تعتبر سلطنة عمان من الدول التي تولي اهتماماً كبيراً بالقطاع الزراعي، نظراً لدوره الحيوي في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية، يأتي ذلك في إطار توجيهات السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان، لتعزيز المشروعات الزراعية باعتبارها مصدر مهم من مصادر التنويع الاقتصادي، وتحقيق مستهدفات رؤية عُمان 2040. وقد تطورت الممارسات الزراعية على مر العصور لتشمل تقنيات وأساليب حديثة تتناسب مع التغيرات المناخية والبيئية.
وتسعى الحكومة العمانية جاهدة لتطوير القطاع الزراعي من خلال تنفيذ خطط واستراتيجيات طموحة تهدف إلى زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المحاصيل. وقد أطلقت السلطنة عدة مبادرات وبرامج تهدف إلى تعزيز استخدام التقنيات الحديثة في الزراعة، مثل الري بالتنقيط والزراعة المحمية، مما يسهم في تحقيق كفاءة أكبر في استخدام الموارد المائية والحفاظ على البيئة.
وتتميز سلطنة عمان بتنوع محاصيلها الزراعية التي تلعب دوراً محورياً في الاقتصاد الوطني وتلبية احتياجات السكان. من بين هذه المحاصيل، يحتل النخيل مكانة خاصة، حيث يعتبر التمر من أهم المنتجات الزراعية في البلاد. يتم زراعة التمر في مختلف أنحاء عمان، وتبدأ عملية الحصاد عادةً في أشهر الصيف، حيث تكون الثمار قد نضجت تماماً.
إلى جانب التمر، تُزرع في عُمان أيضاً مجموعة متنوعة من الفواكه والخضروات. من بين هذه الفواكه، يحتل الليمون العُماني مكانة مميزة، حيث يُعرف بجودته العالية ونكهته الفريدة. يتم زراعة الليمون عادةً في المناطق الساحلية، وتبدأ عملية الحصاد في فصل الشتاء، مما يُسهم في توفير هذا المنتج الطازج على مدار العام.
أما بالنسبة للخضروات، فتشمل المحاصيل الأساسية الطماطم، والخيار، والفلفل، والباذنجان. تزرع هذه الخضروات في مختلف المناطق الزراعية في عُمان، وتعتمد على تقنيات الري الحديثة لضمان إنتاجية عالية وجودة ممتازة. تختلف مواسم زراعة وحصاد هذه المحاصيل حسب نوع الخضروات، حيث يتم زرع الطماطم مثلاً في الربيع وحصادها في الصيف.
لا تقتصر الزراعة في عُمان على التمر والفواكه والخضروات فقط، بل تشمل أيضاً زراعة الأشجار المثمرة مثل المانجو، والرمان، والجوافة. تُزرع هذه الأشجار في البيئات المناسبة لها وتحتاج إلى رعاية خاصة لضمان إنتاجية ممتازة. تُعد مواسم الحصاد لهذه الأشجار متنوعة، حيث يمكن حصاد المانجو في فصل الصيف، بينما يُحصد الرمان والجوافة في الخريف.
بفضل التنوع الجغرافي والمناخي في سلطنة عمان، أصبحت البلاد قادرة على زراعة مجموعة واسعة من المحاصيل الزراعية التي تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتدعم الاقتصاد الوطني بشكل كبير.
وفي هذا السياق، تنفذ وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه مشروعات استراتيجية شاملة لدعم القطاع الزراعي وتعزيز الأمن الغذائي بسلطنة عُمان. تتضمن هذه المشروعات مجموعة من البرامج البحثية التي تهدف إلى تحسين الإنتاجية وجودة المنتجات الزراعية والحيوانية واستخدام المياه المعالجة والمالحة، ورصد واستقصاء الأمراض الحيوانية، وتحسين السلالات الوراثية للأبقار والماعز، بالإضافة إلى البرنامج البحثي لرفع إنتاجية فسائل النخيل والمحاصيل بالتقنية النسيجية، ما يسهم في الإكثار الكمي لمختلف المحاصيل الزراعية.
ومن بين أبرز المشروعات التي يتم تنفيذها، مشروع إكثار بعض محاصيل الفاكهة ونباتات الزينة باستخدام التقنيات الحيوية، ومشروع يركز على متبقيات المضادات الحيوية والهرمونات في لحوم الدجاج اللاحم في أسواق سلطنة عُمان، وتنفيذ مشروع إكثار أنواع وأصناف الفاكهة الاقتصادية، ومشروع إنتاج بذور وتقاوي المحاصيل العلفية والخضر لتحسين إنتاجية هذه المحاصيل من خلال توفير بذور وتقاوي عالية الجودة.
كما تتضمن المشروعات أيضًا دراسة المقاومة البكتيرية للمضادات الحيوية للميكروبات المعزولة من مزارع الدجاج اللاحم، وتطوير زراعة محصول الثوم العُماني لزيادة إنتاجيته لتلبية احتياجات السوق ومشروع إدارة متكاملة لحشرة ذبابة الفاكهة، ومشروع تطوير وتحسين محصول النارجيل.
تعدّ البحوث الزراعية والحيوانية حجر الزاوية في تعزيز منظومة الأمن الغذائي العُماني، حيث تركز على تقييم ونقل التقنيات الحديثة لمواجهة التحديات التي تواجه الإنتاج الزراعي وتشمل دراسات في مجالات إدارة التربة والمياه، وتحسين كفاءة استخدام الموارد، ومكافحة الآفات والأمراض الزراعية.
تضم وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه عددا من المراكز البحثية المتخصصة التي تسهم في تعزيز القطاع الزراعي والحيواني. ومن بينها مركز بحوث التربة والمياه، الذي يركز على إدارة موارد التربة والمياه، بالإضافة إلى مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي، الذي يعنى ببحوث البستنة والمحاصيل الحلقية، وبحوث البذور والموارد الوراثية النباتية، وبحوث الصناعات الزراعية فيما يختص مركز بحوث وقاية النبات، بدراسة أمراض النبات والحشرات الزراعية، ويجري بحوثًا في مجال المكافحة الحيوية ومجال النحل، أما مركز بحوث الإنتاج الحيواني، فيعنى بدراسة الموارد الوراثية الحيوانية، إضافة إلى بحوث تغذية الحيوان والتناسل.
كما يقوم مركز بحوث الصحة الحيوانية بدراسة الأحياء الدقيقة والكيمياء الحيوية، بالإضافة إلى الأمراض والأنسجة الحيوانية، ويركز مركز بحوث الزراعة النسيجية والتقنية الحيوية على بحوث التقنية الحيوية وبحوث الإكثار النسيجي.
المدنُ الزراعيةُ.. نقلةٌ نوعيّة تسهم في رفد الأمن الغذائي في عُمان
وفي ذات السياق، تعمل وزارة الإسكان والتخطيط العمراني بالتعاون مع وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه على تنفيذ مشروع "المدن الزراعية "في ظل سعي سلطنة عُمان لتحقيق الأمن الغذائي والاستدامة الاقتصادية.
ويعد مشروع "المدن الزراعية" جزءًا من الاستراتيجية العمرانية الوطنية والإقليمية، ويهدف إلى تحقيق استدامة زراعية من خلال اختيار مواقع استراتيجية واستخدام تقنيات متقدمة مثل الزراعة المائية والهوائية، والاستزراع السمكي، وتطوير بنية أساسية زراعية مستدامة وزيادة الإنتاج المحلي بما يسهم في تعزيز الأمن الغذائي وتنمية الاقتصاد الوطني.
كما تعد المدن الزراعية من المشروعات الحيوية التي تؤمن وتعزز الأمن الغذائي في سلطنة عُمان عموما وتحقق التنمية المستدامة التي تتطلع إليها البلاد خاصة في ظل التحديات الدولية والصراعات والكوارث الطبيعية والأنواء المناخية الاستثنائية التي تؤثر تأثيرًا كبيرًا في نقص الإيرادات الغذائية بمختلف أنواعها، وفي ظل هذه التحديات تبرز أهمية هذه المدن بصفتها حلولًا مبتكرة تدمج بين الزراعة والتكنولوجيا.
وتعمل وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه على تقييم ثلاثة مواقع رئيسة لإقامة المدن الزراعية في ولاية صحم بمحافظة شمال الباطنة وفي محافظة الظاهرة وفي منطقة النجد بولاية ثمريت بمحافظة ظفار من حيث الجوانب الأرضية والوفرة المائية والتناسب المناخي والموقع الاستراتيجي لها ما يعزز التكامل الاقتصادي والنقل السريع للمنتجات الزراعية لهذه المدن من ناحية الابتكار في الاقتصاد الزراعي واللوجستي والمعماري وتطبيق تقنيات مثل الاستشعار عن بعد والذكاء الاصطناعي وغيرها من الابتكارات.
وفي مرحلة أولى تم تحديد واختيار موقعين لعمل المخطط التفصيلي لمدينتين زراعيتين في ولاية صحم بمحافظة شمال الباطنة ومنطقة النجد بولاية ثمريت في محافظة ظفار.
يركز مشروع المدينة الزراعية بولاية صحم بمحافظة شمال الباطنة، على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة تهدف إلى تطوير القطاع الزراعي وتعزيز الاستدامة والرفاه الاجتماعي، تماشياً مع رؤية عُمان 2040 التي تركز على التنويع الاقتصادي الذي يسعى المشروع لتعزيزه من خلال تشجيع الاستثمار في الزراعة واستخدام تقنيات الزراعة المتقدمة.
كما يسعى إلى جذب المستثمرين المحليين والإقليميين والدوليين من خلال الحوافز والدعم للممارسات الزراعية المستدامة، وتطوير منتجات وخدمات مالية تدعم المزارعين والشركات الزراعية للنمو المستدام، وفي إطار الحوكمة والسياسات، يهدف المشروع إلى وضع سياسات ولوائح تدعم النمو والابتكار وجودة الإنتاج وحماية الموارد البيئية، إلى جانب تعزيز التواصل والتعاون بين أصحاب المصلحة لضمان تلبية المشروع لاحتياجات المجتمع وأولوياته.
يذكر أن مشروع المدن الزراعية خطوة مهمة نحو تعزيز الأمن الغذائي في سلطنة عُمان، مع التركيز على الاستدامة والابتكار والتنوع الاقتصادي، ومن المتوقع أن يسهم هذا المشروع بشكل فعّال في تحقيق التنمية الزراعية الشاملة ودعم الاقتصاد الوطني.