لأول مرة، يُجمع الأطراف والوسطاء على قرب التوصل إلى اتفاق تهدئة في قطاع غزة، تُرفع به غُمة الحرب التي لبثت عامًا، وازدادت شهرين، مخلفة أبشع مشاهد العصر الحديث من حيث الدمار والقتل، غير أن المشهد حتى الآن ما يزال جزء منه قيد "سياسة التعتيم"، التي تعكس رغبة صادقة للتوصل إلى إطار في هذا الشأن.
ومع توالي الأنباء مؤكدة قرب التوصل إلى اتفاق تهدئة في قطاع غزة، الذي يشهد حرب إبادة إسرائيلية منذ أكثر من 14 شهرًا، تتزايد المخاوف من موقف "الثلوث" العبري الذي حال دون التوصل إلى إطار في هذا الشأن مرارًا.
ويقصد بمصطلح "الثلوث" العبري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن القومي إيتمار بن جفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذين أفسدوا جهود الوسطاء في أكثر من مناسبة.
تحركات نحو مسار التهدئة
جددت مصر تأكيدها على أهمية سرعة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتبادل الرهائن والمحتجزين، وضمان دخول المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع دون قيود أو عراقيل.
يأتي ذلك في الوقت الذي تبذل فيه مصر وقطر جهودًا مكثفة مع كافة الأطراف للتوصل إلى اتفاق تهدئة في قطاع غزة، الذي يشهد حرب إبادة إسرائيلية منذ ما يزيد عن 14 شهرًا.
من جانبها، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية، أنها مستمرة في التواصل مع الوسطاء من أجل التوصل لوقف إطلاق النار في غزة، مؤكدة أن ذلك ممكن بالنظر إلى النقاط الباقية.
وحافظ الإعلام العبري بدوره على النغمة التي تشير إلى قرب التوصل إلى اتفاق في غزة، والذي قد يدخل حيز التنفيذ في غضون الأيام القلية المقبلة، بحسب مزاعمه.
وفي هذا الإطار، يجري مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" بيل بيرنز زيارة إلى قطر، اليوم الأربعاء، لمناقشة آخر التطورات المتعلقة بمفاوضات تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وبحسب موقع "أكسيوس" الأمريكي، فإن بيرنز سيلتقي برئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الدوحة، موضحًا أنه سيناقش آخر التطورات المتعلقة بالمفاوضات غير المباشرة بين وإسرائيل وحركة حماس.
والاثنين، سافر وفدًا إسرائيليًا إلى قطر بتفويض محدود -بحسب هيئة البث الإسرائيلية- وذلك على وقع مفاوضات أسمتها بـ "المتقدمة جدًا" مع حركة حماس للدفع نحو صفقة لتبادل الأسرى.
حركة حماس من جهتها أكدت أن "الدوحة تشهد مباحثات جادة وإيجابية، برعاية الإخوة الوسطاء القطري والمصري"، موضحة أن "الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ممكن، إذا توقف الاحتلال عن وضع شروط جديدة".
تفاؤل حذر
وبالنظر إلى الجهود الجارية من قبل الوسطاء، فإن "التفاؤل الحذر" هو طريقة منصفة لوصف الوضع، وفق حديث الولايات المتحدة، التي تأمل في التوصل إلى اتفاق في الأسابيع المقبلة.
وفي غضون ذلك، أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تزايد التفاؤل بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، كاشفة عن امتناع الإسرائيليين والفلسطينيين عن تسريب تفاصيل المحادثات إلى وسائل الإعلام، وذلك خلافًا لما كان سائدًا في المفاوضات السابقة.
وذاك الـ"تعتيم"، يدفع الخبراء إلى القول إن حركة حماس وإسرائيل "أكثر جدية" بخصوص التوصل إلى اتفاق هذه المرة، طبقًا لما أوردته الصحيفة الأمريكية.
الثلوث العبري
ورغم ذاك الزخم، يظل موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان له دور كبير في إفساد المفاوضات السابقة بشأن وقف إطلاق النار في غزة، حفاظًا على مصالحه السياسية، قيد الغموض.
وتتهم المعارضة وعائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة "نتنياهو" بعرقلة التوصل إلى اتفاق، في محاولة للحفاظ على منصبه وحكومته، على إثر تهديد وزراء متطرفون، بينهم وزيرا الأمن القومي إيتمار بن جفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها في حال القبول بإنهاء الحرب.
وفي هذه الأثناء، أبدى "بن جفير" و"سموتريتش" معارضتهما للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك رغم تقديرات إسرائيلية بقرب التوصل إليه.
ومرارًا، أكدت وسائل إعلام عبرية، أن معارضة "بن جفير" و"سموتريتش" للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى، حال دون موافقة رئيس الوزراء على عدة عروض، وذلك خشية إسقاطهما لحكومته.
لكن رغبة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في التوصل إلى اتفاق تهدئة في غزة، قبل توليه زمام السلطة في الـ20 من يناير القادم، قد تدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى ذلك دفعًا.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربًا مدمرة ضد قطاع غزة، خلفت أكثر من 150 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.