شيئُُ من الإيجابية يُخيم على مسار المفاوضات القائم بين حماس وإسرائيل في الوقت الراهن بغية التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في قطاع غزة، الذي يشهد حرب إبادة إسرائيلية منذ السابع من أكتوبر 2023، على إثرها تحول القطاع إلى كومة من الأنقاض، وتُرك نحو مليوني فلسطيني دون أي مأوى يلجأون إليه.
ومنذ ما يقرب من أكثر من عام، أجرت مصر وقطر بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، مفاوضات غير مباشرة بين حركة حماس وإسرائيل، باءت جميعها بالفشل جراء عدم تجاوب الأخيرة مع مطالب الأولى، التي تتمسك بتحقيق وقف فوري ودائم لإطلاق النار.
ويُخشى من أن يكون ثمن التهدئة في هذه الأثناء، هو الاستيطان في قطاع غزة، الذي هو ضائقًا على أهله بالفعل، فالقطاع الذي يمتد على 360 كم² يضم نحو 2.4 مليون فلسطيني، ما يجعله واحد من أكثر البؤر اكتظاظًا بالسكان من حيث المساحة.
ولمواجهة مخططات الاستيطان، تتمسك حركة حماس من جانبها بانسحاب القوات الإسرائيلية إلى محاذاة الحدود، وشددت بأنها لن تقبل بأقل من ذلك.
واستيطان إسرائيل في قطاع غزة، ليس شيئًا من درب الخيال، حتى يقال أنه "مُحال"، حيث أنها كانت متواجدة هناك بالفعل، وخرجت منه بالأمس القريب، تحديدًا في عام 2005، عندما اضطرت إلى تفكيك مستوطناتها، التي كان يقطنها نحو ثمانية آلاف مستوطن إسرائيلي.
وفي غضون الفترة المنقضية، دعت العديد من الأصوات العبرية بشكل علني إلى استيطان غزة، التي تشهد حربًا مدمرة، منذ ما يزيد عن 14 شهرًا، تحت ذريعة أن ذلك هو السبيل الوحيد لضمان تأمين بلدات الجنوب الإسرائيلي.
وقد أكدت وزارة الخارجية الفلسطينية، أن ذلك ينسجم مع ما تقوم به آلة الحرب الإسرائيلية، من إبادة وتدمير لجميع مقومات الحياة في القطاع، وتحويله إلى أرض محروقة لا تصلح للحياة البشرية.
ومع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية بوتيرتها الدموية طوال عام 2024، تتزايد المخاوف من أن يكون ثمن التهدئة المرتقبة، هو استيطان قطاع غزة، لا سيما في الجزء الشمالي، حيث تنفذ إسرائيل ما يُعرف بـ"خطة الجنرالات".
وتستهدف تلك الخطة تفريغ المنطقة بالكامل من سكانها، بأي وسيلة كانت، ما جعل فكرة الاستيطان هناك حاضر وبقوة في أذهان المتطرفين الإسرائيليين.
وقد حظى أمر الاستيطان بزخم داخل الأوساط العبرية، خاصة في ظل الدعم السياسي من قبل ائتلاف حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ناهيك أن الحرب المستمرة تركت أجزاء كاملة من القطاع، دون أي وجود آدمي.
وفي هذا الإطار، أظهر استطلاع حديث نشره المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أن 42 بالمائة من الإسرائيليين اليهود يؤيدون بناء مستوطنات في قطاع غزة، بينما 52 بالمائة يعارضون ذلك.
وفي إجابة على السؤال الذي طرحه المعهد بشأن السبب الرئيسي لتأييد الاستيطان اليهودي في غزة، قال المستطلَعون إنه لتصحيح خطأ الانسحاب الأحادي الجانب من غزة عام 2005، وفق تعبيرهم.
أما السبب الثاني، الذي كان أكثر شيوعًا بين المستطلعين هو اعتقادهم أن "غزة جزء من أرض إسرائيل"، وهو الرأي الأكثر انتشارًا بين المتدينين، في حين كانت الإجابة الثالثة، "توفير حماية أفضل لسكان منطقة حدود غزة"، وهو الرأي الأكثر شيوعًا بين اليهود العلمانيين الذين يؤيدون الاستيطان في غزة، بحسب المعهد.
هل التهدئة مقابل الاستيطان؟
وفي غضون ذلك، يقول الدكتور عبد المهدي مطاوع، المحلل السياسي المتخصص في الشأن الفلسطيني، إن هناك رغبة إسرائيلية للاستيطان في قطاع غزة، منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023.
وأشار "مطاوع" في حديثه لـ"دار الهلال" إلى أن هناك ندم بين مجموعة من المستوطنين جراء الخروج من قطاع غزة فيما مضى، موضحًا أن الفرصة أصبحت سانحة الآن لتحقيق الرغبة العبرية، حيث يساعد في ذلك أن إسرائيل تفرض سيطرة كاملة على القطاع، وتدخل أي مكان شاءت.
وأوضح أنه في ظل ذلك أصبح من المعتاد أن يطرح الاستيطان الإسرائيلي مرة أخرى في غزة، بواسطة مجموعة "يمنية" في حزب "الليكود"، لافتًا إلى أن 13 وزيرًا من الحكومة العبرية، التي يرأسها بنيامين نتنياهو، حضر مؤتمر الاستيطان في قطاع غزة، وبالتالي نحن نتحدث عن توجه "جدي" رغم عدم وجود تصريحات رسمية.
ويؤكد أن السبيل الوحيد لمواجهة الأطماع الإسرائيلية الراغبة في استيطان قطاع غزة، هو انسحاب حركة حماس من المشهد، مقابل حلول منظمة التحرير الفلسطينية، حيث أنها تستطيع من خلال الاعتراف الموجود خوض حراك دبلوماسي ضد إسرائيل عبر المحاكم الدولية، موضحًا أنه عندما يكون الفلسطينيون موحدين سيكون من السهل التعاطي مع الإدارة الأمريكية المقبلة برئاسة دونالد ترامب في أي مشاريع تتعلق بالمنطقة.
"وللأسف لا تمتلك الفصائل الفلسطينية في غزة أي رؤية لمواجهة الأطماع الإسرائيلية في هذا الشأن، وذلك جراء وقع الصدمة التي حدثت عقب السابع من أكتوبر 2023، حيث كشفت ضاحلة تحالفتها، وعدم وجود أفق سياسي، يقدم حلول ملموسة للشعب الفلسطيني"، بحسب ما يذكره المحلل السياسي الفلسطيني.
وفي شأن تمسك حماس بانسحاب إسرائيل من قطاع غزة للقبول بأي تهدئة، يوضح مطاوع، أنه لا يمكن التعويل على أي شيئ دون تحقيق "الوحدة" إلى جانب مشروع سياسي واضح يتعاطى معه العالم، وما عدا ذلك لن ينفع.
لا حل سوى الانسحاب
وفي موازة ذلك، يؤكد الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية، أنه لا يمكن في جميع الأحوال القبول بتحقيق التهدئة في قطاع غزة، مقابل "الاستيطان" الإسرائيلي، حيث يتعارض ذلك مع الأسس التي تقوم عليها المفاوضات.
وأشار "بدر الدين" في حديثه لـ"دار الهلال"، إلى أن الجانب الفلسطيني لن يقبل باستيطان قطاع غزة، موضحًا أن تلك هي الرغبة الإسرائيلية، ولن تؤدي في الأخير إلى حل، فالحل الوحيد يتمثل في انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.
وأضاف أن أي مسار تفاوضي جاد لا بد أن يتضمن انسحاب القوات الإسرائيلية إلى خارج قطاع غزة، مشيرًا إلى أن المطالب الإسرائيلية غير الواردة من قبل أدت إلى عرقلة المحادثات التي أجريت مرارًا.
وأفاد أستاذ العلوم السياسية، بأن التهديد الإسرائيلي باستيطان قطاع غزة، قائم بالفعل، وسيزداد تحت مظلة حكم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، مشيرًا في الوقت ذاته، إلى أن هناك رغبة إسرائيلية في التوسع على حساب أطراف أخرى، وليس غزة بمفردها، فهناك أطماع في الضفة الغربية، وكذلك شاهدنا ما حصل في سوريا وما تخلله من إلغاء اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، متابعًا:"الأمر قد يصل إلى الأردن أيضًا".
وفي هذا الصدد، يُذكر "بدر الدين" بالتصريحات العبرية والأمريكية التي تفيد بأن إسرائيل ضاقت على أهلها كمبرر لاستيطان المزيد من الأراضي، مختتمًا حديثه بالتساؤل حول ما هو الموقف العربي حول تلك التهديدات.