يسعَى السُّلطان هيثم بن طارق، سلطان عُمان، إلى تعظيم الاستفادة بما تملكُه سلطنة عُمان من علاقاتٍ دبلوماسيَّة فريدة مع مُعْظم دوَل المنطقة والعالَم، وذلك عَبْرَ إقامة شراكات اقتصاديَّة واعدة، تنطلق من رؤية «عُمان 2040» الطَّموحة. وتأتي مملكة بلجيكا كوجهةٍ أُخرى يعمل سلطان عُمان، على تطوير العلاقات معها، وذلك خلال الزيارة التي يقوم بها حالياً إلى بلجيكا.
إنَّ هذه الزِّيارةَ السَّامية ـ بجانب ترسيخِ التَّعاون القائم بَيْنَ السَّلطنة ومملكة بلجيكا ـ ستعملُ أيضًا على توسيع رقعة التَّعاون في العديد من القِطاعات الأخرى، مُتَّخذةً من مشروع ميناء الدُّقم المُشترك بَيْنَ حكومةِ سلطنة عُمان وإدارة ميناء أنتويرب البلجيكي نموذجًا يفتحُ الآفاق لشراكاتٍ أُخرى، حيث يُعبِّر المشروع الَّذي افتُتح في فبراير من عام 2022م، خلال زيارة الملك فيليب ليوبولد لويس ماري ملك البلجيكيِّين لسلطنة عُمان، عن تطلُّعات مشتركة، كما ستعملُ زيارةُ السُّلطان هيثم على دفعِ العلاقات الثنائيَّة نَحْوَ آفاقٍ أرحبَ في مجالاتِ التَّعاونِ التِّجاري والاستثماري والثقافي خدمةً لمصالِح البلدَيْنِ وشَعبَيْهما الصَّديقَيْنِ، وبما يُحقِّق تطلُّعاتهما لمستقبلٍ أكثر نماءً وازدهارًا. فالزِّيارة السَّامية ستُرسِّخُ التَّعاونَ المشترك بَيْنَ البلدَيْنِ، وستعملُ على تنمية العلاقات الثنائيَّة في مختلف المجالات.
علاقات اقتصاديَّة واعدة
يتشكَّل مستقبل العلاقات الاقتصاديَّة بَيْنَ سلطنةِ عُمان ومملكة بلجيكا على عددٍ من المشاريع الواعدة، مِثل ميناء الدُّقم ومشروع (هايبورت الدُقم) المشترك بَيْنَ مجموعة (أوكيو) ومجموعة (ديمي) البلجيكيَّة من خلال تأسيسِ تحالف دولي إلى إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر لبلجيكا والدّوَل المجاورة لهَا، وتنفيذ معايير الشَّهادة الخضراء لشبكةِ الكهرباء، وقد نجحَ المشروع خلال عام 2021م في الحصولِ على موقعٍ لتوليدِ الطَّاقة المُتجدِّدة يمتدُّ على مساحة (150) كيلومترًا مُربَّعًا في المنطقة الاقتصاديَّة الخاصَّة بالدُّقم، وسيتمُّ في المرحلة الأولى إنشاء مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بطاقةٍ استيعابيَّة من (250) إلى (500) ميجاواط، ومن المُخطَّط أنْ يبدأَ تشغيلُه في عام 2026م، لِيكُونَ مدخلًا للتَّعاون والتَّنسيق مع المفوضيَّة الأوروبيَّة في الأُطُر التَّنظيميَّة لمشروعاتِ إنتاجِ ونقْلِ الهيدروجين النَّظيف، وفرص تعزيز التَّعاون القائم مع مملكة بلجيكا في مجالات الاستثمار بمشروعاتِ إنتاجِ ونقلِ وتخزين الهيدروجين الأخضر.
لا شك أنَّ هذه الزِّيارة ستُتيح فرصةً لمناقشةِ القضايا ذاتِ الاهتمام المُشترك وتبادُلِ الآراء حَوْلَ التَّحدِّيات العالَميَّة والقضايا الرَّاهنة، جنبًا إلى جنبٍ مع ما ستَقُومُ به من فتحِ آفاقٍ جديدة للتَّفاهم والشَّراكة الاستراتيجيَّة بَيْنَ سلطنة عُمان ومملكة بلجيكا والدَّفع بهذه الشَّراكة إلى مستوياتٍ أعلى وآفاقٍ أرحبَ وأوسعَ عَبْرَ تعزيز التَّعاون الثنائي البنَّاء في مجالات مُتعدِّدة تشملُ التِّجارة والاستثمار والطَّاقة، خصوصًا وأنَّ العلاقات الثنائيَّة بَيْنَ السَّلطنة ومملكة بلجيكا تشهدُ تطوُّرًا ملحوظًا وتعاونًا وثيقًا أسهَمَ في إيجادِ شراكات استراتيجيَّة مبنيَّة على الثِّقة والاحترام المُتبادل.
فصل مُهم في تاريخ العلاقات الثنائيَّة
فهذه الزِّيارة التَّاريخيَّة تُشكِّل فصلًا مُهمًّا في تاريخ العلاقات الثنائيَّة بَيْنَ سلطنة عُمان ومملكة بلجيكا في شتَّى المجالات وتؤكِّدُ على الاحترام المُتبادل والقِيَم المشتركة الَّتي شكَّلت منذُ فترةٍ طويلة الأساسَ لهذه العلاقات الثنائيَّة.
ارتفاع حجم التبادل التجاري
شهدت العلاقات التجارية بين سلطنة عمان ومملكة بلجيكا متانة في التبادل التجاري بين البلدين منذ عام 2020م، حيث وصل إجمالي حجم التبادل التجاري أكثر من 809 مليون ريال عماني حتى نهاية يوليو 2024م، وسجلت الواردات من المملكة إلى سلطنة عمان أكثر من 674.6 مليون ريال عماني، في حين بلغت قيمة الصادرات نحو 162.1 مليون ريال عماني، أما إعادة التصدير من سلطنة عمان إلى مملكة بلجيكا فقد تجاوزت قيمتها 12.2 مليون ريال عماني.
وسجّل حجم التبادل التجاري بين سلطنة عمان ومملكة بلجيكا خلال العام الجاري من يناير حتى نهاية يوليو 2024 أكثر من 127 مليون ريال عماني، وبلغت الواردات 117.7 مليون ريال عماني مقابل 6.8 مليون ريال عماني للصادرات.
وتم التصديق على 5 اتفاقيات بين سلطنة عُمان ومملكة بلجيكا، وتمثلت في تعديل اتفاقية تنظيم خدمات النقل الجوي بين حكومة سلطنة عُمان وحكومة مملكة بلجيكا، واتفاقية بشأن تجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي بالنسبة للضرائب على الدخل، والاتفاقية الثنائية لتنظيم الخدمات الجوية، بالإضافة إلى اتفاقية للتعاون الاقتصادي والفني بين حكومة السلطنة والاتحاد الاقتصادي البلجيكي اللكسمبورجية، واتفاقية التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات مع الاتحاد الاقتصادي البلو- لكسومبرجي.
أوضحت بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، أن أبرز الصادرات من سلطنة عمان إلى مملكة بلجيكا شملت قضبانا وعيدانا من الحديد أو الصلب غير المخلوط، الذي يحتوي على تسنينات أو تضليعات أو حزوز أو غيرها من التشكيلات الناتجة أثناء عملية التجليخ أو مفتولة بعد التجليخ ذات مقطع عرضي دائري من 8 مم إلى 40 مم، بالإضافة إلى البولي بروبيلين، ومجمر (كوك) نفط مكلس، وبوليمرات مركبة من البروبيلين، وفضلات وخردة النحاس، إلى جانب سلع أخرى غير موضحة.
وبيّنت بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن السلع المعاد تصديرها من سلطنة عمان شملت سيارات سياحية (خصوصية) من طراز العام السابق لعام التخليص ومجهزة بمحركات ذات مكابس متناوبة يتم الاشتعال فيها بالشرر بسعة تتجاوز 1.5 ألف سم مكعب ولا تزيد على 3 آلاف سم مكعب، إضافة إلى أجزاء للأصناف المدرجة تحت البنود 88.01 أو 88.02 أو 88.06، كما تضمنت السلع المعاد تصديرها فضلات وخردة النيكل، وبطاريات جافة من الليثيوم، ومطاط ستيرين ـ بوتادين (SBR) ؛ مطاط ستيرين ـ بيوتادين كاربوكسيلي (XSBR) من عصارات المطاط الطبيعي (لاتكس)، وغيرها من السلع الغير موضحة. بينما هناك منتجات ذات إمكانات تصديرية أكبر تتمثل في الميثانول وخامات الحديد ومركزاته والمكتل واليوريا.
وحول الشركات المسجلة التي بها مساهمة بلجيكيّة حتى سبتمبر 2024م بلغت 39 شركة بإجمالي استثمارات 405.7 مليون ريالا عُماني بنسبة 49.5% من إجمالي رأس المال المستثمر في الشركات، وتمثلت أهم القطاعات المستثمر فيها تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات ذات المحركات والتشييد، والأنشطة المهنية والعلمية والتقنية، وأنشطة الخدمات الإدارية وخدمات الدعم، والصناعات التحويلية، والمعلومات والاتصالات، والنقل والتخزين، والأنشطة العقارية، والإدارة العامة والدفاع والضمان الاجتماعي الإلزامي، والتعليم.
وقالت السّفيرة رؤى بنت عيسى الزدجالية سفيرةُ سلطنة عُمان المعتمدة لدى مملكة بلجيكا ورئيسةُ البعثة لدى الاتحاد الأوروبي إن زيارة "دولة السُّلطان هيثم بن طارق إلى مملكة بلجيكا سترسّخ التعاون المشترك بين البلدين الصديقين وتعكس حرص اهتمام الجانبين على تنمية العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
وأكدت أن هذه الزيارة ستتيح فرصة لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المُشترك وتبادل الآراء حول التحديات العالمية والقضايا الراهنة، مشيرة إلى أن الزيارة ستفتح آفاقًا جديدة للتفاهم والشراكة الاستراتيجية بين البلدين والدفع بهذه الشراكة إلى مستويات أعلى وآفاق أرحب وأوسع عبر تعزيز التعاون الثنائي البنّاء في مجالات متعددة تشمل التجارة والاستثمار والطاقة.
من جانبه، أكّد السّفير باسكال غريكوار سفيرُ مملكة بلجيكا المعتمد لدى سلطنة عُمان على أن هذه الزيارة التاريخية تشكل فصلًا مهمًّا في تاريخ العلاقات الثنائية بين سلطنة عُمان ومملكة بلجيكا في شتى المجالات وتؤكّد على الاحترام المتبادل والقيم المشتركة التي شكّلت منذ فترة طويلة الأساس لهذه العلاقات الثنائية.
وقال إن كلًّا من سلطنة عُمان ومملكة بلجيكا قد أظهرتا باستمرار التزامهما بالدبلوماسية والقانون الدولي وتتقاسمان رؤية مشتركة تشجع على المشاركة البنّاءة في كلِّ ما من شأنه أن يسهم في تعزيز الاستقرار والأمن العالمي.
وبيّن السّفير باسكال غريكوار، أن الشراكة الاقتصادية بين سلطنة عُمان ومملكة بلجيكا قد تطورت إلى علاقة ديناميكية مثمرة، لافتًا إلى أن هذه الشراكة الثنائية توسّعت بشكل أكبر لتشمل مشروعات اقتصادية كبيرة أبرزها ميناء الدقم الذي يعدّ مركزًا محوريًّا للخدمات اللوجستية البحرية ومبادرات الطاقة الخضراء.
وأوضّح أن الجانبين يواصلان استكشاف الفرص المتاحة لتعميق العلاقات الاقتصادية عبر الصناعات الناشئة بما في ذلك علوم الحياة والابتكار التكنولوجي والفضاء الجوّي؛ إدراكًا للمقومات التي يزخر بها كلا البلدين في المجال الاستثماري، مضيفًا أن تمديد امتياز ميناء الدقم من شأنه أن يعزز هذه الشراكة المستقبليّة ويؤكد على مكانة البلدين بوصفهما شريكين عالميين في الصناعات المستدامة.
وأكد على أن هذه الزيارة ستسهم في تسهيل المناقشات بشأن دعم السياسات المشجعة للاستثمار وإيجاد فرص مشتركة تعود بفوائد اقتصادية للجانبين، مشيرًا إلى أهمية التعاون البحثي والتبادل الأكاديمي والمبادرات المشتركة التي تعزّز التفاهم المتبادل والابتكار وتبادل المعرفة والحوار الثقافي. وأنه من خلال التركيز على قطاعات مثل الصحة والأدوية الحيوية والفضاء والدفاع والبحوث، ستضع هذه الزيارة الأساس لنمو متنوع ومستدام، كما أن الالتزام المتبادل بالحوار والابتكار يضع كلا البلدين في موقع مهم يسهم في تشكيل مستقبل عالمي يتسم بالسلام والازدهار والترابط.