نجح فريق من علماء الآثار في الكشف عن ملجأ صخري جديد في طاجيكستان يعود تاريخه إلى 130 ألف عام، ويضم أدوات حجرية وبقايا حيوانات، ما يعطي لمحة فريدة عن حياة البشر القدماء وتفاعلاتهم في آسيا الوسطى.
ووفقا لما نقله موقع Live science ويقع هذا الملجأ المكتشف حديثًا على ضفاف نهر زرافشان وهو أحد أنهار آسيا الوسطى، مما يشير إلى دوره المحتمل كطريق مهم للهجرة البشرية في العصور القديمة.
موقع استراتيجي وطريق للهجرة البشرية
يشير العلماء إلى أن الممر الجبلي الآسيوي الداخلي ، الذي يمتد عبر آسيا الوسطى، كان طريقًا رئيسيًا استخدمه البشر القدماء في العصر الحجري للانتقال بين المناطق المختلفة.
ويمثل هذا الممر نقطة تجمع وتفاعل حيوية للبشر من أنماط وأجناس متعددة، من بينهم إنسان نياندرتال وإنسان دينيسوفا والإنسان الحديث.
ويعد الممر الجبلي الآسيوي الداخلي، أو (Inner Asian Mountain Corridor)، هو ممر طبيعي يمتد عبر الجبال في آسيا الوسطى، ويشمل مناطق جبلية مثل جبال تيان شان وبامير وهندوكوش وغيرها من السلاسل الجبلية التي تربط بين آسيا الوسطى وغرب الصين.
كان لهذا الممر دور حيوي في العصور القديمة، حيث يعتبر أحد الطرق الهامة التي استخدمها البشر الأوائل خلال هجراتهم وتوسعهم عبر آسيا، والممر الجبلي الآسيوي الداخلي كان طريقاً يربط بين مناطق متعددة، مما أتاح للبشر القديم الترحال عبره والتواصل والتفاعل مع مجموعات بشرية مختلفة.
يُعتقد أن هذا الممر سمح بانتقال البشر القدماء وأدواتهم الثقافية والتكنولوجية، وجعل آسيا الوسطى منطقة تفاعل وتبادل بين الثقافات والشعوب في عصور ما قبل التاريخ، وقد امتد استخدامه لاحقاً ليصبح جزءاً من شبكة طرق الحرير التي ربطت الحضارات القديمة مثل الحضارة الصينية والرومانية.
وبحسب دراسة نشرت مؤخرًا في مجلة Antiquity، فإن هذا الاكتشاف يعزز فكرة أن المنطقة كانت موطنًا مشتركًا يمكن أن تلتقي فيه تلك المجموعات البشرية وتتفاعل، مما يوفر فرصة استثنائية لدراسة تاريخ البشرية والتطورات الثقافية التي نشأت نتيجة هذا التفاعل.
اكتشف الفريق أدوات حجرية متقنة الصنع وعظام حيوانات تعود إلى ما يزيد عن 100 ألف عام، إضافةً إلى بقايا احتراق الفحم وأحجار الصوان المحترقة، ما يدل على استخدام البشر القدماء للنار.
وقام الفريق في عام 2023 بحفر موقع يُعرف باسم "سوي حافزاك" يقع على ضفة أحد روافد نهر زرافشان، حيث تم اكتشاف ثلاثة خنادق تحتوي على العديد من الأدوات الحجرية التي تتراوح بين شفرات حجرية ورقائق صخرية، مما يشير إلى مهارة البشر القدماء في تصنيع أدواتهم واستغلال الموارد المحيطة.
"طريق الحرير" القديم: نقطة ربط بين الحضارات
وتشير البيانات التاريخية إلى أن وادي زرافشان لم يكن موقعًا للتجمع البشري فقط في العصور الحجرية، بل أصبح لاحقًا طريقًا حيويًا في شبكة طريق الحرير التاريخي، مما أتاح اتصالًا تجاريًا وثقافيًا بين حضارات عظمى مثل الإمبراطورية الرومانية والصين، وبذلك، يُعد الاكتشاف في هذه المنطقة دليلًا على الامتداد الزمني والروابط الثقافية التي أثرت في تشكيل مسارات الحضارة.
دراسة التفاعلات البشرية القديمة
ورغم تقدم الأبحاث ما زالت هناك الكثير من الأسئلة التي تثير الفضول حول التفاعل بين أنواع البشر المختلفة، مثل إنسان نياندرتال وإنسان دينيسوفا والبشر المعاصرين، ومنها: كيف كانت هذه الأنواع البشرية تتفاعل؟ هل نشأت بينها علاقات تعاون وتبادل ثقافي؟ أم كان هناك تنافس على الموارد؟ يقدم هذا الموقع المكتشف نافذة فريدة تتيح لعلماء الآثار دراسة هذه الأسئلة من خلال تتبع الأدلة المتبقية وتحليلها.
أهمية الاكتشاف في دراسة تاريخ البشرية
يمثل اكتشاف موقع "سوي حافزاك" الذي يقع في طاجيكستان خطوة كبيرة نحو فهم أعمق لتاريخ البشرية في آسيا الوسطى، ليس فقط من حيث حركة البشر والهجرة، ولكن أيضًا من حيث تطور التقنيات والأدوات وأساليب العيش في ذلك الوقت، إذ تتيح الأدوات المكتشفة فرصة لدراسة كيفية تعامل البشر القدماء مع بيئتهم، وكيف طورت هذه الجماعات طرقها في العيش والتنقل عبر المناطق الوعرة والصحراوية.
أفق جديد لدراسة التطور البشري
يعد هذا الموقع جزءً من عدد متزايد من الأدلة التي تساعد في كشف الجوانب المعقدة لتاريخ البشرية، وخاصة أن المنطقة تشكل جزءً من مسار الهجرة البشرية المبكرة من إفريقيا إلى باقي القارات.