تصعيد جديد شهده العالم خلال الساعات الماضية، مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين موافقته على تحديث العقيدة النووية لموسكو، وذلك بعد ساعات من الضوء الأخضر الذي منحته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لأوكرانيا باستخدام الصواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي.
العقيدة الروسية
وأمس أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، موافقته على خفض شروط استخدام الأسلحة النووية في البلاد، في أعقاب قرار بايدن بالسماح لأوكرانيا بضرب أهداف داخل الأراضي الروسية بأسلحة بعيدة المدى مقدمة من الولايات المتحدة.
ووفقا للعقيدة النووية الروسية الجديدة، فإن أي هجوم تقليدي على روسيا من قبل أي دولة مدعومة بقوة نووية سيُعتبر هجومًا مشتركًا على بلاده، كذلك تنص العقيدة أيضًا على أن الهجوم باستخدام الصواريخ التقليدية أو الطائرات بدون طيار أو الطائرات الأخرى يمكن اعتباره مبررًا للرد النووي.
تزامن ذلك مع تصريح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الذي أشار إلى أن موسكو قد ترد بالأسلحة النووية إذا استخدمت أوكرانيا صواريخ مقدمة من الغرب لضرب أهداف داخل روسيا، مؤكدا أن الغرض من العقيدة النووية المحدثة هو جعل الأعداء المحتملين يدركون حتمية الانتقام في حالة شن هجوم على روسيا أو حلفائها.
التصعيد بين روسيا وأوكرانيا
وأطلقت أوكرانيا صواريخ بعيدة المدى أمريكية الصنع على روسيا لأول مرة منذ رفع إدارة بايدن القيود المفروضة على استخدامها، استهدفت تلك الصواريخ مستودع ذخيرة روسي، وقالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية إنها أصابت ترسانة عسكرية لمركز اللوجستيات 1046 خارج مدينة كاراشيف دون تأكيد استخدام الصواريخ.
فيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن أوكرانيا أطلقت ستة صواريخ أمريكية الصنع من طراز أتاكمس استهدفت منطقة بريانسك الجنوبية الغربية، وزعمت أن خمسة من الصواريخ أسقطت وتضرر آخر، فيما تسبب الحطام الناجم عن الصواريخ في حريق في منشأة عسكرية لم تسمها روسيا.
بينما لم يؤكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشكل مباشر الهجوم الصاروخي الذي استهدف بريانسك، فقال: "لدينا الآن أتاكمس، قدرات أوكرانية بعيدة المدى، وسنستخدمها".
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن الهجوم الأوكراني كان إشارة واضحة إلى أن الغرب يريد تصعيد الصراع، مؤكدا أنه "بدون الأمريكيين، من المستحيل استخدام هذه الصواريخ عالية التقنية، كما قال بوتن مرارًا وتكرارًا".
يُعرف نظام الصواريخ باسم نظام الصواريخ التكتيكية للجيش، أو Atacms، وتم تطويره أثناء الحرب الباردة لتدمير الأهداف السوفيتية وكانت كييف تستخدمه بالفعل، ولكن فقط على أهداف في المناطق المحتلة من أوكرانيا، ويمكن لتلك الصواريخ، التي صنعتها شركة لوكهيد مارتن، ضرب أهداف على بعد يصل إلى 190 ميلاً (300 كيلومتر)، كذلك تطير أعلى بكثير في الغلاف الجوي من معظم الصواريخ ويمكنها التهرب من الدفاعات المضادة للطائرات عندما تصطدم بالأرض بسرعات هائلة، وتعتبر تلك الصواريخ المضادة للطائرات بعيدة المدى، على الرغم من أنها لا تتمتع بمدى صاروخ باليستي عابر للقارات أو صاروخ كروز.
رد فعل العالم بعد تحديث العقيدة النووية الروسية
ودعت الولايات المتحدة روسيا إلى "التوقف عن الخطاب العدواني وغير المسؤول"، حيث قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر إن الولايات المتحدة لم تر أي سبب لتعديل موقفها النووي، مؤكدا في تصريحات صحفية أن الخطاب "غير المسؤول والعدائي لموسكو لن يفعل أي شيء لتحسين أمن روسيا، وأنه لم يفاجأ بتعليقات الكرملين بشأن العقيدة النووية الجديدة المنقحة، والتي تسمح برد نووي محتمل حتى على هجوم تقليدي على روسيا من قبل أي دولة مدعومة بقوة نووية.
وقال ميلر: "منذ بداية حربها العدوانية ضد أوكرانيا، سعت روسيا إلى إكراه وترهيب كل من أوكرانيا ودول أخرى في جميع أنحاء العالم من خلال الخطاب والسلوك النووي غير المسؤول، لم نر أي سبب لتعديل موقفنا النووي، لكننا سنستمر في دعوة روسيا إلى وقف هذا الخطاب العدواني وغير المسؤول".
كما اتهم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، روسيا بالذنب في إطلاق ما وصفه بـ"خطاب غير مسؤول، مؤكدا في تصريحات له على هامش قمة مجموعة العشرين في البرازيل، إن "هناك خطاب غير مسؤول صادر عن روسيا، ولن يثنينا هذا عن دعمنا لأوكرانيا، في اليوم الألف من الحرب غير القانونية التي تشنها روسيا في أوكرانيا، أقول مرة أخرى: أنهوا الحرب. اخرجوا من أوكرانيا"، مشيرا إلى أن المملكة المتحدة أدركت أنها بحاجة إلى "مضاعفة" دعمها لأوكرانيا، بما قد يشير إلى احتمال تزويد بريطانيا أوكرانيا بصواريخ ستورم شادو الخاصة بها لاستخدامها على أهداف داخل روسيا، بعد موافقة الولايات المتحدة.
فيما أكد الرئيس الأوكراني زيلينسكي أن الوقت قد حان لألمانيا لدعم قدرات أوكرانيا على شن ضربات بعيدة المدى ضد روسيا، مضيفا خلال إفادة في كييف مع رئيسة الوزراء الدنماركية ميت فريدريكسن: "أعتقد أنه بعد التصريحات حول الأسلحة النووية، فقد حان الوقت أيضًا لألمانيا لدعم القرارات المقابلة".
فيما أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تأكيد بأن الصين تلعب دورا مهما في تجنب التصعيد النووي، حيث التقى بالرئيس الصيني شي جين بينج، في ريو دي جانيرو على هامش قمة مجموعة العشرين، وقال إنه طلب منه الضغط على بوتن لإنهاء الحرب مع أوكرانيا، كما دعا بوتن إلى إظهار "العقل".
خطورة التصعيد النووي في العالم
وفي 25 مارس 2023 أكدت ألمانيا التزامها في الحد من التسلح وعدم انتشار السلاح النووي، بينما لا يزال هناك نحو 20 قنبلة نووية أمريكية في قاعدة جوية ببلدة بوشل بولاية راينلاند-بفالتس غربي ألمانيا.
في مطلع العام الجاري، طرحت فكرة إنشاء مظلة نووية أوروبية، حيث قال وزير المالية الألماني، كريستيان ليندنر، إنه من الضروري البحث عن تأسيس قوة ردع نووية بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا.
وفي مارس الماضي، أكد ماكرون أن روسيا ليست قوة عظمى، بل قوة متوسطة بأسلحة نووية، داعيا إلى عدم الخوف من تهديداتها النووية، مؤكد أن مواطنيه محميون بالسلاح النووي الذي تملكه فرنسا وهذا ما يجعل بلاده قوية، وأن حرب أوكرانيا مسألة وجودية لفرنسا ولأوروبا، مشيرا إلى ضرورة عدم السماح لروسيا في أن تنتصر في المعركة.
ومع التصعيد بين روسيا وأوكرانيا، حذر عدد من القادة من استمرار التصعيد وخطورته لأنه يؤدي إلى خطر التصعيد النووي في العالم.