الأحد 5 يناير 2025

مقال رئيس التحرير

ما يحدث في المنطقة حرب هوية.. هل لغتنا الجميلة في خطر؟!

  • 2-1-2025 | 14:25
طباعة

في مواجهة الأمواج العاتية التي تحيط بإقليمنا المنكوب المضطرب الذي لا يهدأ وفي مواجهة أطماع لا تنقطع، وحرب لا تضع أوزارها، ومخططات تحاك ليلًا ونهارًا، نار مستعرة على كل الجبهات، لا تخبو جذوتها، ولا يلوح في الأفق انطفاؤها، كلما هدأت اشتعلت من جديد أكثر قوة، تحرق لا تبقي ولا تذر، نعيش أجواء السيناريو البائس منذ 2011، تمر السنوات ويتوهم الواهمون أن فصوله اكتملت والستار سيسدل على المأساة، ولكن هيهات يبدأ فصل جديد أشد قسوة وإيلاما من الذي قبله.

يهل عام جديد ويأتي يناير حاملًا معه ذكريات ما مر على دول المنطقة والذي وصفه المغرضون إثمًا ربيعًا وهو في حقيقته رياح خماسين عاتية هبت عاصفة لتدمير الدول الوطنية واستبدالها بجماعات متطرفة وميليشيات مسلحة لا تؤمن أصلًا بفكرة الأوطان وتعتقد يقينًا أن الوطن ما هو إلا حفنة من تراب عفن هذا دينها وديدنها وما تربي عليه أتباعها المفطومين على السمع والطاعة.

المخطط محكم وتنفيذه مستمر، انظر حولك في كل اتجاه ستعرف وتتأكد أن المؤامرة تنفذ بكل حذافيرها، من كانوا يسخرون من نظرية المؤامرة عليهم مراجعة أنفسهم الآن، فالأمر جد خطير والمحتل الغاصب للأرض، والتاريخ ينفذ مؤامراته بكل مهارة، يكسب كل يوم أرضًا جديدة في المعركة، وللأسف بعضنا أهداه فرصة ذهبية ليكمل مخططه المشئوم، والأمر كذلك والخطر محدق والأمواج عاتية، علينا أن نبحث في ذاتنا نستمسك بهويتنا، فالحرب ليست بالسلاح فقط، ولكنها على كل الجبهات، هم يريدون محونا من الوجود، محو أوطاننا، وثقافتنا وهويتنا، ولغتنا، وعروبتنا، هدفهم ألا يبقوا على شيء لنا، نتحول إلى مسخ بلا وطن ولا هوية.

وإذا كنا نتحدث عن الهوية فاللغة أحد أهم عناصرها، ومقوم رئيسي من مقوماتها، فبين الوطن والعقيدة واللغة، تتشكل الهوية، والحفاظ على هذا الثالوث واجب مقدس، ونهضة الأمم لا تتحقق إلا بهويتها، التغريب لا يحقق تقدما بل غربة في داخل الأوطان، تمسكنا بهويتنا طوق نجاة، وأول خطوة نحو مواجهة المخططات الآثمة لأهل الشر وأعوانهم.

تمثل الهوية النواة الصلبة للتماسك المجتمعي، ومن بين عناصرها اللغة، ولغتنا العربية تستحق منا محبة خالصة، فهي اللغة السامية، لغة القرآن الكريم، لغة حية طازجة، حروفها تربط الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، تحت مظلتها يقف العرب جميعًا، وإذا اختلفت الأديان في منطقتنا، تبقى اللغة مكونًا رئيسيًا يجمعنا ويحتضن ثقافتنا.

الاستعمار القديم حاول أن يمحو العربية، كان هدفا من بين أهدافه نشر لغته وثقافته، وزال هو وأطماعه، وبقيت العربية حية صلبة متجددة، وجاء الاستعمار بشكله الجديد يحاول مرة أخرى بأشكال جديدة للنيل من لغتنا الجميلة.

والسؤال هل اللغة العربية في خطر أو مهددة بالفناء؟ والإجابة بسيطة دون "فذلكة" أو حذلقة، نحن الذين في خطر، العرب هم من يواجهون مصيرا صعبا، أما اللغة العربية فباقية بقاء الدنيا، ولم لا وهي لغة القرآن، أما نحن فإن قصرنا في تعلم العربية وتعليمها فالمستقبل سيكون أكثر إظلامًا مما نحن فيه الآن.

نحن نواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في ضعف أحد المكونات الرئيسية للهوية القومية وهو اللغة، نهمل إهمالًا جسيمًا في الاهتمام باللغة العربية وتحديدًا الفصحى، وفضاء السوشيال ميديا أصبح كاشفًا لحجم الخطر والتحدي الذي نواجهه، نظرة سريعة على هذا العالم الافتراضي وستكتشف حجم المأساة، ولا أذهب بعيدًا إذا قلت إن أحد أبرز المخاطر التي تواجه لغتنا هي وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت بيئة خصبة لنشر الجهل اللغوي واللغة الركيكة التي لا تمت للعربية بصلة من قريب أو من بعيد.

ولعلك صادفت وأنت تتصفح أخطاء بشعة يندى لها الجبين، ألم تقرأ  في تعليق كلمة "واللهي" وهم يقصدون بها لفط الجلالة "الله"، أو تصادف من يكتب "إنشاء اللهى" وهو يقصد "إن شاء الله"، ألم تلاحظ التلوث اللغوي في أسماء المحلات التجارية واستخدام  اللغات الأجنبية.

ألم يلفت انتباهك الكارثة الأكبر وهي الفرانكو آراب اللغة الغريبة التي يكتب بها أجيال جديدة تملأ ساحة الفضاء الإلكتروني، فينتجون مسخا لغويا لا علاقة له باللغة العربية من قريب أو من بعيد؟ ألم تسمع عن خريجي الجامعات -ولن أقول المدارس– الذين يخطئون أخطاء ساذجة في الإملاء والنحو؟.

ألم يلفت انتباهك تلهف الأسر من مختلف الطبقات الاجتماعية على التعليم الأجنبي ومدارس اللغات التي يهمل أغلبها تأسيس اللغة العربية؟.. هذه ملاحظات عابرة لا أدعي العمق فيها ولكنها جديرة بالانتباه للخطر المحدق بلغتنا العربية، والأمر لا يقف عند استخدام العامية، فعلى مر التاريخ لم تكن العامية تمثل أي خطر على اللغة بل هي أحد روافد اللغة، ولكن الخطر الحقيقي أن الفصحى أصبحت مهددة، وهو ما يهدد هويتنا العربية الأصيلة.

علينا أن ننتبه جيدًا، وأن نعطي العربية التقدير الذي تستحقه، وأن نضع نصب أعيننا أن تصبح الفصحى أساس تعليمنا، وألا يتخرج المتخرجون في المدارس والجامعات إلا وهم يجيدونها تمامًا، وهنا وقفة، ولأن مصر تدرك أهمية اللغة في تكوين الهوية وأنها رابط رئيسي بالوطن، لا بد أن  نشيد بمبادرة مهمة أطلقتها الدولة لربط المصريين في الخارج بوطنهم الأم وهي مبادرة "اتكلم عربي"، التي انطلقت تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي في ديسمبر2020 لربط أبناء المصريين بالخارج بوطنهم وتعليم اللغة العربية.

وتعد مبادرة "اتكلم عربي" إحدى المبادرات القومية التي تستهدف المهارات اللغوية للمصريين بالخارج من خلال الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة، وأيضًا إعداد دليل تعليمي لأولياء الأمور، والتعريف بالمناسبات الوطنية، والحفاظ على الهوية وتعريف أبنائنا في الخارج بالتراث والعادات والتقاليد والقيم المصرية، وكذا العمل على إكساب المتعلمين القدرة على الاتصال بالأهل والأصدقاء في مصر وخارجها من أجل زيادة الترابط بين أبناء المصريين في مختلف الدول.

وإذا كان هناك اهتمام كبير بتعليم أبنائنا في الخارج وبلاد المهجر اللغة العربية فحري بنا أن يكون بين أولوياتنا وضع اللغة العربية الفصحى موضع عنايتنا لأبنائنا في الداخل، والأمر لا يتعلق بالدولة فقط بل يتعلق بالأسرة، والمجتمع وهو أمر مطروح للنقاش في عدد مجلة الهلال هذا الشهر،  حيث تطلق الهلال مبادرة عنوانها "الحفاظ على لغتنا الجميلة في زمن السوشيال ميديا".

وهذه دعوة مخلصة صادقة للدفاع عن اللغة العربية الفصحى، أحد مكونات الهوية العربية الرئيسية، في مواجهة مخططات ومؤامرات تدبر وتحاك ضد أمتنا العربية.

الاكثر قراءة