«الإصلاح الاقتصادى» مغامرة أدركت القيادة السياسية خطورتها من اللحظة الأولى للجوء إليها، ورغم ذلك لم تتراجع وأصرت على اتخاذها والمضى فيها من أجل انتشال الاقتصاد المصرى من عثرته والسير قدمًا نحو اقتصاد قوى قادر على مواجهة الأزمات وامتصاص الصدمات، مراهنة فى ذلك على وعى المواطن المصرى الذى بادل قيادته الثقة المطلقة فى إجراءاتها نحو بناء جمهورية جديدة تليق بتضحياته وتحمل فى سبيل ذلك الكثير من التحديات والأعباء نتيجة الآثار المترتبة على برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى بدأ فى عام 2016، الذى عملت من خلاله القيادة السياسية والحكومة المصرية على تحسين مستوى معيشة المواطن المصرى، الذى تحمل الأعباء.
المواطن المصرى، هو البطل الحقيقى لأكبر وأجرأ عملية إصلاح اقتصادى نفذتها مصر، حيث نجح برنامج الإصلاح الاقتصادى فى تحقيق وفورات مالية وفوائض تستخدم فى زيادة بند الأجور فى موازنة الدولة وأثر تلك الزيادات على دخل المواطن، نجد أن معدل نمو الأجور وتحقيق مستوى تضخم منخفض وزيادة الإنتاج من السلع والخدمات، تدعم مسار التحسن التدريجى فى معيشة المواطن، خلال السنوات القليلة القادمة مع زيادة النشاط الاقتصادى واستهداف الدولة سياسات اقتصادية ترفع النمو الاقتصادى إلى 8فى المائة واستثمار أجنبى لـ11 مليار دولار وإيرادات سياحية بنحو 20 مليار دولار سنويًا.
ودائمًا ما يؤكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، باستمرار، أنه يراهن على وعى المواطنين فيما تقوم به الدولة، مشيرًا إلى أن حملات التشكيك مستمرة ضد مصر رغم ما تقوم به من إنجازات على المستويات كافة، ومراهنًا فى الوقت ذاته على أن وعى المواطنين هو السلاح الأقوى لمواجهة الأفكار الهدامة وحملات التشكيك، فلشعب والدولة كيان واحد.
خبراء الاقتصاد أكدوا أهمية الوعى للاقتصاد المصرى فى ظل وجود تيارات متطرفة، لا تكل عن ترويج شائعات ليل نهار عن المشروعات القومية التى دشنتها الدولة، بدءًا من مشروع قناة السويس الجديدة، مرورًا بعشرات المشروعات القومية الضخمة التى تلتها، ويشكل الوعى بأهميتها حصانة للمواطن من تسرب المخططات المعادية لبث اليأس داخله.
وفى هذا السياق، قالت الدكتورة نجوى سمك، أستاذ الاقتصاد جامعة القاهرة، إن «المعلومة الصحيحة والسريعة هى الوسيلة المثلى لتحقيق الوعى الاقتصادى بين المواطنين»، ومواجهة الشائعات التى يتم ترويجها فى مهدها قبل انتشارها على مساحات واسعة، موضحة أن «تحقيق الوعى الاقتصادى بمدى توافر المعلومات أولاً بأول، حتى يظل المواطن فى حالة يقظة فكرية، وألا يمل المسئولون من الشرح لأسباب القرار الاقتصادى، بلغة سهلة وبسيطة بعيدة عن تعقيدات المفاهيم، والنفى باستمرار للمعلومات المغلوطة حتى لا يتسع مدى انتشارها».
وأضافت، أن «أهمية الوعى الاقتصادى تكمن فى خطورة المعلومة وقدرة الشائعة على إثارة البلبلة واللغط، فشائعة عن شركة يمكن أن تتسبب فى تدمير قيمة سهمها فى سوق المال، وكثير من الشائعات التى يتم ترويجها فى الشهور الأخيرة تتعلق بالأمن الاقتصادى للدولة وتهدف إلى إضعاف مركزها من أجل خلق مناخ طارد للاستثمار»، مشددة على ضرورة خلق المزيد من قنوات الاتصال بين الحكومة والمواطنين لتوصيل صوت الطبقات الفقيرة وضمان اتخاذ المزيد من الإجراءات الرامية وراء تحسين أحوالهم، وأن يضطلع المجتمع المدنى بدوره فى دعم التحركات الحكومية ودعم الطبقات الأولى بالرعاية، موضحة أن الاقتصاد المصرى واجه الأزمات العالمية وتغلب عليها بسبب أنه متنوع وواسع وعميق، وتعاملت الدولة مع الأزمات بمنطق العلم، واستمرت فى مشروعاتها فى البنية التحتية.
كما أوضحت «د. نجوى»، أن «مرونة الاقتصاد ووعى الشعب المصرى، وخطط الإصلاح الاقتصادى التى قامت بها الدولة، كانت ضرورة للتعامل مع الأزمات العالمية، فضلاً عن التوسع فى الموانئ والبنية التحتية استطاعت أن تستوعب عددًا كبيرًا من العمالة»، لافتة إلى أن سرعة الحكومة فى الحوكمة والشمول المالى أدى لدخول جزء كبير من الاقتصاد غير الرسمى مع الاقتصاد الرسمى، فضلاً عن يقظة الدولة فى الدخول فى العنصر الإنتاجى والذى وضح فى محورى الإنتاج الزراعى، والتوسعات فى المجمعات الصناعية وتوطين الصناعة.
كما أكدت أن الهدف من الإصلاح الهيكلى هو إصلاح التشوهات الموجودة فى قطاعات الاقتصاد المصرى، مشيرة إلى أن مصر كانت تقوم خلال المرحلة الأولى بتنفيذ إصلاحات هيكلية أيضًا لكن بسرعة أقل وبصورة متدرجة دون برنامج وهو ما كان عاملاً جيدًا خفف من آثار تبعات هذا الإصلاح على المواطنين، ومن ثم لم يتأثروا به وتفهموه جيدًا بل ودعموه، أما الآن يتم الإصلاح الهيكلى من خلال برنامج محدد الإجراءات والقطاعات بصورة تؤكد التزام الدولة بالإصلاح الهيكلى وحتمية تنفيذ ذلك فى مواعيد محددة، وهو أمر سيكون له مردود جيد أمام المستثمرين والمؤسسات الدولية، لأنه يعطى انطباعًا بأن مصر عازمة على استكمال طريق الإصلاح.
بدوره، قال الدكتور على الإدريسى الخبير الاقتصادى، إن المواطن المصرى على كان علم بأهمية برنامج الإصلاح الاقتصادى، وتحمل تداعيات هذا القرار بمنتهى الوعى والوطنية وأن هناك زيادة فى معدلات النمو الاقتصادى فى مصر، رغم وجود تباطؤ واضح بالاقتصاد العالمى، مما يؤكد على وجود تحسن مستمر لا يمكن إنكاره.
وأشار «الإدريسى»، إلى أنه ما زال هناك زيادة حجم فى الاستثمارات من جانب القطاع الخاص، وزيادة فى حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمساهمة فى تخفيض معدلات البطالة مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، مؤكدًا أن المصريين يجنون الآن ثمار انخفاض واضح فى مؤشرات معدلات التضخم ومعدلات البطالة، بالإضافة إلى تحسن مستوى الإنتاجية، لافتًا إلى أن مصر أنفقت 4 تريليونات جنيه فى خمس سنوات فى البنية التحتية من أجل تحسين معيشة المواطنين وتوفير البيئة المناسبة للاستثمار.
وشدد على ضرورة تعزيز تجربة الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص بما يقلل من الضغط على الموازنة العامة للدولة على جانب المصروفات، والتى أثبتت نجاحها فى الملف العقارى بعد تطوير العديد من المدن الجديدة.
من جانبه، قال الدكتور محمودالسعيد عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، إن «وعى المواطن المصرى ووطنيته الكبيرة، عوامل ساهمت فى التحرك نحو برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى شمل مجموعة من القرارات منذ 2016، ارتبطت بترشيد الدعم وتحديد سعر الصرف وتخفيض عجز الموازنة، إلى جانب القضايا المرتبطة بدعم المواطن، وجرى العمل على تلك التحديات خلال السنوات الماضية، كما أن العمل على برنامج الإصلاح الاقتصادى أصبح له مردود إيجابى على المؤشرات الاقتصادية مقارنة بما قبل عام 2016، إذ إن هناك تحسنًا على مستوى الاحتياطى الأجنبى وهو أمر ملموس وواضح للجميع».
وأضاف، أن «مرونة الاقتصاد ووعى الشعب المصرى، وخطط الإصلاح الاقتصادى التى قامت بها الدولة، كانت ضرورة للتعامل مع الأزمات العالمية، فضلاً عن التوسع فى الموانئ والبنية التحتية استطاعت أن تستوعب عددًا كبيرًا من العمالة»، مؤكدًا أن برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى بدأته الحكومة منذ 2016 كان ضرورة لمعالجة المشاكل الهيكلية التى عانى منها الاقتصاد المصرى لعقود، من خلال تحسين استدامة المالية العامة، تعزيز بيئة الاستثمار، وخفض العجز فى الموازنة، ومشيرًا إلى أن «برنامج الإصلاح ساهم بشكل أو بآخر فى وصول الجنيه المصرى إلى قيمته السوقية من خلال تحرير سعر الصرف، وهو ما أدى إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتقليل العجز فى ميزان المدفوعات، وهو أمر أدركه المصريون بشكل كبير بدليل أننا وجدنا مساندة وصبرًا كبيرًا منهم على الأعباء الاقتصادية وتحملها، خاصة أن الجميع كان _وما زال_ يدرك أن الدولة تعمل من أجل البناء من خلال المشروعات القومية فى كل مكان من أجل تقليل فاترة الاستيراد ودعم المنتج محلى بكافة أشكاله».
وأوضح «د. محمود»، أن الإصلاحات الهيكلية تضمنت أيضًا إصلاح دعم الطاقة وتحسين كفاءة الإنفاق العام، ما أدى إلى تقليل الضغط على الموازنة، وانعكس ذلك أيضًا على زيادة الاحتياطيات النقدية بشكل كبير بعد هذه الإصلاحات، معتبرًا برنامج الإصلاح الاقتصادى خطوة ضرورية لمعالجة التحديات الكبرى، لكنه يحتاج إلى إجراءات مكملة لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية، وبشكل خاص ما يتعلق بتحسين جودة التعليم، الصحة، والبنية التحتية الاجتماعية لتحقيق تنمية أكثر شمولًا، كذلك دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وإعطاء الأولوية للمشروعات التى تخلق فرص عمل، سيكون له أثر إيجابى مباشر على المواطنين، وهو ما تقوم به الدولة بشكل فاعل خلال الفترة الماضية.
وأضاف أن استمرار الحكومة فى تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة مع تعزيز العدالة الاجتماعية والاستثمار فى رأس المال البشرى، فمن المتوقع أن يتحسن مستوى معيشة الأفراد بشكل تدريجي، مشددًا على أن مصر لديها فرصة لتكون مركزًا إقليميًا للطاقة، والتجارة، والخدمات اللوجستية، مما يدعم قدرتها على تحقيق نمو اقتصادى قوي، فضلا عن تنامى الاستثمارات المستدامة مع تحسين الحوكمة، مكافحة الفساد، وتطوير بيئة الاستثمار.
فى حين قال الدكتور خالدالشافعى، الخبير الاقتصادى، إن «برنامج الإصلاح الاقتصادى كان خطوة جريئة وضرورية لمعالجة الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد الوطنى وتجنب المخاطر التى كانت تهدد الاستقرار المالى والنقدى، وأثمر البرنامج بتحقيق نتائج إيجابية ملموسة على الرغم من التحديات والآثار الجانبية التى تحملها المواطنون، حيث نجح فى وضع الاقتصاد المصرى على مسار التنمية المستدامة وسط التحديات المحلية والإقليمية والدولية وهو أمر يفهمه المصريون بشكل جيد ويرون أن كل هذه الجهود وصلت إلى مرحلة جعلت منه قادرًا على الصمود».
وأوضح أن «الإصلاحات الاقتصادية انعكست إيجابيًا على العديد من المؤشرات، حيث حققت مصر معدلات نمو مستقرة تراوحت بين 4فى المائة و6فى المائة خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى خفض عجز الموازنة العامة وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومى وهذه الجهود رفعت تصنيف مصر الائتمانى عالميا، ودعم الثقة الدولية فى الاقتصاد المصرى».
وأشار «الشافعى» إلى أن البرنامج لم يكن خاليًا من التحديات، حيث تحمل المواطنون عبئًا كبيرًا نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وزيادة تكاليف المعيشة ولكن الحكومة عملت على تخفيف الأعباء من خلال زيادة الحد الأدنى للأجور، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، وإطلاق برامج مثل «تكافل وكرامة» و«حياة كريمة»، مطالبًا فى الوقت نفسه بضرورة التركيز فى المرحلة القادمة على تحقيق نمو اقتصادى أكثر شمولية عبر دعم المشروعات
من جهته، قال الدكتور محمود عنبر، أستاذ الاقتصاد بجامعة أسوان، إن «برنامج الإصلاح الاقتصادى مصرى خالص، والدليل على ذلك أن القرارات الاقتصادية التى اتُخذت كانت توازيها مجموعة من القرارات التى تهدف إلى الحماية الاجتماعية، ففى ظل جائحة كورونا كانت هناك برامج محددة للتنمية والإصلاح الاجتماعى للتخفيف من الأزمات، موضحًا إن وعى المواطن المصرى ووطنيته الكبيرة ساهما بشكل واضح فى التحرك الاقتصادى المصرى، وفى رفعة شأن البلاد بوجه عام».