبرا كثيرا وعملا دؤوبا حتى يتم الوصول إليها.