منذ بداية عام 2024 وحتى الآن، قدمت مصر دعمًا مستمرًا لكل من غزة ولبنان، حيث تمثل ذلك في المعونات الاقتصادية التي أرسلتها إلى قطاع غزة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على السكان هناك، بالإضافة إلى مساعدة لبنان منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على جنوبه، كما أظهرت مصر دعمها من خلال تنظيم جهود محلية مثل جمعيات العمل الأهلي والتنموي لإرسال شحنات غذائية إلى غزة ولبنان.
على المستوى الدولي، شاركت مصر بشكل فعّال في دعم القضية الفلسطينية، وكان أبرزها استضافة مؤتمر "دعم وتعزيز الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة" في القاهرة في نوفمبر 2024، تحت عنوان "عام على الكارثة الإنسانية في غزة".
شهد المؤتمر مشاركة واسعة من وزراء ودبلوماسيين، حيث دعا وزير الخارجية بدر عبد العاطي إلى انسحاب فوري لإسرائيل من معبر رفح، وأكدت مصر خلاله على ضرورة فتح المعبر لتسهيل دخول المساعدات.
فيما يتعلق بالجهود الدبلوماسية، كثفت مصر اتصالاتها مع الأطراف الدولية والإقليمية من أجل وقف الحرب، حيث دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى وقف إطلاق النار وتنظيم قمة للسلام، بما يساهم في فتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية وتنسيق الجهود الدولية لإنهاء الصراع.
كما أرسلت مصر قوافل إنسانية إلى غزة تضمنت الغذاء والأدوية والمواد الأساسية طوال عام 2024، مع تأكيد خاص على الاحتياجات الشتوية.
وفي المحافل الدولية، حذرت مصر من مخاطر التصعيد العسكري وضرورة وقف الأعمال العدائية، مؤكدة أن السيطرة العسكرية الإسرائيلية على المعابر تشكل عائقًا أمام دخول المساعدات، كما شاركت مصر في القمم العربية والإسلامية ودعمت قرارات مجلس الأمن الدولي التي تطالب بوقف إطلاق النار.
أما عن جهود الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقد أجرى عدة اتصالات مع قادة العالم العربي والغربي، محذرًا من التداعيات الإنسانية الوخيمة في غزة بسبب الحصار والقصف، ومؤكدًا على رفض مصر القاطع لمحاولات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو خارج أراضيهم، معتبرًا ذلك تهديدًا للأمن والاستقرار في المنطقة.
على صعيد التنسيق مع الدول العربية والإسلامية، شارك الرئيس السيسي في قمة عربية طارئة دعا خلالها إلى توحيد الموقف العربي لدعم القضية الفلسطينية ورفض السياسات الإسرائيلية.
كما قدمت مصر مذكرة إلى محكمة العدل الدولية، اعتراضًا على الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، مطالبة بإنهاء الاحتلال وتعويض الفلسطينيين.
ومن خلال معبر رفح، تم إدخال مساعدات طبية وغذائية كبيرة إلى غزة، حيث بلغ حجم المساعدات 3866 طنًا من المواد الطبية و22799 طنًا من المواد الغذائية، إضافة إلى 13936 طنًا من المياه و2678 طنًا من الوقود. كما تم استقبال 773 مصابًا من غزة للعلاج في المستشفيات المصرية.
وفي 3 يناير 2024، أعلن الهلال الأحمر المصري عن تجهيز مخيم في خان يونس لاستيعاب أكثر من 6 آلاف شخص.
وفيما يتعلق بلبنان، دعمت مصر الحكومة اللبنانية في مواجهة التحديات الإنسانية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي، حيث أكد الرئيس السيسي على دعم مصر الكامل للبنان ورفض المساس بأمنه واستقراره، كما أرسلت مصر شحنات من المساعدات الطبية إلى لبنان، وأكدت على متابعة أوضاع الجالية المصرية هناك.
وعلى الصعيد السياسي، شارك الرئيس السيسي في قمة عربية إسلامية بالرياض، حيث التقى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، مؤكدًا دعم مصر لاستقرار لبنان.
كما دعا إلى حوار وطني بين الفصائل اللبنانية لمواجهة الأزمات الداخلية، واستمرت مصر في تقديم المساعدات الإنسانية، بما في ذلك المواد الغذائية والأدوية.
وشددت على أهمية التواصل مع جميع الفصائل السياسية لتحقيق السلام الداخلي وتقليل التوترات السياسية في لبنان.
محمد قشقوش: مصر تقف بصف فلسطين منذ سنة 1947 .. ولها دور في بارز في لبنان
ومن جانبه، أكد اللواء محمد قشقوش، المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أن مصر لطالما اتخذت موقفًا داعمًا وثابتًا تجاه القضية الفلسطينية منذ عام 1947، أي قبل صدور قرار الأمم المتحدة رقم 181 بإعلان قيام دولة إسرائيل رسميًا.
وأوضح قشقوش، في تصريح خاص لبوابة دار الهلال، أن المصريين هبّوا للدفاع عن فلسطين منذ قيام إسرائيل في عام 1948، مشيرًا إلى أن مصر لم تتخل عن دورها الداعم لفلسطين على مدار أكثر من 75 عامًا، حيث لعبت دورًا سياسيًا واقتصاديًا فاعلًا، فضلاً عن كون عدوان 1956 على مصر كان مرتبطًا بنضالها من أجل تحرير فلسطين.
وفيما يخص لبنان، أشار قشقوش إلى أن موقف مصر برز بوضوح عقب وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، حيث حرصت القاهرة على دعم استقرار لبنان من خلال السعي لتشكيل حكومة وطنية وانتخاب رئيس جديد يتماشى مع خصوصية الدستور اللبناني.
وأضاف أن مصر قدمت العديد من المساعدات للبنان، بما في ذلك دعم شبكة الكهرباء في الثمانينيات، مؤكدًا أن دعم مصر للعرب، سواء في فلسطين أو لبنان، ليس من باب التفاخر، بل هو واجب قومي وأخلاقي تجاه الأشقاء العرب.
طارق فهمي: توقف المساعدات عبر معبر رفح مؤقت.. والمفاوضات قد تعيد فتحه
قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن ملف المساعدات الإنسانية يمثل أحد أهم أوجه الدعم التي قدمتها مصر لدعم القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وأوضح فهمي في تصريح خاص لـ"بوابة دار الهلال" أن المساعدات المصرية استمرت في التدفق عبر معبر رفح لدعم الجانب الفلسطيني، لكنها توقفت نتيجة سيطرة إسرائيل على محور صلاح الدين.
وأشار إلى وجود معابر أخرى تخضع للسيطرة الإسرائيلية، أبرزها معبر "ديفيد"، إلا أن المساعدات التي تدخل عبر تلك المعابر تعد ضئيلة للغاية.
وأشار فهمي إلى أن أزمة معبر رفح لن تستمر طويلًا، مؤكدًا أن الأمر يعتمد على إعادة التفاوض والإجراءات مع الجانب الإسرائيلي، ما سيؤدي إلى إعادة فتح المعبر مرة أخرى لتيسير دخول المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين.
عاشور: اغتيال قيادات المقاومة حدث عالمي بارز ومصر تؤكد دعمها للأشقاء في فلسطين ولبنان
صرح الدكتور رامي عاشور، أستاذ العلوم السياسية والدولية بجامعة القاهرة، بأن اغتيال قيادات الصف الأول للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، مثل حسن نصر الله وإسماعيل هنية، يعد من أبرز الحوادث على المستوى الدولي، مشيرًا إلى صدمة العالم تجاه هذا الحدث.
وأضاف عاشور، في تصريح خاص لبوابة دار الهلال، أن مصر تتبنى سياسة نشطة في ملف القضية الفلسطينية، حيث استضافت الأمين العام للأمم المتحدة مرتين خلال عام 2024، بهدف التنديد بالسياسات الإسرائيلية وجمع دعم دولي ضد الانتهاكات الإسرائيلية التي وصفها بـ"المناهضة للإنسانية".
وأوضح عاشور أن الموقف المصري تجاه لبنان يتمثل في دعم استقرار الدولة، مؤكدًا أهمية تشكيل حكومة لبنانية قوية ورئيس جمهورية منتخب بدلاً من الاعتماد على تنظيمات مسلحة كحزب الله، وشدد على ضرورة تجنب التدخلات الخارجية في الشؤون اللبنانية، سواء خلال الحرب أو في الفترات التي تلتها.
ومن ناحيته، صرح الدكتور هيثم عمران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة السويس، بأن دعم مصر للقضية الفلسطينية واللبنانية يمثل ثوابت تاريخية وسياسية في سياستها الخارجية، بهدف تعزيز القضايا العربية الملحة.
وأكد أن مصر، باعتبارها الشقيقة الكبرى، تسعى لتحقيق مصالح مشتركة من خلال دعم قيام دولتي فلسطين ولبنان، مشيراً إلى أن تدخلها في الشؤون العربية يهدف إلى المصلحة العامة، بخلاف التدخلات الأجنبية التي غالباً ما تُحركها أجندات ومصالح خاصة.
وأضاف عمران، في تصريح خاص لبوابة دار الهلال، أن الدور المصري في القضية الفلسطينية واللبنانية، خاصة خلال هذا العام، يهدف إلى منع انتشار التنظيمات الإرهابية والمسلحة في المنطقة.
وأوضح أن مصر تعمل دائماً على ملء الفراغ السياسي واحتواء الصراعات باستخدام أدواتها الدبلوماسية، لمنع القوى الإقليمية الكبرى من فرض سيطرتها على الشرق الأوسط. وأشار إلى أن هذا النهج المصري برز بشكل واضح في عام 2024، كأحد أهم مظاهر سياستها الخارجية.