الجمعة 6 ديسمبر 2024

ثقافة

اكتشاف جديد يوضح العلاقة بين التضحيات البشرية والدين في بيرو

  • 6-11-2024 | 01:57

جانب من الاكتشاف

طباعة
  • إسلام علي

تشير الدراسات الحديثة إلى أن موقع بامبا لا كروز في بيرو يُعد من بين أبرز المواقع الأثرية التي تكشف عن طقوس التضحية الطقسية التي كانت سائدة لدى حضارة تشيمو، التي ازدهرت بين القرنين الثاني عشر والخامس عشر، وعُرفت بمهاراتها الفنية وصناعاتها النسيجية المبهرة.

وتفوق أهمية هذا الموقع كون المكتشفات الأثرية تعكس أبعادًا اجتماعية وثقافية لتشيمو، والتي كانت تتميز بتقديم تضحيات بشرية بشكل منتظم، غالبًا في سياقات دينية وزراعية لتعزيز الإنتاج الزراعي وتحصين الأرض.

وكانت حضارة تشيمو حضارة قديمة ازدهرت في شمال ساحل بيرو الحالي بين القرنين العاشر والخامس عشر الميلاديين، وتعد واحدة من أعظم الحضارات التي ظهرت قبل حضارة الإنكا في أمريكا الجنوبية.

عرفت هذه الحضارة بتقدمها في الهندسة المعمارية، والفنون، والزراعة، وبناء المدن، وكانت عاصمتها مدينة تشان تشان، التي تعتبر أكبر مدينة في العالم مبنية من الطوب اللبن في ذلك الوقت.  

في تلة الدفن التي يبلغ عمرها نحو 700 عام، عثر الباحثون على بقايا 76 طفلًا وامرأتين، جميعهم تعرضوا لعملية قطع صدر دقيقة من عظم الترقوة إلى القص، حيث فُتحت الأضلاع للوصول إلى القلب، وذلك ضمن طقوس تضحية طقسية.

وبحسب Live science، تفترض الدراسات أن هذه الممارسات كانت مرتبطة بمعتقدات حضارة تشيمو التي كانت تؤمن بأهمية تقديم القرابين البشرية للأرض لتعزيز خصوبتها، كما تبرز هذه التضحية دور الأطفال في الثقافة الشيموية، حيث يُعتقد أن تقديم الأطفال كقربان يرمز إلى التضحية بالنقاء والتجدد لضمان دورة حياة جديدة للأرض.

وجدت ملابس الأطفال قريبة من جثثهم، حيث تم دفنهم عراة، مع وجود زينة وأدوات رمزية وُضعت بالقرب منهم، مثل مربعات فضية ونحاسية قد تكون قد زُينت ملابسهم بها، بالإضافة إلى قواقع سبونديلوس النادرة، التي كانت تعد أكثر قيمة من الذهب لدى حضارة تشيمو.

وتعتبر هذه القواقع مؤشرًا قويًا على وجود صلة بين هذا الموقع وحضارة لامباييك، والتي كانت تقع شمالًا وكانت تشتهر بصناعة المعادن، وقد كانت قواقع سبونديلوس مستوردة من أراضي لامباييك، مما يعكس شبكة من العلاقات التجارية والتواصل بين الحضارتين.

وقد لاحظ الباحثون أن الضحايا الذين عُثر عليهم في الموقع كانوا يتميزون بتعديلات في الجمجمة، حيث كانت جماجم الأطفال ممدودة باستخدام ألواح أو لفافات خاصة، مما يشير إلى أن الضحايا ربما كانوا من أصول لامباييك.

يُعتقد أن هذه التعديلات تعكس أصل الضحايا من حضارة لامباييك، ويبدو أن تشيمو قامت بأسر هؤلاء الأطفال وعائلاتهم، وأحضرتهم إلى بامبا لا كروز للعمل في تنفيذ مشاريع الري المعقدة.

وتعد هذه الخطوة سعيا للتوسع الزراعي في مناطق جديدة كانت تتطلب أنظمة ري متقدمة لضمان استمرارية المحاصيل في الأراضي الجافة، وقد كانت الحاجة إلى استغلال قوى عاملة إضافية جزءًا من خطة التوسع.

من ناحية أخرى، تشير النتائج إلى أن هذه الطقوس كانت أكثر من مجرد تضحية عشوائية، فقد كان الهدف منها تجديد الأرض وزيادة خصوبتها.

ويقول غابرييل برييتو، أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة فلوريدا، إن دفن الأطفال في هذه التلة قد تم كنوع من القربان الذي يُعتبر في ثقافة بلاد الأنديز نوعًا من التحالف مع الأسلاف.

يُنظر إلى الموتى كوسيلة لتفعيل حقوق الأرض وتقديم الشرعية للأنظمة الزراعية، حيث يدعم الأسلاف حق الأجيال الجديدة في الأرض ويحفزون خصوبتها.

وعلى الجانب الأخر، جمع الباحثون بين التعديلات الجمجمية والقواقع المكتشفة لمزيد من التحقيقات عن أصل هؤلاء الضحايا، وقد أظهرت التحليلات النظائرية لتكوين المياه والطعام الذي كانوا يستهلكونه في حياتهم أن معظمهم جاء من منطقة لامباييك، ما يعزز فرضية أن شعب تشيمو كان يستقدم السكان من المناطق المجاورة كجزء من مشروعه الزراعي الطموح.

يمثل أهمية هذا الاكتشاف أنه يقدم اكتشافًا جديدًا في مجال الأبحاث الأثرية، على طقوس تضحيات لم تكن موجهة ضد سكان محليين فقط، بل تضمنت ضحايا من مناطق بعيدة، مما يشير إلى قوة ونفوذ حضارة تشيمو في السيطرة المركزية على مناطقها.

ويعلق جون فيرانو، عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية في جامعة تولين، على هذه الاكتشافات مشيرًا إلى أن الأمر يتعدى مجرد تضحيات محلية، بل يبدو أن التضحيات كانت تجري تحت إشراف الدولة أو الحكومة المركزية في تشيمو.