بعد نهاية حرب استمرت لمدة تقارب الخمسة عشر شهرا، وفي لحظة فارقة من تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، برزت مصر مرة أخرى بدور محوري في تحقيق الهدوء والاستقرار في الشرق الأوسط، فبعد 15 شهراً من التصعيد المستمر، أعلنت القاهرة عن نجاحها في إبرام اتفاق تاريخي لوقف إطلاق النار بين غزة وإسرائيل، ويعكس هذا الإنجاز الدبلوماسي دور مصر المهم في المنطقة ويؤكد من جديد على مكانتها كوسيط نزيه وفعال، يسعى دائماً إلى تخفيف معاناة الشعوب وحماية حقوقها، وفي ظل التصعيد الذي أودى بحياة الآلاف من المدنيين وأغلق باب الأمل في قطاع غزة المحاصر، فإن وقف إطلاق النار هذا يبعث على قدر من التفاؤل على إعادة إعمار غزة مرة أخرى واطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت مصادر مطلعة لـ”القاهرة الأخبارية“ إن الاتفاق يعد إنجازًا كبيرًا للوساطة المصرية، ومن المتوقع أن يصدر بيان مشترك يعلن وقف إطلاق النار خلال ساعات من الأن، وتكمن أهمية الاتفاق في توقيته الحساس في ظل استمرار التصعيد في قطاع غزة الذي يحصد أرواح آلاف المدنيين بينهم نساء وأطفال.
وكشفت القناة 12 الإسرائيلية أن الاتفاق يشمل إطلاق سراح نحو 1000 معتقل فلسطيني في المرحلة الأولى، فيما تخطط حماس للإفراج عن 33 معتقلاً إسرائيلياً في الأسابيع المقبلة.
ومن المتوقع أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ فور الإعلان عنه، مما يعطي بصيص أمل لآلاف العائلات الفلسطينية التي فقدت أبناءها أو التي تعيش تحت الحصار،
الجهود المصرية الدبلوماسية في حرب غزة
تعد الجهود المصرية جهود دبلوماسية متعددة الأوجه، فكان الدور المصري على رأس المفاوضات باعتباره العنصر الأهم في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، فاستمرت هذه الجهود 15 شهرًا، حيث قادت القاهرة عملية تفاوض مطولة اعتمدت على أساليب دبلوماسية مبتكرة.
فرضت مصر يدها الطولى في الضغط بكل الوسائل على حكومة الاحتلال الإسرائيلي، منها الدبلوماسية الدولية، التنسيق مع الدول الكبرى ووكالات الأمم المتحدة، فضلا عن العدالة الدولية.
وتصدرت مصر المشهد السياسي الأقليمي والعالمي، في توصيل الصورة الكلية لما يحدث في غزة من الانتهاكات الإسرائيلية ومحاسبة الاحتلال على الساحة الدولية، ومنها لجوئها إلى محكمة العدل الدولية بجانب جنوب أفريقيا في فبراير من العام الماضي، مع رفض سياسة التهجير القسري.
وساعدت بمصر بشتى الطرق دخول المساعدات الإنسانية إلى الجانب الفلسطيني، وذلك قبل أن تغلق إسرائيل كافة المعابر الحدودية أمام المساعدات الإنسانية.
وعلى الجانب الآخر، تمكنت القاهرة من فضح الأكاذيب الإسرائيلية على مستوى دولي، وذلك عقب تعنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي ومحاولاتها المستمرة للتأثير على الرأي العام الدولي من خلال نشر الشائعات حول الدور المصري.
وشدد أبو الفتوح على أن هذه الجهود المصرية جاءت في وقت حساس للغاية، حيث كانت تهدف إلى حماية حقوق الشعب الفلسطيني ومنع حرمانه من حقوقه بسبب مخططات الاحتلال.
وفي سياق آخر، كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن الدور الهام الذي لعبته مصر في تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس التي أفضت إلى اتفاق تبادل الأسرى التاريخي، وقد تم الإشادة بهذا الدور على نطاق واسع باعتباره نموذجًا للوساطة الفعالة في منطقة تزداد تعقيدًا سياسيًا وأمنيًا.
ووفقًا للصحف الإسرائيلية، تمكنت القاهرة من التغلب على العديد من العقبات التي كادت أن تعرقل الاتفاق، فقد استخدمت مصر خبرتها الممتدة لسنوات في إدارة الأزمات الإقليمية للتقريب بين الأطراف المتنازعة وتجاوز الخلافات العميقة.
محمد مرعي: المقترح المصري للهدنة الحالية هو ذاته المطروح منذ يوليو الماضي
قال الدكتور محمد مرعي، باحث بالمركز المصري للدراسات، إن الاتفاق في غزة يختلف تماما من حيث البنود وفترة وقف اطلاق النار عن ما حدث في لبنان وذلك لان الاتفاق الحالي مكون من ثلاث مراحل المرحلة الاول والتي لايستطيع نتنياهو ووزراء تجاوز ما تم الاتفاق عليه، وذلك بسبب ان الضامن لهذه الاتفاقية هي الادارة الامريكية الجديدة التي تريد وقف تلك الحرب وتبادل الاسرى فضلا عن مصر وقطر.
واضاف مرعي في تصريح خاص لبوابة دار الهلال، انه وطبقا لما هو وارد في بنود وقف اطلاق النار، بعد تبادل الاسرى ووقف الحرب في القطاع، ان يتصدر ملف اعمار البنية التحتية لقطاع غزة، بدلا من استمرار الحرب.
واشار مرعي في نقطة غاية في الاهمية، ان بنود اتفاق وقف اطلاق النار الحالي الذي تم الاتفاق عليه هو في الاصل الذي وضعته مصر في مايو من العام الماضي، والذي تسلمه بايدن في ٢٠ يوليو، ولكن ادارة بايدن لم تمارس الضغط السياسي المطلوب على نتنياهو لقبوله، وان التغير الوحيد حاليا هو وجود ادارة امريكية جديدة تحت اشراف ترامب والذي قد تعهد في حملته الانتخابية لوقف الحرب على غزة واطلاق سراح الرهائن.
واختتم مرعي بقوله: انه في الاشهر الماضية تسربت انباء عن فشل نهائي للمفاوضات بين الاطراف المعنية ولكن مصر هي من تصدرت المشهد مرة اخرى وأحيت المفاوضات بعد ان فشلت لأكثر من مرة.
حسن سلامة: سبب وقف الحرب هو موافقة بن غفير على إطلاق سراح الرهائن بشرط استئناف الحرب لاحقًا
قال الدكتور حسن سلامة، استاذ العلوم السياسية، إنه ومن حيث المبدأ مصر دائما ما كانت ترحب بأي اتفاق يحقن فيه دماء الفلسطينيين، وان بخصوص الاتفاق سوف يتم اعلان ملامحه كاملة غدا بعد اجتماع الكابينت الاسرائيلي بعد الموافقة عليه رسميا.
واضاف سلامة في تصريح خاص لبوابة دار الهلال أنه وبالنسبة الى التوقعات في استدامة هذا الاتفاق لوقف اطلاق النار فإن الدليل الواقعي هو من الحروب السابقة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، فدائما ما كانت إسرائيل تنكس العهود سواء مع الدولة المصرية في حروبها او مع غيرها من الدول بالمنطقة، واكبر دليل على ذلك ما نشهده حاليا مع الجانب اللبناني من عدم تنفيذ اغلبية البنود المتفق عليها في الهدنة، حيث أن الجيش الاسرائيلي لم ينسحب الا من ثلاث بلدات فقط.
واشار سلامة الى نقطة مهمة وهي ان بن غفير قد وافق على المقترح ومرره لنتنياهو لاجل اطلاق سراح الرهائن ولكن بشروط اهمها هي الاستمرار بالحرب مرة اخرى
وأوضح سلامة أن وزير الخارجية الاسرائيلي تحدث عن أن إسرائيل لن تسمح باقامة دولة فلسطينية وانه في حالة اقامة الدولة هذا يعني ان حماس هي من ستحكم تلك الدولة.
واستطرد: أن فكرة الانسحابات الاسرائيلية التي ذكرت في بنود الاتفاقية لن تكتمل لان هناك اقاويل عن ان إسرائيل تريد الاحتفاظ بحوالي ٧٠٠ متر بداخل رفح الفلسطينية لتأمين حدودها.
واكمل: انه واذا كانت ادارة بايدن قد قدمت دعما غير مشروط للادارة الاسرائيلية لاستمرار حربها مع غزة، وأن ذلك سوف يكون واكثر مع ادارة ترامب المقبلة.
وتحدث سلامة في سياق آخر عن دور مصر في تلك الهدنة وان دورها غير قابل ابدا للمزايدة من اي طرف من الاطراف الفاعلة في الاتفاق، فضلا عن خبرة ونزاهة المفاوض المصري في تلك القضايا الحاسمة، وان الوساطة المصرية لا يمكن استبدالها، هذا وفضلا عن ان دور مصر التاريخي كبير في هذا ملف وان مصر دائما ما كانت تقدم العون الاقتصادي والاغاثي والعسكري.
أستاذ علاقات دولية: وقف إطلاق النار مؤقت بانتظار عودة ترامب للبيت الأبيض
وفي هذا السياق، قال الدكتور محمد عبد العظيم الشيمي، استاذ العلاقات الدولية، ان مصر قد لعبت دورا كبير في تلك الهدنة التاريخية، وذلك كان بسبب الضغط المستمر من الدولة المصرية خلال الاشهر السابقة القليلة، واهمها الهدنة التي شاركت مصر في تنفيذها بالقطاع من ٨ أشهر سابقة.
واضاف الشيمي في تصريح خاص لبوابة دار الهلال، ان الاوضاع بغزة هذه المرة، اختلفت كثيرا مع الضغط الامريكي على الجانب الاسرائيلي، خاصة وأن المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الامريكية تعلم خطورة هذه المرحلة الفارقة في مستقبل المنطقة.
واشار أن تبني رؤية الدولة المصرية هذه المرة من قبل الاطراف المعنية كان جليا، وهي اهمها ان لا تكون الهدنة مؤقتة هذه المرة كسابقتها، بل لأجل أن تكون هناك تبادل للأسرى وفضلا عن النجاح لأول مرة في تغيير وجهة نظر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في اشراك حماس في الاتفاقية وأن يكون لها دور فعال في الاتفاقية، وذلك على عكس المحاولات السابقة من تهميش دور حماس في الاتفاقيات.
واختتم الشيمي حديثه: بأنه من المتوقع ان وقف اطلاق النار ، سوف يكون مؤقتا لحين تولي ترامب الادارة الامريكية رسميا، وخاصة مع الضغوط الدولية على الولايات المتحدة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المنطقة لإعادة الاستقرار بالمنطقة، وان إسرائيل لن تتوانى ابدا عن مخططاتها في اقتطاع أجزاء من سوريا ولبنان وفلسطين، ضمن مشروعها الكبير لتقسيم الشرق الاوسط.
نهى بكر: استمرارية وقف إطلاق النار تعتمد على متغيرات سياسية دولية
قالت الدكتورة نهى بكر، استاذ العلوم السياسية، ان مصر استطاعت التوصل الى اتفاقية تاريخية لوقف اطلاق النار، لمجموعة من الاسباب، برزت فيها مصر عن غيرها من الدول الاخرى.
واضافت نهى في تصريح خاص لبوابة دار الهلال، أن ثقة الولايات النابعة في مصر نابعة من وسيط شريف يسعى دائما للوصول الى لحل الازمات لاستدامة الاستقرار في المنطقة، فضلا عن قدرة مصر في تيسير الامور والتأثير على كافة الفصائل الفلسطينية، وذلك بسبب خبرتها الواسعة في ادارة ذلك الملف منذ عقود.
واختتمت حديثها ان مصر ليس اللعب الوحيد في وقف اطلاق النار الحالي من حيث استمراريته الى اطول فترة ممكنه، اذ ان ذلك راجع للمتغيرات السياسية التي تدور في المنطقة، واللعب الاساسي فيها هي الولايات المتحدة وتعتمد طول فترة وقف اطلاق النار على ادارة ترامب القادمة من الضغط على الادارة الاسرائيلية من عدمه