الجمعة 29 نوفمبر 2024

سيدتي

ما حكم قراءة الفاتحة في الصلح وقضاء الحوائج؟ الإفتاء تجيب

  • 25-11-2024 | 09:00

دار الإفتاء المصرية

طباعة
  • فاطمة الحسيني

يتساءل البعض عن حكم قراءة الفاتحة في استفتاح الدعاء أو ختامه، أو في قضاء الحوائج، وكذلك في مجالس الصلح التي تحدث ببعض القرى.

وحول هذا السياق، أوضحت دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الالكتروني، أن قراءة الفاتحة في استفتاح الدعاء أو اختتامه أو في قضاء الحوائج أو في بداية مجالس الصلح أو غير ذلك من مهمات الناس هو أمر مشروع بعموم الأدلة الدالة على استحباب قراءة القرآن من جهة، وبالأدلة الشرعية المتكاثرة التي تدل على خصوصية الفاتحة في إنجاح المقاصد وقضاء الحوائج وتيسير الأمور من جهة أخرى.

فأما الأدلة العامة: فكقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ [فاطر: 29]، وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ» رواه مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه. إلى غير ذلك من النصوص المطلقة. ومن المقرر في علم الأصول أن الأمر المطلق يقتضي العموم البدلي في الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة، وإذا شرع الله تعالى أمرًا على جهة العموم أو الإطلاق فإنه يؤخذ على عمومه وسعته ولا يصح تخصيصه ولا تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل، وإلا كان ذلك بابًا من أبواب الابتداع في الدين بتضييق ما وسَّعَه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

كما أن فِعْلَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أفراد العموم الشمولي أو البدلي ليس مُخَصِّصًا للعموم ولا مُقَيِّدًا للإطلاق طالَما أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عما عداه، وهذا هو الذي يعبر عنه الأصوليون بقولهم: "الترك ليس بحجة"؛ أي أن ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمر ما لا يدل على عدم جواز فعله، وهو أمر متفق عليه بين علماء المسلمين سلفًا وخلفًا، حتى إن العلّامة ابن تيمية الحنبلي رحمه الله -مع توسُّعِه في مفهوم البدعة المذمومة- قد فهم هذا المعنى في تعبده؛ فكان يجعل الفاتحة وِردًا له، فقد نقل عنه تلميذه أبو حفص البَزّارُ في كتابه "الأعلام العَلِيّة في مناقب ابن تيمية" (ص: 38، المكتب الإسلامي) أنه كان يقرأ الفاتحة ويكررها من بعد الفجر إلى ارتفاع الشمس. ولو كان الترك حجةً لعُدَّ بفعله هذا مبتدعًا مخالفًا للسنة، ولكن لما كان أمر الذكر والقراءة على السعة، وكانت العِبرة فيه حيث يجد المسلم قلبه، كان هذا الفعل جائزًا شرعًا.

هذا من جهة عموم كون الفاتحة قرآنًا وذكرًا مشروعًا تلاوته على كل حال ما لم يرد نهي عن ذلك بخصوصه، كالنهي عن تلاوة القرآن حال الجنابة مثلًا.

وأما من جهة خصوصها في إنجاح المقاصد وقضاء الحوائج وتيسير الأمور وإجابة الدعاء: فقد دلت الأدلة الشرعية على أن فيها من الخصوصية ما ليس في غيرها:

فالله تعالى يقول: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ [الحجر: 87].

والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوْتِيتُه» رواه البخاري من حديث أبي سعيد بن المُعَلَّى رضي الله عنه.

ويقول لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «يَا جَابِرُ، أُخْبُرِكَ بِخَيْرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ»، قال راوي الحديث: وأحسبه قال: «فِيَها شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» رواه البيهقي في شعب الإيمان.

ويقول عليه الصلاة والسلام: «أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا عِوَضٌ» رواه الدارقطني والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

وقد جاء الشرع الشريف بمشروعية قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة المفروضة والمسنونة، وهي ركن للصلاة عند جماهير أهل العلم، كما جاء الشرع بمشروعية قراءتها في الصلاة على الجنازة دون غيرها من سائر القرآن.

وهذه الخصوصية للفاتحة هي التي حَمَلَتْ سيدَنا أبا سعيد الخدريَّ رضي الله عنه على الرقية بها دون أن يبتدئه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإذن أو يعهد إليه بشيء في خصوص الرقية بها وقراءتها على المرضى، فلما أخبر النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بما فعل لم يُنكِر عليه ولم يجعل ما فعله مِن قَبِيل البدعة، بل استحسنه وصوَّبه وقال له: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ» متفق عليه، وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم: «قَدْ أَصَبْتُمُ».

وجاء عن الصحابة الحثُّ على قراءة الفاتحة في بعض المواضع مع عدم ورود نص بخصوصه في ذلك؛ فروى ابن أبي شيبة في (المُصَنَّف، 7/ 98، ط. دار الفكر) عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: "مَن قرأ بعد الجمعة فاتحةَ الكتاب و﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ حفظ ما بينه وبين الجمعة".

كما أن في خصوص الاستفتاح بها تأسيًا بالكتاب العزيز؛ فإنها ما سميت فاتحةً إلّا لأن القرآن فُتِح بها، وفاتحة الشيء أولُه، وقراءتها في استفتاح الأمور طلب للهداية والمعونة من الله تعالى فيها.

وفي ذلك يقول العلّامة ابن القيم الحنبلي رحمه الله تعالى في (زاد المعاد، 4/ 347-348، مؤسسة الرسالة): "فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني، والشفاء التام، والدواء النافع، والرقية التامة، ومفتاح الغِنَى والفلاح، وحافظة القوة، ودافعة الهم والغم والخوف والحزن؛ لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها وأحسن تنـزيلها على دائه وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها والسر الذي لأجله كانت كذلك. ولما وقع بعضُ الصحابة على ذلك رَقى بها اللديغَ فبَرَأَ لوقته، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ».

ومن ساعده التوفيق وأُعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة وما اشتملت عليه من التوحيد، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال، وإثبات الشرع والقدر والمعاد، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل والتفويض إلى مَن له الأمر كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين، وعَلِمَ ارتباطَ معانيها بجلب مصالحهما ودفع مفاسدهما، وأن العاقبة المطلقة التامة والنعمة الكاملة منوطة بها، موقوفة على التحقق بها – أغنته عن كثير من الأدوية والرُّقَى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابه، وهذا أمر يحتاج إلى استحداث فطرة أخرى وعقل آخر وإيمان آخر" اهـ.

ويُستَدَلُّ لقراءة الفاتحة في قضاء الحوائج بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ؛ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي -وَقَالَ مَـرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي-، فَإِذَا قَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.

الاكثر قراءة