يعد كتاب «حديث الأربعاء» لـ طه حسين، الذي صدر عام 1922، تحفة نقدية عكست براعة وثقافة هذا الأديب الكبير، بمثابة رحلة في فكر العميد نحو العودة إلى الماضي نحو الأيام الخوالي، أيام امرئ القيس وطرفة بن العبد، وشعراء العصر الجاهلي.
حديث الأربعاء هي إحدى الدراسات النقدية، التي فاقت في أصالتها وشمولها كثيرًا من الدراسات التي تطرَّقت لهذه الزاوية من زوايا الأدب العربي، حيث ناقشت هذه الدراسات الجوانب الفنية لعدد من أكبر الشعراء، وتناولت قصائدهم بالشرح والتحليل البياني واللغوي.
كما أن الدراسة خصصت جلّ اهتمامها بقضية القدماء والمحدثين، وفي خاتمتها الثرية تجدها كبانوراما نادرة استعرض العميد من خلالها مراسلاتٍ دارت بينه وبين عدد من أدباء عصره حول قضايا وشؤون أدبية ونقدية مختلفة.
كتب طه حسين هذه الفصول وكأنه يتحدث إلى مستمعيه في إحدى لقاءاته الإذاعية، فجاءت كما لو أنه جالس بجانبك، يحكي عن شعراء العربية وفحولها، فقد كان هدفه عند كتابة هذه الفصول وأرسالها إلى مجلتي «السياسة» و«الجهاد» أن تكون مجرد مقالات، لا أن تُصبح كتابًا يتداوله الناس ويتخذونه مرجعًا للأدب العربي بعصوره الجاهليِّ والإسلاميِّ والحديث، ولكنها أصبحت كذلك، ربما على غير رغبة منه.
وتُعتبر هذه الدراسات من أصدق وأعمق الدراسات النقدية المستفيضة التي تناولت جوانب متعددة من الأدب العربي، ، حيث ناقشت الجانب الفني لعدد من أبرز الشعراء، مقدمةً تحليلات شاملة لقصائدهم، سواء من الناحية البيانية أو اللفظية. كما خصصت مساحة كبيرة لمناقشة قضية القدماء والمحدثين، واهتمت بمختلف الأبعاد الأدبية والنقدية لهذا الموضوع.
واختتم طه حسين هذه الدراسة بما يمكن أن يُعدّ «خاتمة المسك»، حيث استعرض مجموعة من المراسلات التي دارت بينه وبين عدد من أدباء عصره، وتطرقت إلى قضايا أدبية ونقدية متنوعة.
ويرى طه حسين أن الأدب القديم يمثل أساسًا مهمًا من أسس الثقافة الحديثة، ويظل مصدرًا غذائيًا لعقول الشباب، حيث يحتوي على كنوزٍ ثمينة يمكن أن تُغذي العقول وتنميها، وقد كشف طه حسين عن هذه الكنوز من خلال دراسات أدبية مستفيضة.