جائزة «نوبل»، هي أشهر الجوائز العالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب نيل الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر ويحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.
ومع قسم الثقافة ببوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901م، في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.
نلتقى اليوم مع الأديب الإسباني «كاميلو خوسيه ثيلا»
الميلاد والطفولة
وُلد الأديب الإسباني كاميلو خوسيه ثيلا في قرية آيريا فلافيا التابعة لبلدية بادرون في مقاطعة لا كورونيا بغاليسيا في 11 مايو 1916، و كان الابن الأكبر بين تسعة أطفال، كان والده، كاميليو ثيلا أي فيرنانديز، غاليسيًا من مجموعة «الجلالقة»، و كانت والدته «كاميليا إمانويلا ترولوك أي بيرتوريني»، ذات أصول إنجليزية وإيطالية بالإضافة إلى كونها غاليسية، كانت العائلة من الطبقة المتوسطة العليا، و وصف «ثيلا» طفولته بأنها كانت «سعيدةً جدًا لدرجة أنه لم يرغب في أن يكبر».
من المرض إلى الكتابة
عاش «خوسيه ثيلا» مع عائلته في «فيغو» منذ عام 1921 وحتى عام 1925، حين انتقلوا إلى مدريد، فدرس ثيلا في مدرسة بياريست،و في عام 1931، شُخصت إصابته بمرض السل ودخل إلى منشأة سانتاريوم الطبية في غواداراما، حيث استغل وقت فراغه من أجل كتابة روايته التي حملت عنوان جناح الاستراحة بابيليون دي ريبوسو»، وبدأ في أثناء تعافيه من المرض بقراءة مكثفة لأعمال «خوسيه أورتيغا أي غاسيت» وأنطونيو دي سولي أي ريبادينيرا».
من نصرة الحرب إلى انتقادها
كان الأديب «خوسيه ثيلا» بعمر 20 سنة، حين دارت رحى الحرب الأهلية الإسبانية في عام 1936م، وكان يتعافى من مرضه، وكانت ميوله السياسية محافظة وهرب إلى منطقة التمرد، وتطوع بصفته جنديًا لكنه جُرح ونُقل إلى المستشفى في لوغرونيو، وحارب «خوسيه ثيلا» إلى جانب الجنرال والديكتاتور الإسباني فرانثيسكو فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية، ولكنه أصبح أحد منتقديه فيما بعد.
الرحلة الأدبية
انتهت الحرب الأهلية الإسبانية في عام 1939م، وأظهر «خوسيه ثيلا» ترددًا نحو دراسته الجامعية، وانتهى به الأمر يعمل في مكتب للصناعات النسيجية، وحينذاك بدأ يكتب ما أصبح لاحقًا روايته الأولى التي حملت عنوان «عائلة باسكوال دوارتي»، التي نُشرت حين كان عمره 26 سنة، في عام 1942م وتعرف بأنها أشهر مؤلفاته.
ويقدم «خوسيه ثيلا» بطل روايته «باسكوال دوارتي» يعاني من مشكلة في قيمة الأخلاقيات التقليدية وارتكب العديد من الجرائم، بما فيها جرائم قتل، لم يشعر حيالها بأي شيء، إنه في هذا الجزء يشبه مورسولت في رواية « الغريب» لألبير كامو،و هذه الرواية مهمة أيضًا لأنها شكلت جزءًا كبيرًا في تحديد اتجاه الرواية الإسبانية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
«خلية النحل» ممنوعة من النشر
وأصبح كاميلو خوسيه ثيلا مراقبًا في إسبانيا الفرانكوية في عام 1943م ربما من سخرية القدر أن أشهر رواياته التي ألفها كانت خلال الفترة التي خضعت فيها كتاباته نفسها للتدقيق من قبل زملائه المراقبين، بما في ذلك روايته «خلية النحل» التي نُشرت في بوينس آيريس في عام 1951م، ومُنعت من النشر في إسبانيا.
وتقدم رواية «خلية النحل» أكثر من 300 شخصية، وهي نموذج يوضح تأثير الواقعية الإسبانية، التي مثلها أفضل تمثيل «ميغيل دي ثيربانتس وبينيتو بيريث غالدوس» والكتّاب المعاصرين الذين يكتبون باللغتين الإنجليزية والفرنسية، مثل جويس وباسوس وسارتر، وتلخص أسلوبُ خوسيه ثيلا، وهو شكل تهكمي وغريب من الواقعية، خاصة في روايته «خلية النحل».
وبعد نشر رواية «سان كاميلو» 1936، منذ أواخر ستينيات القرن العشرين، أصبحت مؤلفات خوسيه ثيلا تجريبية بشكل متزايد، و كتب في عام 1988م، رواية «المسيح مقابل أريزونا»، التي تروي قصة النزاع المسلح في «أو كيه كورال» في جملة واحدة معبّرة أكثر من مئات الصفحات.
ومن مؤلفات المترجمة للعربية لخوسيه ثيلا روايات.. «عائلة باسكوال دوارتي»، 1942م، «لحن ماثوركا على ميتين»، «مقهى الفنانين»، «خلية النحل»، «رحلة إلى القرية»، «سحب عابرة».
نوبل وجوائز أخرى مهمة
حصل كاميلو خوسيه ثيلا على جائزة أمير أستورياس للآداب عام 1987م، وبعدها حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1989م، وجاء في تقرير لجنة الجائزة «من أجل نثر ثري ومكثف، والذي بتعاطف مقيد يشكل رؤية صعبة لضعف الإنسان».
كما حصل كاميلو خوسيه ثيلا على جائزة ثيربانتس عام 1995م وهي جائزة ميجيل دي ثيربانتس للآداب باللغة الإسبانية والمعروفة أيضًا باسم أو جائزة ميجيل دي ثيربانتس، وهي هي أكبر جائزة أدبية تمنح سنويًا من قبل وزارة الثقافة الإسبانية وبناءً على اقتراحات رابطة أكاديميات اللغة الإسبانية في البلدان الناطقة باللغة الإسبانية، تصفها الموسوعة البريطانية بأنها الجائزة المرموقة والأكثر مكافأة التي تُمنح لأدب اللغة الإسبانية.
ورحل الروائي الأديب بمدينة مدريد في مثل هذا اليوم 17 يناير 2002 عن عمر ناهز 85 عاما، بسبب مرض قلبي وعائي وبقى أثره الأدبي باق للبشرية وفي تاريخ الأدب والفكر في العالم.
كاميلو خوسيه شيلا .. في اليمين عام 1988م