السبت 16 نوفمبر 2024

الهلال لايت

دراسة جديدة تكشف أن الجثامين المتجاورة في مدينة بومبي ليست لعائلة واحدة

  • 10-11-2024 | 19:35

إحدى القوالب في مدينة بومباي

طباعة
  • إسلام علي

كشفت أبحاث حديثة أجرتها جامعة فلورنسا وجامعة هارفارد ومعهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية في لايبزيغ بألمانيا عن رؤى جديدة حول أصول وطبيعة سكان مدينة بومبي الرومانية القديمة.

ووفقا لما نقله موقع labrujulaverde، توصلت تلك الأبحاث عن طريق استخدام تقنيات تحليل الحمض النووي القديم، وتأتي هذه الدراسات لتحدي التفسيرات التقليدية التي سادت لعقود حول السكان الأصليين لبومبي.
أظهرت النتائج السابقة تنوعًا ملحوظًا في أصول السكان وارتباطاتهم القرابية والجنسية، مما قدم صورة مغايرة عن الحياة الاجتماعية لهذه المدينة قبل اندثارها.

 

أصول سكان بومبي


تشير التحليلات الجينية الحديثة إلى أن غالبية سكان بومبي تعود أصولهم إلى مهاجرين من منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وهذا الاكتشاف يسلط الضوء على مدى التنوع الثقافي والاجتماعي لسكان المدينة، وهو ما يعكس الطابع العالمي للإمبراطورية الرومانية.
فلم تكن مدينة بومبي مجرد مستوطنة رومانية تقليدية، بل كانت تتسم بتنوع سكاني نتج عن تدفق المستوطنين والمهاجرين من مختلف أنحاء الإمبراطورية، الذين جلبوا معهم عاداتهم وثقافاتهم واندماجهم مع السكان المحليين.

 

جبل فيزوف وسكان بومبي 


كان لثوران جبل فيزوف عام 79 م تأثير مدمر على بومبي، حيث دفن المدينة وسكانها تحت طبقات سميكة من الرماد والأحجار البركانية الصغيرة.
وقد توفي العديد من السكان نتيجة انهيار المباني تحت وطأة المواد البركانية، في حين لقي آخرون حتفهم بسبب التدفقات البركانية العالية الحرارة التي غمرت المدينة بسرعة. 
أدت حرارة الرماد إلى تكوين فراغات حول الأجساد بعد تحللها، مما حافظ على شكلها بعد انحلال الأنسجة، ومن خلال هذه الفراغات تم صنع قوالب باستخدام الجص منذ القرن التاسع عشر. 
وقد قدمت هذه القوالب للأجيال اللاحقة إمكانية دراسة وضعيات الأجساد المحفوظة، ولكن التقنية الأحدث باستخدام الحمض النووي المستخلص من العظام المجزأة قدمت معلومات أعمق حول هوية وعلاقات هؤلاء الأفراد.

 

التحليل الجيني للأفراد 


تمكن فريق البحث من خلال التحليل الجيني لأربعة عشر قالبًا من أصل 86 قالبًا يتم ترميمها حاليًا، من تحديد علاقات القرابة بين بعض الضحايا وتحديد جنسهم وأصولهم، فعلى سبيل المثال، أظهر التحليل الجيني أن أربعة أشخاص كانوا قد وُجدوا معًا في "بيت السوار الذهبي" لم يكن بينهم روابط قرابية رغم الافتراض السابق بأنهم عائلة واحدة. 
ويعد "بيت السوار الذهبي" هو أحد المنازل الشهيرة في مدينة بومبي الأثرية، وقد تم اكتشافه خلال الحفريات الأثرية التي أجريت في المنطقة. يُعرف هذا المنزل تحديداً بفضل العثور على سوار ذهبي فاخر بداخله، وهو السبب وراء تسميته بهذا الاسم، فكانت بومبي، الواقعة بالقرب من مدينة نابولي الحديثة في إيطاليا، مدينة رومانية مزدهرة حتى ثوران جبل فيزوف عام 79 ميلادية، الذي غمرها بالكامل بالرماد البركاني وحفظها عبر الزمن.

يعد بيت السوار الذهبي مثالاً رائعاً عن منازل النخبة في بومبي، ويظهر مدى الثراء والرفاهية التي عاش فيها بعض سكان المدينة، وتتميز مثل هذه المنازل بالهندسة الرومانية المتطورة، والزخارف الفخمة، والاكتشافات الفريدة من نوعها، مثل المجوهرات والتحف التي تعكس التقاليد والثقافة السائدة آنذاك.

وتعيد هذه النتيجة التفكير في كيفية تفسير القرب الجسدي بين الأجساد في بومبي، إذ لم تعد هذه التفسيرات تستند فقط إلى المظهر أو الموقع المكاني، بل أصبحت تستند الآن إلى حقائق وراثية دقيقة.

وأشار البروفيسور ديفيد كاراميلي من قسم الأنثروبولوجيا بجامعة فلورنسا إلى أن نتائج التحليل الجيني غيرت العديد من الافتراضات القديمة حول الحياة الاجتماعية في بومبي، فعلى سبيل المثال، كانت المجوهرات تُفسر تقليديًا كرموز للأنوثة، لكن النتائج أثبتت أن امتلاكها لم يكن محصورًا بالنساء فقط، بل قد يعكس حالات اجتماعية أو ثقافية تتجاوز تفسيرات النوع الاجتماعي التقليدية.

من جانبه، أوضح ديفيد رايش من جامعة هارفارد أنه تم تحديد حالات كانت تعد نموذجية للعلاقات الأسرية في بومبي لكنها تبيَّن أنها مغايرة تمامًا لما كان يُعتقد، مثل اكتشاف رجل بالغ يحمل طفلًا، وقد كان يُعتقد سابقًا أن الطفل كان مع والدته، وتشير هذه النتائج إلى ضرورة إعادة النظر في المعايير التقليدية التي استخدمت لتفسير التفاعل الاجتماعي في بومبي.

وقدمت النتائج أيضًا رؤى عميقة حول أصول السكان الذين كانوا ينتمون إلى خلفيات جينية متنوعة، مما يعكس الطبيعة العالمية لبومبي في زمن الإمبراطورية الرومانية، حيث ازدهر التنقل البشري والتبادل الثقافي، مما أدى إلى تشكيل مجتمع متنوع ومتناغم.

تؤكد أليسا ميتنيك من معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية أن البيانات الجينية المتاحة تمثل ثروة معرفية لفهم ديناميكيات المجتمعات القديمة، إذ تعزز الحاجة لدمج التحليل الجيني مع الأدلة الأثرية والتاريخية لتحسين دقة التفسيرات الأثرية وتجنب التفسيرات المتسرعة المستندة إلى افتراضات حديثة.

وفي هذا السياق، أشار غابرييل زوختريجل، مدير منتزه بومبي الأثري، إلى أن التحليل الجيني كان إضافة أساسية للدراسات التي تُجرى في المنتزه، حيث تمثل مشاريع البحث المختلفة في مختبر المنتزه، بما في ذلك التحليلات النظيرية وتقنيات الهندسة العكسية، جهودًا حثيثة تهدف إلى توسيع فهمنا للنتائج الأثرية والحياة اليومية في بومبي، وهذه الأبحاث لا تقتصر فقط على البشر، بل تشمل أيضًا دراسة بقايا الحيوانات والنباتات، مما يوفر فهمًا أشمل للتفاعل بين السكان وبيئتهم.

تجسد هذه الدراسات الجديدة تحولًا في مجال علم الآثار نحو استخدام التقنيات الحديثة مثل التحليل الجيني، لتوسيع منظورنا وفهمنا للعالم القديم، وتقديم رؤية أكثر شمولية عن الحياة اليومية للناس في بومبي والإمبراطورية الرومانية ككل.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة