مما لا شك فيه، أن الموافقة المبدئية لمجلس النواب على مشروع قانون «الضمان الاجتماعى والدعم النقدى»، تعد خطوة جادة فى طريق الحكومة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه، والمقرر استكمالها فى يوليو 2025 بإحداث تحول كامل للدعم التموينى إلى دعم نقدى بعد اكتمال مناقشته فى «الحوار الوطنى»، الأمر الذى يلقى ترحيب الخبراء الذين أكدوا أهمية التحول إلى الدعم النقدى لضمان حوكمة الدعم والقضاء على الفساد وتسريب الدعم لغير المستحقين، غير أنهم اشترطوا تدقيق قواعد البيانات مع ضمان السيطرة على الأسعار وربط قيمة الدعم بمعدلات التضخم.
«هل يصل الدعم إلى مستحقيه؟»، سؤال بدأ به الدكتور محمد البهواشي، الخبير الاقتصادى، حديثه، قبل أن يجيب بأن «الدعم لا يصل للفئات الأكثر احتياجًا، فالسلع الأساسية حتى تصل للمواطنين يتم تحميلها بأكثر من تكلفة غير مباشرة، بداية من عمليات الطرح للمناقصات العالمية، ومرورا بتكاليف الاستيراد والشحن والتخزين، وصولا إلى المستهلك النهائي، وفى بعض الأحيان لا تناسب هذه السلع احتياجات المستهلك، وأبرز ثغرات الدعم العينى أننا نلزم المواطن بسلع غير مناسبة لسلوكه الإنفاقي، لا سيما أن استهلاك أهل الحضر يختلف عن الريف والصعيد وغيره».
وأضاف: أيضا هناك تشوّهات أخرى بالمنظومة الحالية، منها وجود نظير أغلب السلع المدعمة بالسوق الحر، وبالتالى تنتشر حالات تسرب بالسوق السوداء بما يعمل على خلق حالة احتكارية أحيانا مثلما حدث مسبقا فى أزمة السكر، وهو ما يعنى أنه يتم تحميل الموازنة العامة للدولة أعباء غير مباشرة ولا يستفيد منها المواطن، وتتحول جهود الدولة فى مواجهة التضخم إلى خلق حالة احتكارية نتيجة لتسريب السلع المدعمة وحجبها عن التداول أحيانا لخلق منفعة خاصة من خلال مضاربات غير مشروعة.
«د. محمد»، أوضح أن «الدعم النقدى يمنح مستحق الدعم كرامة فيستطيع شراء السلع التى تناسبه دون قيود، ولضمان نجاح التطبيق لا بد من توافر بنية رقمية فى الأساس، وبالفعل هناك تحسن قوى فى هذا الاتجاه خاصة أن الاستفادة الوحيدة من أزمة كورونا وفترة الإغلاق تمثلت فى إسراع الدولة نحو تطبيق الشمول المالى والتحول الرقمى، فأغلب المواطنين لديهم وسائل متنوعة للتحول الرقمي، وبالتالى آلية التطبيق الإلكترونية متاحة للمواطنين، فهناك كارت المعاشات وكذلك بطاقة التموين الذكية، أو حتى استخدام كارت لأحد البنوك والمؤسسات المالية لتطبيق المنظومة».
«البهواشى»، أكد أن «الوقت مناسب للتحول إلى الدعم النقدى»، مرجعًا ذلك إلى موجة التضخم الحالية والتى تتطلب عدم إجبار المواطن على استلام سلع ليس بحاجة إليها، أيضا تأكيدات مجلس الوزراء أن قيمة الدعم لن تكون ثابتة بل سيتم ربطها بمعدلات التضخم صعودا وهبوطا مثلما يحدث فى عمليات تسعير المحروقات وإعادة النظر فيها كل ثلاثة أشهر، وبالتالى الحكومة تستهدف القيمة الشرائية لمستحقى الدعم وليس القيمة النقدية.
بدوره، أوضح الدكتور فخرى الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن «الحكومة بدأت خطتها للتحول نحو الدعم النقدى بالطاقة، فالدولة تدعم المحروقات بنحو 154,5 مليار جنيه، وللأسف هذا الدعم يستفيد به المقتدرون والأجانب الذين يعيشون على أرض مصر قبل الفقراء، وبالتالى الرشادة الاقتصادية تتطلب تحويل الدعم العينى (المحروقات) إلى دعم نقدى يوجه للفئات الأكثر احتياجا وفقا لدخولهم المتدنية، أيضا السلع التموينية والخبز يجرى التحاور بشأنها لكنها تتطلب المزيد من الوقت والدراسة المتأنية قبل تطبيقها».
«الفقى»، أكد أن «التحول إلى الدعم النقدى يتطلب التدقيق المستمر فى قاعدة البيانات فهناك مواليد جدد يجب إضافتهم فورا وكذلك وفيات يجب حذفهم، فالدعم السلعى والخبز يصل إلى 134 مليار جنيه وعندما يتحول إلى دعم نقدى يمكن فتح حسابات لمستحقى الدعم لوضع تلك الأموال بها بما يعزز الشمول المالي، لكن بالطبع تلك الأموال لا يتم استخدامها إلا فى شراء الخبز والسلع الغذائية، وبالطبع يجب تعويض مستحقى الدعم بزيادة مستحقاتهم حال زيادة الأسعار فى السوق الحر منعا لتآكل حقهم فى الدعم، وبالتالى الدعم النقدى لن يكون عبارة عن أموال سائلة بل هى عملات رقمية داخل الكارت الذى يحصل من خلاله المواطن على سلع وخبز».
كما شدد على أن «الدعم النقدى أكثر حوكمة من الدعم العينى لأنه يصل مباشرة إلى المستحق دون تصرف خارج المنظومة، بينما الدعم العينى تبين أنه يتسبب فى تسرب نحو 30 فى المائة من قيمته لغير المستحقين بما يمثل فسادا وإهدارا للمال العام»، مشيرًا إلى أن «آلية التحول وقيمة الدعم متروكة لإدارة الحوار الوطنى بالتنسيق مع الحكومة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه».
من جانبه، قال الدكتور جودة عبدالخالق، عضو مجلس أمناء الحوار الوطنى، ووزير التضامن والعدالة الاجتماعية الأسبق: المناقشات لم تبدأ بعد فى «الحوار الوطنى» بشأن الضوابط والضمانات المطلوبة للتحول الآمن من الدعم العينى إلى الدعم النقدي، ونظرا لكون تلك القضية حساسة لارتباطها بقوت الشعب فلا يجوز التسرع فى اتخاذ قرارات بشأنها، فلا ننكر أهمية الدعم النقدى فى إعطاء المواطن الأفضلية والحرية فى اقتناء السلعة التى يرغب فيها ولنضمن تحقيق ذلك، يجب تطبيق مجموعة من الشروط لضمان نجاح هذا التحول أهمها تحديد الفئات التى تستحق الدعم بشكل دقيق مع الوصول إلى قاعدة بيانات صحيحة، خاصة أن هناك أفرادًا يستحقون الدعم ولا يحصلون عليه، فى حين يوجد أشخاص لا يستحقون الدعم وعلى الرغم من ذلك فهم مسجلون بقاعدة البيانات، أيضا لا بدّ من وجود جهة مسئولة عن النظام الإلكترونى الجديد وبها مركز شكاوى ليضمن سرعة حل أى مشكلة لمستحقى الدعم، ويعد أهم شرط هو ضمان السيطرة على أسعار السلع وعدم زيادتها، فلا يمكن تثبيت الدعم فى ظل ارتفاع معدلات التضخم.
«د. جودة»، شدد على أن «تطبيق الدعم النقدى يجب أن يتم على مراحل لتلافى أى أخطاء أو عيوب، فلا يجوز التسرع فى التحول إلى الدعم النقدي، خاصة أنه إذا لم تكن هناك آلية لضبط الأسواق ومراقبة الأسعار فستكون هناك مخاطرة شديدة على الأمن الغذائى للمواطنين».