الثلاثاء 4 فبراير 2025

عرب وعالم

"فورين بوليسي" تتساءل عن ماهية الضمانات الأمنية المطلوبة لأوكرانيا بعد حرب روسيا؟

  • 25-1-2025 | 13:02

الحرب الروسية الأوكرانية

طباعة
  • دار الهلال

ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الحديث عن الضمانات الأمنية لأوكرانيا تتردد بين الحين والآخر منذ تفكك الاتحاد السوفيتي أوائل تسعينيات القرن الماضي.

وقد عاد الحديث عن هذه الضمانات مع وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحل الصراع بين روسيا وأوكرانيا "في اليوم الأول" من ولايته، قبل أن يتم تعديل الموعد لاحقا إلى "المائة يوم" الأولى، التي بدأت بالفعل في 20 يناير الجاري.

وأشارت المجلة إلى أنه مع تعثر حلفاء أوكرانيا الغربيين في تنفيذ وعودهم السابقة بحماية كييف ضد المزيد من العدوان الروسي، فإن الأوكرانيين متشككون اليوم كما كانوا في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي.

ووفقا لمسؤول غربي كبير لم تكشف المجلة عن هويته، هناك نوعان من الضمانات الأمنية التي يمكن لدول حلف شمال الأطلسي (ناتو) أن تقدمها لأوكرانيا في سياق اتفاق سلام مع روسيا، يتمثل الأول في التزام أعضاء حلف الناتو بإرسال مساعدات اقتصادية وعسكرية كبيرة إلى كييف لسنوات بعد اتفاق وقف إطلاق النار، مع السماح لأوكرانيا في نهاية المطاف بالانضمام إلى الحلف.

ويتمثل النوع الثاني من الضمانات في تمديد الحماية التي يوفرها حلف شمال الأطلسي بموجب المادة الخامسة (التدخل العسكري) لتشمل أوكرانيا، ما من شأنه ردع روسيا عن أي غزو مستقبلي، وإن كان سيترتب على ذلك دخول حلف الناتو في صراع مباشر مع موسكو.

وسردت المجلة الأمريكية تاريخ المفاوضات بين الروس والأوكرانيين منذ عام 2014، واتفاق وقف إطلاق النار، (اتفاق مينسك الأول)، الذي لم يحدد سوى القليل فيما يتصل بالعواقب المترتبة على انتهاك الاتفاق، واتفاق مينسك الثاني في فبراير 2015 الذي لم يكن أفضل كثيرا من سابقه، وصولا للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي انتخب على أساس برنامج إحلال السلام في أوكرانيا، بنظيره الروسي في عام 2019، دون أن يتفاوض الجانبان بشكل صحيح مرة أخرى حتى الأيام والأسابيع التي أعقبت الغزو الروسي الكامل في عام 2022.

وأشارت المجلة إلى أن المفاوضين من الجانبين كانوا على مقربة من التوصل إلى اتفاق على العديد من الجبهات، حيث أسفرت المحادثات عما يسمى ببيان إسطنبول، الذي صيغ في فبراير 2022، وحصلت صحيفة نيويورك تايمز على نسخة منه، وتم فيه الاتفاق على أن تكون أوكرانيا دولة محايدة أي ممنوعة من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وخالية من القواعد العسكرية الأجنبية، وذات جيش محدود.

وفي المقابل، كان من المقرر أن تقدم القوى الأخرى ضمانات أمنية لأوكرانيا، وتلتزم بالتحرك إذا واجهت غزوا جديدا من روسيا. واتفق الجانبان على أن قائمة الضامنين المحتملين هذه يجب أن تشمل بريطانيا والصين والولايات المتحدة وفرنسا وروسيا نفسها. وتشير مسودة البيان إلى أن موسكو أرادت أيضا إضافة بيلاروسيا إلى قائمة الضامنين، في حين أرادت كييف تركيا.

ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن المفاوضات لم تسفر قط عن اتفاق، واستمرت الحرب. ومع اقتراب الصراع من عامه الثالث، عاد العديد من الجنرالات للحديث عن مراحل مبكرة من المفاوضات، ما يعد دليلا على أن الاتفاق كان ممكنا، لكن أوكرانيا وحلفائها رفضوه.

ودللت "فورين بوليسي" على ما ساقته بالإشارة إلى كتابات يسارية ظهرت في الأشهر الماضية تؤكد أن "القوى العالمية تعمل بنشاط على تقويض فرص التوصل إلى حل دبلوماسي لحرب روسيا"، وأن مشروع الاتفاق لم يتم التوقيع عليه أبدا لأن "الغرب غير مستعد لإنهاء الحرب". كما أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف نفسه في ديسمبر 2024، في مقابلة مع المذيع الأمريكي تاكر كارلسون، أن بيان إسطنبول "رفضه بوريس جونسون"، الذي كان رئيس وزراء المملكة المتحدة في ذلك الوقت.

غير أن سيرجي رادشينكو الأستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، نفى ذلك، وشدد على أن رئيس الوزراء البريطاني لم يفسد الاتفاق. وإن مدى جدية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن المحادثات لم تكن واضحة، حيث لم يكن واضحا ما يريده بوتين: هل يريد السيطرة على شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس الشرقية في أوكرانيا فحسب؟ أم هل يريد وضع أوكرانيا كدولة غير منحازة؟ أم هل يريد حقوق الناطقين بالروسية في أوكرانيا؟ أم هل يريد السيطرة على الحكومة في كييف؟

ويرى رادشينكو أن بوتين نفسه لا يعرف الإجابة على هذه الأسئلة.

وحول خطط السلام المحتملة مع تولي ترامب السلطة، رجحت "فورين بوليسي" أن يتولى الجنرال المتقاعد في الجيش الأمريكي كيث كيلوج مهمة وضع الأساس لاتفاق سلام في أوكرانيا.

وتتضمن خطة كيلوج، المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي، التي وضعها في مقال كتبه لمعهد "أمريكا أولا" للسياسات، في أبريل الماضي، أن يصبح السعي إلى وقف إطلاق النار والتسوية التفاوضية هو السياسة الأمريكية الرسمية، على أن تواصل واشنطن تسليح أوكرانيا وتعزيز دفاعاتها لضمان عدم إحراز روسيا المزيد من التقدم وألا تهاجم مرة أخرى بعد وقف إطلاق النار أو اتفاق السلام.

ويربط الجنرال الأمريكي المساعدات العسكرية الأمريكية المستقبلية لأوكرانيا بقبولها المشاركة في محادثات السلام مع روسيا، التي تحتاج هي الأخرى للإقناع. ولذلك، يرى أنه لإقناع بوتين بالانضمام إلى محادثات السلام، يجب على واشنطن ودول حلف شمال الأطلسي (ناتو) أن يعرضوا تأجيل فكرة عضوية أوكرانيا في الناتو لفترة طويلة مقابل اتفاق سلام شامل يمكن التحقق منه مع ضمانات أمنية.

ولكن كيلوج لم يوضح كيف ستبدو هذه الضمانات الأمنية.

ونبهت المجلة الأمريكية إلى أن دولا أخرى في حلف شمال الأطلسي بدأت في الحديث عن أفكار مماثلة. فعلى سبيل المثال، أكدت ميلاني جولي، وزيرة خارجية كندا، في منتدى هاليفاكس للأمن الدولي، في نوفمبر الماضي، أن التركيز الأساسي لحلف شمال الأطلسي يجب أن ينصب على منع روسيا من مجرد استخدام وقف إطلاق النار لإعادة بناء قوتها العسكرية، وأن سلسلة الاتفاقيات الأمنية الثنائية، التي تم توقيعها بين أوكرانيا وحلفائها، تعتبر رادعا فعالا، مع الوضع في الاعتبار انضمام أوكرانيا "في نهاية المطاف" إلى حلف الناتو.

واتفق وزير خارجية فنلندا مع هذا الطرح، حيث أكد أن عضوية حلف شمال الأطلسي قد تأتي "في وقت لاحق، ونأمل ألا تكون في المستقبل البعيد".

وقوبلت هذه التصريحات بانتقادات المشرعة الأوكرانية السابقة هانا هوبكو، قائلة: إن أي ورقة تتضمن اتفاقيات أمنية، لا يمكنها أن تمنع الغزو، ولن توفر الضمانات الأمنية المأمولة.

وأيد سيرجي رادشينكو الأستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، هذه المخاوف، مشددا على أن الالتزام العام بتقديم بعض الدعم العسكري لأوكرانيا، والنظر إلى المستقبل لا يمكن مقارنته بأي شيء مثل المادة الخامسة من معاهدة الناتو التي تنص على أن أي هجوم مسلح ضد إحدى الدول الأعضاء، يعتبر هجوما ضد جميع الأعضاء، ويجب على الأعضاء الآخرين مساعدة العضو المعتدى عليه حتى لو تطلب الأمر استخدام القوة المسلحة.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن المواقف والتصريحات السابقة تعيد أوكرانيا إلى نقطة البداية، حيث أصبح من المؤكد أن أي اتفاق سلام من شأنه أن يؤجل فكرة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي إلى أجل غير مسمى. وقد أغلق بدوره ترامب الباب أمام دعم الولايات المتحدة لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، حينما قال إنه يستطيع "فهم" مخاوف روسيا بشأن هذا الاحتمال.

ومع ذلك، فإن موسكو تواصل –وفقا للمجلة الأمريكية- استخدام اتفاق السلام المنتظر للاستيلاء على المزيد من الأراضي الأوكرانية. وقد ذهب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أبعد من ذلك في مقابلة أجريت معه قبل وقت قصير من حلول العام الجديد، حيث رفض كل جزء تقريبا من خطة كيلوج للسلام. وبات من غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب قد أعدت نفسها لهذا الموقف المستعصي أم لا.

وأخيرا، ومع تطلع ترامب إلى إنهاء هذه الحرب، وتلويحه بفرض مستويات عالية من الضرائب والتعريفات والعقوبات على أي شيء تبيعه روسيا للولايات المتحدة، والعديد من الدول الأخرى إذا لم يترك بوتين أمامه خيار آخر، فإن الجزء المهم الذي يجب على الإدارة الأمريكية استيعابه هو ماهية مطالب الروس وغايتهم النهائية.

الاكثر قراءة