الثلاثاء 21 يناير 2025

ثقافة

ينشر 3 صباحًا.....نجوم المسرح المصرى| نجيب الريحاني.. «الضاحك الباكي.. زعيم المسرح الفكاهي»

  • 21-1-2025 | 03:39

نجيب الريحاني

طباعة
  • همت مصطفى

يزخر تاريخنا الثقافي والفني بنجوم مضيئة، عاشت تتلألأ في حياتنا، من مؤلفين وممثلين ومخرجين، ونجومًا خلف الستار، أضافوا الكثير بالتزامهم وإخلاصهم و مواهبهم وإبداعهم في مسيرة المسرح المصري والعربي، و أسعدوا الجمهور بكل ما قدموا، تركوا إرثًا فنيًا في الحركة الفنية المصرية وحفروا أسماءهم في عالم الإبداع بما قدموه  بعروض مسرحنا المصري.

 ومع بوابة «دار الهلال» نواصل تسليط الضوء يوميًا على رحلة أحد صناع رحلة المسرح المصري على الخشبة، ومن عالم الكواليس، وخلف الستار، ومن المؤلفين والمخرجين،والمشاركين في خلق العرض، و لنسافر معه من خلال سطورنا تحت عنوان «نجوم المسرح المصري».

ونلتقي اليوم مع  رائد البهجة ونجيب الفن ..«الضاحك الباكي.. نجيب الريحاني».

 نجمنا اليوم هو أحد رواد الفن العربي، كانت خطوات رحلته الفنية تمثل علامات فارقة في  الدراما المصرية والعربية في القرن الماضي؛ فأصبح واحدًا من  أبرز رواد فن المسرح والسينما، عامة والكوميديا خاصة، وسيبقى في ذاكرة الجمهور ووجدانه ذاك النجم الذي تفرد في نهجه ومدرسته الفنية،  بعدما أسس فرقته الخاصة به، والتي  كانت جزءًا مهمًا من تاريخ المسرح المصري وسار على خطاه الكثيرين من بعده من كبار نجوم  الفن، هو  رائد البهجة.. «الضاحك الباكي.. نجيب الريحاني».

وسيظل «الريحاني» أحد رواد الفن العربي.. فنان يعشقه الجمهور المصري والعربي، لما له من علامات فارقة في الفن خلال القرن الماضي، ويعد واحدًا من أبرز رواد فن الكوميديا، وهو مؤسس فرقة مهمتها الأولى والأساسية الكوميديا وصناعة الضحكة والفرح في قلوب عشاقه.

الموهوب من الطفولة

ولد نجيب الريحاني في 21 يناير عام 1889، لأب عراقي كلداني من مدينة الموصل، مسيحي اسمه إلياس ريحانة،  كان يعمل بتجارة الخيل، واستقر في القاهرة، وتزوج من سيدة مصرية قبطية، ونشأ «الريحاني» في حي باب الشعرية بين الطبقة الشعبة البسيطة.

التحق «الريحاني» بمدرسة الخرنفش ثم الفرير، وظهرت فيها ملامح موهبته ببداية الرحلة، وأتقن اللغتين العربية والفرنسية، وانضمَّ إلى فريق التمثيل المدرسيّ، واشتهر بين أساتذته حينذاك بقُدرته على إلقاء الشعر العربي بتميز، حيث كان الريحاني من أشد المُعجبين بشعراء العرب الكبار، منهم المُتنبي وأبو العلاء المعرِّي، كما أحب الأعمال الأدبيَّة والمسرحيَّة الفرنسيَّة.

حصل «الريحاني» على شهادة البكالوريا، واشتغل بعدها كاتبًا في أحد البنوك، ثم تركه لييبدأ رحلته الفنية، وعمل بفرقة  «أحمد الشامي» التي كانت تتجول في الأقاليم وخاصة الأرياف.

فنان التراجيديا

التحق«الريحاني»  بفرقة جورج أبيض فيالبداية ليقدم أدوار التراجيديا، ولكنه لم يستمر كثيرًا فيها، ثم التحق بالعمل في البنك الزراعي، وتعرف على الفنان القدير عزيز عيد واشتغلا معًا كومبارس في بعض الفرق الأجنبية التي كانت تمثل روايات اجتماعية، وتاريخية على مسرح الأوبرا ثم التحق الاثنان بفرقة  «عكاشة»، ظهرت مواهب «الريحاني» في هذه الفرقة كممثل كوميدي بوضوح، خاصة في الفصول القصيرة التي كان يقدمها بين فصول المسرحيات الطويلة.

بصمة فارقة  تاريخ المسرح والسينما 

وخلال مسيرة فنية «الريحاني» امتدت على مدار 30 عامًا، ترك فيها ، بصمة فارقة في تاريخ المسرح والسينما العربية، من خلال أعمال جمعت بين الفكاهة والدراما، والتي عكست بدورها ملامح الحقبة التي عاش فيها، لتمنحه بجدارة لقبي «زعيم المسرح الفكاهي،  والضاحك الباكي» والذي أصبح يجذب انتباه المؤلفين لإنتاج عمل تلفزيوني يحمل هذا الاسم، و بدأ إنتاج «الريحاني» المسرحي من خلال أعمال مسرحية بسيطة قدمها في الملاهي الليلية بداية من شخصية كشكش بك، ليسطع نجمه فيما بعد، بينما لم يتجاوز إنتاجه السينمائي عشرة أفلام، إلا أنه استطاع أن يخلد اسمه على المستوى الفني والجماهيري، واستطاع أن يُسلط الضوء على الأوضاع الاقتصادية الصعبة للبلاد من خلال أسلوب فني ساخر.

 الثنائي الفني نجيب وبديع

تطور فن «الريحاني» وتراجعت شخصية «كشكش بيه» التي صارت نموذجًا باليًا، ورمزًا للنظام الاجتماعي القديم، لتبدأ معها مرحلة التقلص التدريجي للمساحة المخصصة للرقص والغناء في مسرحياته لصالح الكوميديا الناضجة المتماسكة،  وعلى الرغم من رصيده المسرحي الكبير، إلا أنه لم تسجل أي من هذه المسرحيات، إلا أن السينما خلدته، لكنه لم يرقى لإنتاجه المسرحي الهائل، وكانت معظم مسرحياته تعالج مشكلات المجتمع من خلال فكاهة راقية.

وجاء تأسيس «فرقة لريحاني» بعد بدايته الفنية مع صديقه محمد سعيد، الذي عرض عليه تكوين فرقة مسرحية لتقديم الاسكتشات المسرحية الخفيفة، مسرحيات الفصل الواحد، لجماهير الملاهي الليلية. وكان يتم عرضها بين فواصل المسرحية الرئيسية لتسلية الجمهور وقت الاستراحة،  حتى أسس فرقته المسرحية التي عمل بها مؤلفًا ومخرجًا مسرحيًا وبطلًا لها قبل أن يتحول إلى كاتب ومخرج وممثل سينمائي، أيضًا فيما بعد، عند ظهور السينما.

وقام «الريحاني» بتأليف 33 مسرحية، أخرجها وقام ببطولتها جميعًا،  استشعر منذ اللحظة الأولى إلى حاجته الملحة إلى الاستعانة بشاعر عامية شهير، فاستعان بعدها بالشاعر الأشهر في عصره بديع خيري، صديق عمره وتوأمه الفني، حيث شكلا أهم دعائم المسرح الكوميدي، وكان  بديع خيري يقوم بمراجعة جمل الحوار في مسرحيات«الريحاني»، ومن ثم يقوم باختصار جمل الحوار المطولة إلى جمل أقصر وتطويع جمل الحوار الأقرب إلى الفصحى إلى عامية البسطاء،  وقبل ذلك، قام «الريحاني» بكتابة أربعة مسرحيات قبل وجود «خيري».

مسرحيات  نجيب الفن.. رائد البهجة

قدم نجيب الريحاني مع صديق عُمره بديع خيري، بفرقتهما المسرحية في أواخر العقد الثاني من القرن الماضي، الكثير من المسرحيَات الكوميدية الفرنسية باللغة العربيَة، وعُرضت على مختلف خشبات المسارح في مصر وبلدان كثيرة من دول الوطن العربي، ومن مسرحيات  الريحاني

أوبريت «العشرة الطيبة» أوبريت من إنتاج الريحاني من تلحين سيد درويش، وتأليف محمد تيمور، وتم تقديمه خلال ثورة 1919م، وفي عام 1924 أوبريتات «الفلوس،  لو كنت ملك، مجلس الأنس» من إخراجه  على مسرح برنتانيا.

 و«قنصل الوز» 1925، وهو أوپريت فرنسي باسم الليل والنهار من ترجمة أمين صدقي،  وأيضًا «مراتي في الجهادية» وهو  أوپريت فرنسي أيضًا، من ترجمة أمين صدقي، وتم تقديمهما على مسرح دار التمثيل العربي.

واستعراضات فرنكو عربي 1927 وهي «ليلة جنان»، «مملكة الحب»، «الحظوظ»، كما قدم في العام نفسه..«عشان بوسة» تأليف الريحاني وبديع خيري، وحققت نجاحًا عظيمًا، و1928مسرحيتي «آه من النسوان، ابقى اغمزني» عروض فارسية 
 وقدمت فرقة  «الريحاني».. عروض «ياسمينة» 1928، و«نجمة الصبح»، «اتبحبح» 1929 م، وهي هزليات غنائية استعراضية، بطلها كشكش بك، وقد حقق العرض الأول نجاحًا عظيمًا، وأثنى عليها النقاد نظرًا لتعاون الريحاني مع بديعة مصابني، ولروعة ملابسها وتصاميمها
.

الجنيه المصري 1931، «الدنيا لما تضحك» من تأليف الثنائي الفني بديع خيري والريحاني، «الرجالة مايعرفوش يكدبوا» 1934م

 وعرض «المحفظة يا مدام» 1935، «الدلوعة» 1939 لعب «الريحاني» دور «أنور» الموظف الصغير في مواجهة فتاة ثرية رعناء أفسدها التدليل، وهي من تأليف كل من الريحاني وخيري.

و قدمت فرقة «الريحاني»  مسرحية «حسن ومرقص وكوهين» 1945م  ثم تحولت إلى عمل سينمائي يحمل الاسم  نفسه في عام 1954، و«ياما كان في نفسي»، «الدنيا على كف عفريت» 1946م، الستات ميعرفوش يكدبوا، «حكاية كل يوم»، ومسرحية «إلاخمسة» 1943، و تم عرضها بالتلفزيون عام 1963 من تأليف الثنائي الريحاني وبديع خيري.

ومن مسرحيات «الريحاني» الأخرى.. « تعاليلي يا بطة، بكرة في المشمش، خلي بالك من إبليس، ريا وسكينة، ضربة مقرعة،  ليلة الزفاف، الابن الخارق للطبيعة، شارلمان الأول، كشكش بيه وشيخ الغفر زعرب،  كشكش بك في باريس، وصية كشكش بك، عشان سواد عينيها، حمار وحلاوة، دقة بدقة، خلي بالك من إميلي، حكم قراقوش، قسمتي،  فيروز شاه، البرنسيس». 

رائد المسرح العربي.. «الريحاني» في السينما

أثر أسلوب نجيب الريحاني في التمثيل على العديد من الممثلين اللاحقين من بعده، أبرزهم فؤاد المهندس، الذي اعترف بتأثير أسلوب الريحاني عليه وعلى منهجه التمثيلي، كما كان له الفضل في تطوير المسرح والفن الكوميدي بالوطن العربي.

اتجه «الريحاني» بعد ذلك إلى السينما وله فيها عشرة أفلام، ونقل إفي بعضها شخصية «كشكش بك» في أفلامه» ومنهما.. «صاحب السعادة كشكش بك» 1931، «صاحب السعادة كشكش بك »1934.

وأفلام «الريحاني» الأخرى «ياقوت 1934، بسلامته عايز يتجوز 1936، سلامة في خير 1937، سي عمر 1941، لعبة الست، أحمر شفايف 1946، أبو حلموس 1947».

ويرى البعض، أن تجارب «الريحاني» السينمائية لم تنجح بنفس القدر الذي نجحت به مسرحياته، ولكن الفنان محمد صبحي، اقتبس مسرحيته «لعبة الست» مع الفنانة سيمون من فيلم «الريحاني» المتميز مع المتفردة تحية كاريوكا، إضافة إلى مسرحيته «غزل البنات»، المأخوذة من آخر أفلام «الريحاني» الذي يحمل الاسم نفسه.

 وشارك «الضاحك الباكي» نجيب الريحاني،  في ثلاثة أفلام صنفت في قائمة أفضل 100 فيلم بتاريخ السينما المصرية، منها آخر أفلامه «غزل البنات» 1949م من إخراج أنور وجدي.

رحــيل  وأثـر بــاق

أُصيب نجيب الريحاني في أواخر أيَّامه بِمرض التيفوئيد الذي أثَّر سلبًا على صحَّة رئتيه وقلبه، ورحل عن عالمنا في 8 يونيو عام 1949، في المُستشفى اليُوناني بحي العباسية بالقاهرة، بعد تصوير آخر أفلامه، وهو «غزل البنات»، وكان عمره 60 سنة، لكنه سيظل رمزا للفن باقيًا بأثره الخالد في مسيرة الفن المصري، أيقونة المسرح المصري ونجمًا في سماء الفن العربي، يضىء للجميع حتى نهاية العالم فهو نجيب الفن المصري والعربي.

الاكثر قراءة