شهد الأسبوع الماضى إطلاق إنتاج أول دفعة من الأنسولين المحلى «جلارجين» ممتد المفعول، بالتعاون بين شركتى «إيفا فارما» المصرية و«إيلى ليلى» العالمية، و«جلارجين» لا يعتبر العقار الأول الذى «يُصنع محليًا» ولن يكون الأخير ضمن قائمة كبيرة لأدوية تشملها خطة توطين صناعة الدواء التى تأتى فى مقدمة الملفات التى توليها الدولة والقيادة السياسية اهتمامًا كبيرًا باعتباره قضية أمن قومى، حيث يتم إنتاج 90 فى المائة من احتياجات الأدوية محليًا، فيما يتم استيراد 10 فى المائة فقط.
وفق تصريحات الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الصحة والسكان، فإن نحو 15.5فى المائة من المصريين مصابون بالسكرى، وهو ما يتوافق مع المعدلات العالمية، وتم تأسيس 175 مركزًا متخصصًا لعلاج السكر بجانب المعهد القومى للسكر، هذا فضلاً عن تزايد أعداد المصابين فى إفريقيا، والتى تصل حاليًا إلى 24 مليون حالة، ومرشحة للارتفاع إلى 55 مليونًا بحلول 2045، يعكس الحاجة الملحة لتوفير الأدوية بأسعار مناسبة.
«بارقة أمل للقارة الإفريقية»، هكذا وصف الدكتور وسام منقولة، المدير الإقليمى لشركة «إيلى ليلى» لمنطقة شمال إفريقيا، خطوة إنتاج الأنسولين المحلى فى مصر خلال الإطلاق، معبرًا عن اعتزازه بهذا الإنجاز، وموجهًا الشكر للحكومة المصرية لدعمها توطين صناعة الدواء، بما يحقق أهداف القارة فى الوصول إلى علاجات عالية الجودة.
من جانبه، قال الدكتور رياض أرمانيوس، العضو المنتدب لشركة «إيفا فارما»، إن «توطين إنتاج الأدوية الأساسية يمثل نقلةً نوعيةً فى تحقيق العدالة الصحية عالميًا»، موضحًا أن التعاون مع «إيلى ليلى» يهدف إلى تحسين الرعاية الصحية لما يقرب من 30 مليون شخص فى المناطق محدودة الموارد بحلول 2030.
بدوره، قال الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمى لوزارة الصحة والسكان: التعامل مع الأدوية يقوم على هدف أساسى هو توفيره وأهم ما تتحرك عليه الدولة لتوفير الدواء هو المزيد من توطين الصناعة، فنتحدث عن 90 فى المائة من الأدوية تصنع فى مصر ونسعى لرفع النسبة إلى 95 فى المائة، أيضًا نتحرك فى اتجاه توطين صناعة المادة الفعالة.
«عبدالغفار»، أضاف أن «جلارجين» ليس الأول من نماذج التوطين، لكن الميزة فيه أنها أول مرة يتم تصنيع أقلام الأنسولين ممتد المفعول، وهنا نحن نتحدث عن طاقة إنتاجية كبيرة تكفى تغطية السوق المحلية وقدرة تصديرية كبيرة، كما أن واحدة من مميزات هذا المشروع هو أن الشركة الأم المنتجة للأنسولين ممتد المفعول هى الشريك لنقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة، وهذا يؤكد أنها نفس المادة الفعالة ونفس المادة الخام ونفس المصنع الأجنبى شريك بتوفير المادة الفعالة ونقل التكنولوجيا فى المصنع المصرى.
ومن جهته، قال الدكتور يس رجائي، مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية: مرض «السكرى» منه النوع الأول والنوع الثانى، النوع الأول العلاج الأساسى فيه هو الأنسولين، أما النوع الثانى فيعتمد على علاجات أخرى ونمط تغذية وإجراءات أخرى، ومن الممكن بعد فترة من فشل هذه الأدوية معه يتم الاتجاه للأنسولين، والأنسولين أنواع، منها «سريع المفعول، متوسط، وممتد المفعول، ومتوسط المفعول»، ومريض سكر لا بد من ضبط معدل السكر فى الدم، وذلك من خلال إما «أنسولين سريع المفعول» ويظهر أثره من 10 دقائق إلى 30 دقيقة، أو «ممتد المفعول» وذلك لضبط معدل السكر فى الدم لفترات أطول (يوم، أسبوع، أو شهر).
«د. يس»، أوضح أنه «توجد فى مصر شركتان تنتجان الأنسولين متوسط وقصير المفعول، والجديد فيما تقدمه شركة إيفا فارما هو إنتاج أول أنسولين ممتد المفعول من الأنواع المهمة جدًا لحالات كثيرة».
وأضاف: إذا نظرنا للسوق المصرية نجد أن 70 فى المائة من استهلاك الأنسولين هو «المتوسط المفعول»، ما يعنى أنه الأكثر استهلاكًا فى السوق المصرية، والنسبة المتبقية الـ30 فى المائة موزعة بين النوعين السريع والممتد المفعول، ويبلغ استهلاكنا من الأنسولين سنويًا ما بين 17 إلى 18 مليون عبوة أو حقنة أنسولين، وما نستطيع إنتاجه محليًا نحو 12 مليون عبوة، لكن لم نكن نصل لإنتاج الـ12 مليونًا لأسباب تتعلق بمشكلة فى بعض خطوط الإنتاج أو مشكلة فى توفر المادة الخام أو مشكلة فى بعض مستلزمات الإنتاج، فسلاسل الإمداد ليست متوفرة دائمًا، وتتم تغطية النسبة المتبقية بالاعتماد على الاستيراد، والمستورد حتى العام الماضى استحوذ على نسبة كبيرة من السوق، ونسعى للتوطين لتقليل النسبة المستوردة، أيضًا من المهم أن تتوفر لدينا القوة والقدرة على الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتى، ومن ثم التصدير.
مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية، كشف أن «شركة إيفا فارما وفرت خط إنتاج بطاقة إنتاجية كبيرة تصل سنويًا إلى 80 أو 90 مليون عبوة من الأنسولين ممتد المفعول «جلارجين»، وهذه أول مرة لإنتاجه محليًا، أيضًا حصلت الشركة على الموافقة على تصنيع الأنسولين متوسط المفعول، وبموجب الاتفاق مع شركة «إيلى ليلى» تحصل الشركة المصرية على التكنولوجيا فى مقابل أن خط الإنتاج بطاقته الكبيرة هذه، سيتم التصدير إلى 56 دولة».
كما أوضح أنه «إذا نظرنا إلى الأنسولين المحلى «جلارجين» أنفقنا على استيراده حتى سبتمبر الماضى 30 مليون دولار كمستحضر تام الصنع، وتصنيعه محليًا معناه توفير العملة، فسيتم تقليل الفاتورة الاستيرادية وتوفير عملة صعبة من خلال التصدير فيما بعد، أيضًا الاعتماد مستقبلاً من قبل منظمة الصحة العالمية سيتيح فرص الشراء المجمع فى حالات الإغاثة مثلاً، وهذا يُعتبر مصدر ريادة عالمية فى التصنيع، خاصة أنه يعتبر أول مصنع على أرض إفريقيا يصنع الأنسولين ممتد المفعول بطاقة كبيرة ويتم تجهيزه للاعتماد من قبل منظمة الصحة العالمية والاتحاد الأوروبى، وكهيئة دواء نسير معهم خطوة بخطوة لتأهيله للحصول على هذا الاعتماد، فهذا الإطلاق جاء بعد عامين من العمل منذ توقيع الاتفاقية وخلال هذه الفترة تقوم الهيئة بالمراجعة للدراسات ولخط الإنتاج وكذلك التفتيش والتوجيه حتى تم الوصول للمرحلة النهائية فى التصنيع والموافقة على الإطلاق، والهيئة مستمرة فى دورها حتى الحصول على الاعتماد الدولى».
«الجلارجين ليس الأول ولن يكون الأخير فى الأدوية التى يتم توطين صناعتها»، أمر آخر أكده «د. يس»، قبل أن يضيف: خطة التوطين يأتى على رأسها أدوية الأورام، أدوية المناعة، مشتقات البلازما ومن المقرر أن يشهد 2025 أول تصنيع لمشتقات البلازما منها فاكتور 8 والألبومين البشرى وهو مشروع قومى، وكذلك توطين أدوية للمناعة، وخلال عام 2024 تم توطين صناعة نحو 24 دواء وخلال الثلاث سنوات الأخيرة نحو 113 مادة فعالة تم توطينها وتصنيعها كمثائل أو كبدائل، ونتج عن ذلك خفض الفاتورة الاستيرادية بمبلغ 620 مليون دولار.
وأشار مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية، إلى أنه «من المقرر خلال الفترة المقبلة التوسع فى توطين البلازما وأدوية المناعة والأورام وبعض الأدوية ذات التقنية العالية وأحادية الاستخدام، فتوجد شركات بدأت فى شراكات لنقل التكنولوجيا، كما أن خطة التوطين تشمل توطين صناعة اللقاحات، ومؤخرًا تم تدشين التحالف المصرى لمصنعى اللقاحات الذى يضم 6 شركات وطنية لنقل تكنولوجيا من الشركات العالمية لتصنيع اللقاحات والأمصال فى مصر، وهذه خطوة مهمة، فالاستفادة ليس لمصر فقط، لكن ستستفيد منها دول إفريقيا، بعدما أبدى اتحاد إفريقيا للأدوية المسئول عن الشراء المجمع الرغبة فى الحصول على اللقاحات والأمصال المصنعة فى مصر كخطوة للوصول إلى تصنيع 60 فى المائة من احتياجات إفريقيا من الأمصال واللقاحات على أرض إفريقيا بحلول 2040، وحاليًا يتم إنتاج واحد فى المائة فقط من احتياجات القارة ويتم الاعتماد على الاستيراد، ومصر تسعى من خلال هذا التحالف إلى توطين صناعة اللقاحات والأولوية للقاحات المدرجة ضمن البرنامج الإجبارى للتطعيمات البالغة نحو 18 لقاحًا بشكل مبدئى، ومن المقرر توطين هذه اللقاحات خلال خمس سنوات، ويبلغ حجم الاستهلاك من اللقاحات والأمصال فى مصر نحو 75 مليون جرعة سنويًا».
بدوره، قال الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية: توجد تكليفات رئاسية منذ عام 2014 بتوطين صناعة الدواء، خاصة الأدوية التى ليس لها مثيل أو بديل أو التى يتم استيرادها بالدولار، والتكليفات كانت واضحة لشركات الدواء الكبرى، بتوطين صناعة أدوية الأورام، مشتقات الدم، الأنسولين والهرمونات وألبان الأطفال، ومنذ ذلك التاريخ بدأت الشركات تعمل والدولة تدعمها فى اتجاه التوطين، وبالفعل فى عام 2024 أصبح لدينا أدوية أورام ومشتقات دم والأنسولين.
«عوف»، أشار إلى أن «الأنسولين فى مصر قبل 2014 نسبة استحواذ الشركات الأجنبية على السوق المصرى سواء مستشفيات حكومية أو قطاعاً خاصاً كانت فى حدود 98 فى المائة، وبعد التكليفات الرئاسية بدأت الشركات تجتهد بقوة، حتى أن شركة المهن الطبية استحوذت على مصنع كبير الأنسولين واستوردت المواد الخام من أكبر شركة أنسولين فى أمريكا، وبدأت الإنتاج المحلى إلى أن أصبحت هذه الشركة فى عام 2024 تغطى نحو 90 فى المائة من مستشفيات الشراء الموحد وفى القطاع الخاص تغطى نسبة 50 فى المائة من الأنسولين المصرى، وبنصف سعر المستورد».
وقال «د.على»: المصنع المنتج لعقار الأنسولين «جلارجين» دخل فى مرحلة متطورة فى تصنيع الأنسولين، فالأنسولين أنواع، منها ما يؤخذ لخفض النسبة سريعًا نتيجة ارتفاعها لسبب ما، وآخر يؤخذ لضبط السكر لمدة يوم أو أكثر، فى بعض الحالات بعد عدة سنوات لا يحقق الأنسولين نتيجة معهم وتظهر مقاومة للأنسولين وهنا الأجيال الحديثة للأنسولين أصبحت هى الحل للفئات التى تعانى من وجود مقاومة للأنسولين العادى، وهذه تكنولوجيا جديدة وبدأت شركة إيفا فارما نقل هذه التكنولوجيا من إحدى كبرى الشركات العالمية للأنسولين وتوطينها فى مصر، فمصر تصنع الأنسولين «فايل» وتصنع الأنسولين العادى أقلام، ولكن الجديد فى «إيفا» أول تصنيع لأنسولين أقلام ممتد المفعول للفئات المقاومة للأنسولين، وما أعلن عن دفعة «جلارجين» أول إنتاج وسيمر بمراحل تستغرق نحو 3 أشهر ليكون فى السوق بعد ذلك.
رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، أكد أن «الدولة المصرية تسير طبقًا للتوجيهات الرئاسية فى خطة التوطين بخطى ووتيرة سريعة لتوطين صناعة الأنسولين فى مصر، وستصبح مصر نقطة تحول فى إفريقيا والشرق الأوسط فمصر الوحيدة المميزة بتصنيع محلى للأنسولين وستفتح مجالاً كبيرًا للتصدير، لأن هذه النوع من الأنسولين مطلوب فى دول كثيرة، وهنا الشركة المصرية تعد محطة، بحيث بعد تغطية السوق المصرى، سيتم التصدير».
بعد هذا الإطلاق الجديد هل ستنتهى أزمة الأنسولين المتكررة قريبًا؟.. سؤال أجاب عنه «د.على» بقوله: نسعى فى مصر للاعتماد على أنفسنا، وتبقى ثقافة ووعى المواطن فى الاقتناع بأن المنتج المحلى مساوٍ ونفس كفاءة المنتج المستورد، وبالتالى بمرور الوقت الأنسولين المحلى ينتشر ويستقر، فأحد أسباب أزمة الأنسولين أن الشركات الأجنبية لو حدث لديها عطل يؤثر علينا، وأولوياتها للسعر الأعلى، لكن عندما يكون المصنع وطنياً تكون الأولوية للبلد، وقطاع الأنسولين يشهد نموًا وتطورًا بشكل واضح ولن يستطيع أحد الضغط علينا فيما بعد.
ولتعظيم الاستفادة من هذه الخطوة، قال «د. على»: مصر لديها العلم والعلماء والإرادة السياسية وأن تبنى نفسها وتعظم من إنتاج الدواء، والدواء المصرى بكفاءة الأجنبى، لذا على المواطنين تشجيع الصناعة الوطنية، فلا يوجد دواء أقل من دواء لكنها ثقافة، فالأنسولين المصرى موجود فى مستشفياتنا الحكومية ووزارة الصحة والتأمين الصحى بنسبة 90 فى المائة، كفاءته مثل الأجنبى ومنذ 7 أو 8 سنوات نعتمد عليه، والأنسولين الحديث سيدخل مصر فى مستوى أعلى من تكنولوجيا إنتاج الأنسولين.