يدخل لبنان مرحلة جديدة من الأزمة السياسية المستمرة والتي لا يمكن فصلها عن الأزمة الاقتصادية والأمنية، ومن الواضح أن تشكيل الحكومة الجديدة بقيادة القاضي بالمحكمة الدولية، نواف سلام، سيكون اختباراً حقيقياً لإرادة القوى السياسية في تجاوز المصالح الضيقة لصالح المصالح العليا للبلاد.
من هو نواف سلام
يعد نواف سلام، قاضٍ ودبلوماسي لبناني بارز، عين من قبل الرئيس اللبناني جوزيف عون لتشكيل حكومة جديدة بعد أن حصل على دعم 84 نائباً في الاستشارات النيابية، وقد برز السيد سلام كمرشح توافقي لإنهاء حالة الجمود السياسي، خاصة بعد انسحاب النائب فؤاد مخزومي.
ينحدر السيد سلام من عائلة سياسية لبنانية مرموقة ويتمتع بخلفية أكاديمية، فقد حصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من باريس وماجستير في القانون من جامعة هارفارد.
وتجدر الإشارة إلى أنه شغل منصب رئيس محكمة العدل الدولية منذ فبراير 2024، كما شغل منصب سفير لبنان لدى الأمم المتحدة من 2007 إلى 2017.
ويُعرف عن سلام دعوته إلى إجراء إصلاحات ودعمه لفرض قيود على عمليات نقل الأسلحة إلى الدولة، وهو موقف جعله عرضة لمعارضة حزب الله وحلفائه في الماضي، ومع ذلك، فقد نجح هذه المرة في كسب دعم أحزاب المعارضة والمستقلين مما يعكس تغير الوضع السياسي في لبنان.
ويواجه سلام تحديات كبيرة، بما في ذلك الانقسامات السياسية العميقة والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، لكن يُنظر إليه كرجل يتمتع بعلاقات دولية وإقليمية قوية ولديه القدرة على تخفيف حدة الأزمة.
العقبات التي تواجه الحكومة الجديدة
ومع ذلك، تواجه عملية تشكيل حكومة جديدة، عقبات كبيرة من ضمنها: قضية سلاح حزب الله والضغوط الدولية والانقسامات الداخلية، فضلا عن الحرب المفتوحة بين الأطراف السياسية، ويأتي من بين ذلك رئيس الحكومة الجديد نواف سلام الذي خلق توافقاً مفاجئاً بين القوى السياسية المتباينة لكنه واجه صعوبات فور توليه منصبه، فقد أعلن عن نيته تشكيل حكومة ”فعالة وعادلة“.
فقد أعلنت كل من فصائل حزب الله مقاطعة المحادثات البرلمانية، في خطوة تعكس منحى التصعيد السياسي، بل يعكس عدم رضا حزب الله عن توجهات سلام، لا سيما إصراره على مسألة توسيع سيادة الدولة، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على سلاح حزب الله.
ماكرون.. والتدخل في الشؤون اللبنانية
ويعمل في الوقت الحالي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون، على إيجاد تسوية من شأنها تهدئة الأجواء وإعادة الثقة بين الأطراف اللبنانية من خلال الاتصالات الدبلوماسية المكثفة، وذلك من خلال ماكرون إلى لبنان المقررة يوم الجمعة المقبل في إطار جهود دولية لإنقاذ لبنان من الانهيار التام.
عاد سلاح حزب الله مرة أخرى إلى قلب النقاش السياسي في لبنان بعد انتخاب جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، وفي خطاب تنصيبه الرئاسي، دعا عون إلى ”تقييد السلاح ضد الدولة“ و”التطبيق الكامل للقرار الدولي 1701“، وذلك تزامن مع تصريحاته مع تحرك غير مسبوق للجيش اللبناني لمداهمة مستودع أسلحة لحزب الله في منطقة العمروشية جنوب بيروت.
فقد أصبح تطبيق القرار الأممي 1701 وتثبيت وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل محور الاهتمام الوطني والإقليمي، ما أدى إلى تصعيد سياسي وأمني معقد، فقد دعا سلام إلى وقف إطلاق النار الكامل والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، وتعهد بالعمل مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) لتطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 1701 الذي يفرض مسؤولية الحفاظ على الاستقرار على الحكومة اللبنانية.
وعلى الرغم من هذا الالتزام، هناك تحديات كبيرة حول ما إذا كانت الحكومة الجديدة قادرة على تحقيق ذلك في ظل المناخ السياسي القاتم والقائم على تعدد الطوائف والانقسامات الداخلية.
الجانب الإسرائيلي بالداخل اللبناني
وعلى الصعيد الأمني، تتواصل الانتهاكات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار، ووفقًا لتقارير إعلامية، فقد اجتاحت القوات الإسرائيلية مناطق حدودية مثل مارون الراس وعيتا الشعب ، في حين قامت قوات الاحتلال بعمليات تجريف وقصف مكثفة على مواقع يعتقد أنها تابعة لحزب الله.
ووفقًا للجيش الإسرائيلي، فإن هذه العمليات تهدف إلى منع حزب الله من إعادة التسلح وتعطيل تهريب الأسلحة عبر الطرق الحدودية، وكما تصاعدت المخاوف مع قيام الطائرات الإسرائيلية بشن غارات جوية على مواقع لبنانية، في الوقت الذي لم تلتزم فيه إسرائيل بوقف إطلاق النار منذ إعلان وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر.