في تعدٍ سافر للقانون الدولي والقانون الإنساني، يحاول الاحتلال الإسرائيلي بسط سيطرته على الضفة الغربية، وهو ما كشفت عنه التصريحات المتطرفة لبتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي الداعية لفرض السيادة الإسرائيلية والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، فقال في تصريحاته إن عام 2025 سيكون عام فرض السيادة على المنطقة التي وصفها بـ"يهودا والسامرة"، وهو الاسم التوراتي للضفة الغربية.
وكشفت هيئة البث الإسرائيلية عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "قال خلال محادثات جرت في الأيام الأخيرة إنه عندما يتولى الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، الرئاسة، ينبغي إعادة إمكانية فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية إلى جدول الأعمال".
كما نقل موقع "أكسيوس" الأمريكي عن مسؤولين إسرائيليين اثنين ومسؤولين أمريكيين اثنين أن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بحث مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، موقفه بشأن وقف إطلاق النار المحتمل في لبنان والإبادة التي ترتكبها تل أبيب بقطاع غزة، وقال المسؤولان الإسرائيليان إن هدف ديرمر من اللقاء هو "نقل خطة إسرائيل للشهرين المقبلين فيما يتعلق بغزة ولبنان وإيران حتى يتولى ترامب منصبه".
فيما ذكر المسؤولان الأمريكيان أن من بين القضايا التي يريد الإسرائيليون جس نبض ترامب بشأنها "جهود وقف إطلاق النار في لبنان، وخطته بشأن غزة بعد انتهاء الحرب، والتطبيع بين إسرائيل والسعودية".
تحذير مصري من المخطط الإسرائيلي
وفي بيان لوزارة الخارجية اليوم، وصفت مصر تصريحات وزير المالية الإسرائيلي والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية بأنه انتهاك الدولي وكافة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بالإضافة للرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية حول الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وأكدت مصر أن هذه التصريحات غير المسئولة والمتطرفة من عضو في الحكومة الإسرائيلية تعكس بوضوح التوجه الإسرائيلي الرافض لتبنى خيار السلام بالمنطقة وغياب شريك إسرائيلي قادر على اتخاذ قرارات شجاعة لإحلال السلام، ووجود إصرار على تبنى سياسة الغطرسة وهي ذات السياسة التي أدخلت المنطقة في دائرة الصراع الراهنة.
وتتعارض هذه التصريحات المتطرفة بشكل صارخ مع موقف المجتمع الدولي الداعي لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وشددت على رفضها لتلك التصريحات المستهجنة التي تؤجج التطرف والعنف، مؤكدة على المسئولية الدولية في حماية حقوق الشعب الفلسطينى غير القابلة للتصرف، وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره، وهو الحل الوحيد والعملي لإنهاء الصراع بالمنطقة والخروج من دوامة العنف والدمار، محذرة من الاستمرار في نهج التصعيد والتطرف الهادف لإطالة أمد الصراع وتأجيجه وتوسيع نطاقه.
الوقوف ضد مخطط تصفية القضية الفلسطينية
ومنذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر 2023، وتقف مصر داعمة للموقف الفلسطيني ووقف إطلاق النار، وكانت سباقة في تحذيرها من مخطط تصفية القضية الفلسطينية والتهجير القسري، وكانت رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي واضحة منذ ذلك الحين بثبات الموقف المصري بحل القضية الفلسطينية بحل عادل وشامل وفقا لمقررات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأكد الرئيس السيسي، خلال كلمته في القمة العربية الإسلامية، التي أقيمت في الرياض، أمس أن مصر تدين بشكل قاطع، حملة القتل الممنهج، التي تمارس بحق المدنيين في قطاع غزة، مشددا في كلمته أنه "باِسم مصر أعلنها صراحة إننا سنقف ضد جميع المخططات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر تهجير السكان المدنيين أو نقلهم قسريًا أو تحويل القطاع إلى مكان غير صالح للحياة وهو أمر؛ لن نقبل به تحت أي ظرف من الظروف."
وتابع: "ونكرر إن الشرط الضروري لتحقيق الأمن والاستقرار، والانتقال من نظام إقليمي، جوهره الصراع والعداء، إلى آخر يقوم على السلام والتنمية هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو لعام ١٩٦٧، وعاصمتها "القدس الشرقية".
وكانت هذه الرسالة التي أكدها الرئيس السيسي في قمة القاهرة للسلام التي استضافتها مصر في 21 أكتوبر 2023، فقال في كلمته حينها أن " أؤكد للعالم.. بوضوح ولسان مبين.. وبتعبير صادق، عن إرادة جميع أبناء الشعب المصري.. فرداً فرداً: إن تصفية القضية الفلسطينية، دون حل عادل، لن يحدث.. وفي كل الأحوال.. لن يحدث على حساب مصر.. أبداً."
كذلك عبرت مصر، عن رفضها للنزوح والتهجير القسري، وأن أي نزوح للفلسطينيين في قطاع غزة داخلياً أو خارجياً يُعد انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي ، وأن تصفية القضية الفلسطينية عن طريق إبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم أمر غير مقبول وانتهاك للقانون الإنساني الدولي.
وكان الموقف المصر ذاته ثابتا، إثر قرار انسحاب إسرائيل من الاتفاق المنظم لعمليات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وتوقف عملها بشكل رسمي، إذ أكد بيان لوزارة الخارجية، أن هذا القرار المرفوض يعد فصلا جديدا من الانتهاكات الإسرائيلية الصارخة والممنهجة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ويشكل تطورا خطيرا تستهدف إسرائيل منه تصفية القضية الفلسطينية وقضية اللاجئين، بما في ذلك حق العودة".
تحذير مصر
وقال طارق البرديسي، خبير العلاقات الدولية، إن مصر كانت متنبهة للمخطط الإسرائيلي بالتوسع وتصفية القضية الفلسطينية ومحاولات التهجير القسري، وحذرت منه مرارا وتكرارا، مضيفا أن الاحتلال الإسرائيلي يسير بخطة ممنهجة من خلال أهداف غير للتحقق، فهو لا يريد عودة الأسرى الإسرائيليين ولا يهتم بحياتهم، أو القضاء على حماس لأنه درك أن المقاومة باقية.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن الهدف الإسرائيلي هو تهجير الفلسطينيين وجعل المنطقة غير قابلة للعيش واتباع سياسة التجويع والحصار لإجبارهم على ترك أماكنهم لأن هذه المناطق غير قابلة للعيش، مضيفا أن مخطط إسرائيل هو التهجير والقسري والاغتيال من أجل التوسع في الاستيطان وضم أراضي جديدة لسلطة الاحتلال.
وأكد أن مصر تدرك هذا المخطط وحذرت منه، وأكد الرئيس السيسي في كلمته أمس أن مصر ترفض هذه المخططات تحت أي ظرف لأن ذلك يهدد الحقوق الفلسطينية وحق العودة وكذلك يضر بالأمن القومي المصري والعربي، مضيفا أن سموتيريتش عبر ذلك بوضوح بالتوسع في السيطرة على الضفة الغربية، وهذا ما حذرت منه مصر، لأنه لا يوجد شريك إسرائيلي موثوق في يرغب في السلام، فالمجتمع الدولي لا يحرك ساكنا.
وأضاف أن القمة العربية الإسلامية اتخذت موقفا بشأن تجميد عضوية إسرائيل في الجمعية الأممية، وهذا يعني أنها دولة مارقة لا يوجد أي تعامل معها، كدولة منبوذة وهي خطوة مهمة كطريق ثالث للتعامل مع الأزمة، فوجهت القمة رسالة تحذير لإسرائيل ورفض انتهاكها للأراضي الإيرانية أيضا، وهذا متغير جديد يكشف عن حدوث إجماع للدول العربية والإسلامية في موقف واحد ضد إسرائيل وتحذير وهو ما سيوصل رسالة للإدارة الأمريكية الجديدة.
تهجير طوعا أو قسرا
ومن جانبه، قال الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن ما عبر عنه وزير المالية الإسرائيلي المتطرف هو أمر متوقع من دولة الاحتلال التي تحاول بسط نفوذها على كل الأرض الفلسطينية، وهدمت قطاع غزة رأسا على عقب على مدار أكثر من عام منذ اندلاع الحرب، وتجاوز ما أعلنه أهداف بشأن تدمير حماس أو استعادة الأسرى، لأن ما يهمه هو إجبار سكان القطاع على التهجير سواء قسرا أو طوعا.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن الاحتلال يحاول الآن الانتقال إلى الضفة الغربية ليقوض من مقومات الدولة الفلسطينية، وإثبات أن السلطة الفلسطينية ضعيفة وغير قادرة على إضافة الضفة أو غزة، مشددا على أن الدولة الفلسطينية أو حل الدولتين غير موجود على أجندة الاحتلال الإسرائيلي.
وشدد على أن مصر كانت سباقة في التحذير من هذا الموقف ودعمت أهل غزة بكافة الصور سياسيا وإغاثيا، وغيرت الكثير من وجهات النظر العالمية، وظهرت في أنحاء المدن الأوروبية والأمريكية مظاهرات دعم لفلسطين، كذلك قدمت مصر مساعدات ولا تزال وتحملت العبء من ادعاءات وأكاذيب من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة تحركها في المحافل الدولية سواء الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية أو العدل الدولية وانضمامها للمسار القانوني المساند للقضية الفلسطينية.
وأكد أن إسرائيل مستمرة في مخططاتها الاستيطانية التوسعية التي تكشف عنها يوما بعد آخر، فهي تحصل على دعم مطلق وغير محدود من قبل الإدارة الأمريكية، ومن المتوقع مع وصول إدارة أمريكية جديدة في يناير 2025 بتنصيب الجمهوري دونالد ترامب، فستستمر في ذلك، مشددا على أن الاحتلال يريد تثبيت حقائق على الأرض، حتى إذا ما بدأ ترامب فترة رئاسته فسيكون هناك فرضا لسياسة الأمر الواقع وتثبيت الموقف على الأرض.
وشدد على أن مصر أكدت رفضها لهذه التصريحات والمخططات الإسرائيلية، كما أن المواقف المصرية تتجاوز الأقوال إلى الأفعال، وتتحمل مسؤولية كبرى في دعم القضية الفلسطينية من خلال تقديم المساعدات وكذلك التفاعل مع كل الأطراف المؤثرة وتساند الشعب الفلسطيني مساندة خالصة دون مزايدات، مضيفا أن مصر تتحمل العبء الأكبر وستظل تتحمله طوال الوقت انطلاقا من مسؤولية أخلاقية وإيمان بالقضية وحماية الأمن القومي العربي والفلسطيني.