كاتب مسرحي وقصص قصيرة، ويعتبر من أعظم الكُتاب على الإطلاق، أنتجت مسيرته كمؤلف مسرحي أربع مسرحيات كلاسيكية، وتحظى أفضل قصصه القصيرة بتقدير كبير من قبل الكتاب والنقاد، في مختلف دول العالم، وحب وإعجاب كبير من القراء، من مختلف الثقافات في العالم بأسره، كتب المئات من القصص القصيرة التي اعتبر الكثير منها إبداعات فنية كلاسيكية، كما أن مسرحياته كان لها تأثير عظيم على دراما القرن العشرين، إنه المسرحي سيد القصص الأديب العالمي الروسي و«سيد القصص.. أنطون تشيخوف»
الميلاد والنشأة
وُلد أنطون بافلوفيتش تشيخوف في 29 يناير 1860م، وهو الثالث من ستة أطفال بقوا على قيد الحياة في مدينة تاغانروغ، وهو ميناء على بحر آزوف في جنوب روسيا، كان والده بافل تشيخوف، ابن أحد العبيد السابقين ومدير بقالة، وعمل أيضًا مديرًا للجوقة وكان يعتنق المسيحية الأرثوذكسية الشرقية ويوصف بأنه كان أبًا تعسفيا، ونظر إليه بعض المؤرخين على أنه نموذج في النفاق في التعامل مع ابنه، أما والدة «تشيخوف»، فكانت راوية ممتازة في حكايتها الترفيهية للأطفال عن رحلاتها مع والدها تاجر القماش في جميع أنحاء روسيا، و يقول تشيخوف «حصلنا على مواهبنا من آبائنا» وتذكر أيضًا «أما الروح فأخذناها من أمهاتنا».
شارك «تشيخوف» في مدرسة يونانية للصبيان، بعد ذلك في تاج ونروج جمنازيوم، وتسمى حاليًا بـ «جمنازيوم تشيخوف» تشيخوف، حيث احتُجز في الأسفل لمدة عام بسبب فشله 15 مرة في امتحان اليونانية، واشتهر هناك بتعليقاته الساخرة ومزاجه وبراعته في إطلاق الألقاب الساخرة على الأساتذة، وكان يستمتع بالتمثيل في مسرح الهواة وأحيانًا كان يؤدي أدوارًا في عروض المسرح المحلي، و جرب يده آنئذ في كتابه «مواقف» قصيرة، وقصص هزلية فكهة، ومن المعروف أنه ألف في تلك السن أيضًا مسرحية طويلة اسمها «دون أب» لكنه تخلص منها فيما بعد.
كان «تشيخوف» عاشقًا للمسرح وللأدب مُنذ صغره، وحضر أول عرض مسرحي في حياته «أوبرا هيلين الجميلة» لباخ عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، ومنذ تلك اللحظة أضحى عاشقًا للمسرح، وكان ينفق كل مدخراته لحضور المسرحيات، وكان مقعدهُ المفضل في الخلف نظرًا لأن سعره أقل بمقدار 40 كوبيك فضيًّا، وكانت مدرسة الجيمنازيوم لا تسمح لطلابها بالذهاب إلى المسرح إلا بتصريح خاص من المدرسة، والذي لم يكن يصدر غالبًا بسهولة، وليس سوى في العطلات الأسبوعية فقط.
وغنى «تشيخوف» في دير الأرثوذكسية اليونانية في مسقط رأسه تاغانروغ وفي جوقات والده، في رسالة تعود للعام 1892، قام باستخدام كلمة «معاناة» لوصف طفولته، وأشار إلى: «عندما كنا أنا وإخوتي واقفون في وسط الكنيسة نغني «هل صلاتي تعالى» أو «صوت الملائكة»، كانت الناس تراقبنا بانفعال حاسدين والدينا، لكننا في تلك اللحظة شعرنا بأنه محكوم علينا بشكل قليل».
تشيخوف داعمًا ومساندًا لأسرته
في عام 1876، أعلن والد «تشيخوف» إفلاسه بعد إفراطه في الحصول على التمويل لكي يبني منزلًا جديدًا، وغادر إلى موسكو لكي يتجنب حبسه بسبب ديونه غير المدفوعة، حيث كان معه أكبر اثنين من أبنائه نيكولاي وألكسندر، كانا طالبين جامعيين، عاشت عائلته فقيرة في موسكو وكانت والدته مدمرة عاطفيًّا وجسديًّا؛ فلم يبق أمامه إلا بيع ممتلكات الأسرة وإنهاء تعليمه.
بقي «تشيخوف» في تاغانروغ لثلاث سنوات أخرى، وقام رجل يسمى سليفانوف مثل شخصية مسرحيته «لوباهين» في «بستان الكرز»، بمساعدة عائلة «تشخيوف» لسداد ديون كانت مخصصة لبناء منزلهم، اضطر«تشيخوف» إلى دفع تكاليف التعليم الخاصة به، حيث نجح في وظائف مثل معلم خصوصي وفي اصطياد وبيع طيور الحسون والرسومات التخطيطية للجرائد، وكان «تشيخوف» يرسل كل روبل يدخره لموسكو، جنبًا إلى جنب مع رسائل ممزوجة بروح الدعابة لرفع معنويات العائلة، وخلال هذا الوقت، قرأ «تشيخوف» على نطاق واسع وبشكل تحليلي، للعديد من الأدباء والفلاسفة الكبار منهم.. الروائي والكاتب والمسرحي الإسباني ثيربانتسو، والروائي الروسي إيفان تورغينيف، وإيفان جونتشاروف، والفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور.
وقال «تشيخوف» إنه كتب مسرحية كوميدية كاملة الطول تحمل عنوان «يتيم»، ونبذ شقيقه أليكسندر هذه المسرحية قائلًا: «لا يمكن تبريرها على الرغم من براءة هذا الاختلاق»، واستمتع «تشيخوف» بسلسلة من علاقات الحب كانت إحداهن مع زوجة معلم، وأتم «تشيخوف» في عام 1879، تعليمه وانضم لعائلته في موسكو، بعد قبوله في كلية الطب في جامعة موسكو.
أوائل كتابات «تشيخوف»
تولى «تشيخوف» مسؤولية دعم جميع أفراد الأسرة، ودفع الرسوم الدراسية عنهم، كان يكتب يوميًا مختصرا استكشافات فُكاهية ومقالات قصير من الحياة الروسية المُعاصرة تحت أسماء مستعارة مثل «رجل بلا طحال» إخراجاته المُذهلة بدأت تكسبه السُمعة الطيبة تدريجيًا بأنه مؤرخ ساخر من حياة الشارع الروسي، وبحلول عام 1882 كان يكتب «شظايا»، التي تعود مُلكيتها إلى نيقولاي ليكين، واحدة من الناشرين الكبار في ذلك الوقت» وكانت لهجة تشيخوف في هذه المرحلة أقسى مما هو مألوف.
بدأ«تشيخوف» الكتابة عندما كان طالبًا في كلية الطب في جامعة موسكو، ولم يترك الكتابة حتى أصبح من أعظم الأدباء، و تخرج «تشيخوف» كطبيب 1884، التي اعتبرها مهنته الرئيسية وأحرز القليل من المال من هذه الوظيفة وكان يُعالج الفُقراء مجانًا، واستمرّ أيضًا في مهنة الطب وكان يقول «إن الطب هو زوجتي والأدب عشيقتي».
نقطة تحول برحلة «تشيخوف»
في تلك السنة، أصيب«تشيخوف» بالإرهاق واعتلال الصحة، في رحلته إلى أوكرانيا التي أحيته بفضل جمال سهوب بحر قزوين. بعد عودته، بدأ بكتابة الرواية السهوب ذات الطول القصير «شيء غريب نوعًا ما وأصلي كثيرًا» ونشرت في نهاية المطاف في فيستنيك سيفيرني (هيرالد الشمالية)، و في سرد الرواية التي تستطرد مع عمليات التفكير من الشخصيات، يثير «تشيخوف» رحلة الكرسي عبر السهوب من خلال عيني طفل صغير أرسل للعيش بعيدًا عن المنزل، كانا رفيقاه الكاهن والتاجر. السهوب، التي تم تسميتها بـ «قاموس شعرية تشيخوف»، الذي شكل تقدماً كبيرًا لـ «تشيخوف»، وأظهرت قدر كبير من جودة تخيله الناضجة التي تسببت في نشر منشوراته في مجلة أدبية بدلًا من الصحيفة.
رحلة جزيرة سخالين
قام «تشيخوف» في عام 1890 برحلة شاقة بالقطار، وعن طريق عربة تجرها الخيول، و بباخرة إلى الشرق الأقصى قادمًا من روسيا وكاتورجا، أو «مُستعمرة العقوبات»، في جزيرة سخالين في شمال اليابان، حيث قضى ثلاثة أشهر فيها وقام بإجراء مقابلات مع الآلاف من المحكوم عليهم.
وتُعتبر رسائل «تشيخوف» التي كتبها خلال رحلته الممُتعة شهران ونصف الشهر إلى جزيرة سخالين من أفضل ما كُتب في حياته، و أصبحت تصريحاته لأخته عن تومسك شهيرة حيث كتب.. «تومسك هي مدينة مُملة جدًا. من الحكم على السُكارى الذين أجريت مقابلات معهم، والمثقفين من الناس الذين أتوا لتعزيتي في الفندق، السكان مملون جدًا جدًا».
مرض ومحاولة للاستقرار
تعرض«تشيخوف» إلى نزيف كبير في الرئتين بينما كان في زيارة لموسكو، وذلك في مارس 1897 م ، وتم إقناعه صعوبة لكي يذهب إلى العيادة، حيث قاموا الأطباء بتشخيص حالته وتبين لهم أنه مُصاب بمرض السل في الجزء العلوي من رئتيه، التي أدت إلى تغيير نمط حياته فيما بعد.
بعد وفاة والده في عام 1898، اشترى «تشيخوف» قطعة أرض في ضواحي مدينة «يالطا» بشبه جزيرة القرم، وبنى فيها فيلا، عندها انتقل مع والدته ومن ثُم شقيقته في العام التالي إليها، زرع فيها الأشجار والزهور في يالطا وحافظ على الكلاب واستقبل الضيوف مثل ليو تولستوي ومكسيم غوركي، كان يشعر دائمًا بارتياح عند تركه لسيبيريا الساخنة، من أجل السفر إلى موسكو أو إلى الخارج، وتعهد للانتقال إلى مسقط رأسه و بلدته تاغانروغ حالما يتمُّ تثبيت إمدادات المياه هناك، و في يالطا أكمل كتابة اثنتين من مسرحياته الفنية، الأخوات الثلاثة وبستان الكرز، في 25 مايو 1901 تزوج «تشيخوف» من أولغا كنيبر.
كان «تشيخوف» يكتب في البداية لتحقيق مكاسب مادية فقط، ولكن سرعان ما نمت طموحاته الفنية، وقام بابتكارات رسمية أثرت بدورها على تطوير القصة القصيرة الحديثة، وتتمثل أصالتها بالاستخدام المبتكر لتقنية تيار من شعور الإنسان، اعتمدها فيما بعد جيمس جويس والمحدثون، مجتمعة مع تنكر المعنوية النهائية لبنية القصة التقليدية، وصرح عن أنه لا للاعتذارات عن الصعوبات التي يتعرض لها القارئ، مصرًا على أن دور الفنان هو طرح الأسئلة وليس الرد عليها.
تعلم الكثير من كتّأب المسرحيات المعاصرين من «تشيخوف» كيفية استخدام المزاج العام للقصة والتفاصيل الدقيقة الظاهرة وتجمد الأحداث الخارجية في القصة، لإبراز النفسية الداخلية للشخصيات، وتُرجمت أعمال تشيخوف إلى لغات عديدة، عمل الكاتب الأوزبكي الشهير عبد الله قاهور«على ترجمة العديد من قصص تشيخوف إلى اللغة الأوزبكية، و تأثر «قاهور» بـ «تشيخوف» واعتبر هذا الكاتب المسرحي الروسي أستاذه.
تخلى«تشيخوف» عن المسرح بعد الاستقبال الأولي الفاتر لمسرحية النورس في عام 1896، ولكن تم إحياء المسرحية في عام 1898م من قبل قسطنطين ستانيسلافسكي في مسرح موسكو للفنون، التي أنتجت في وقت لاحق أيضًا العم فانيا لتشيخوف وعرضت آخر مسرحيَّتان له وكان ذلك لأول مرة، الأخوات الثلاث وبستان الكرز، وشكلت هذه الأعمال الأربعة تحديًا لفرقة العمل وكذلك للجماهير، تميز تشيخوف بـ«مزاجية المسرح» و اتسمت مؤلفاته بـ«الحياة المغمورة في النص».
مؤلفات «تشيخوف»
كتب «تشيخوف» للمسرح.. مسرحية «بدون عنوان» أو«بلاتونوف»1881، «الآثار الضارة للتبغ» 1886، «أغنية البجعة» عمل واحد، «إيفانوف» 1888، «الدب» كوميديا من فصل واحد 1888،«طلب الزواج؟» 1888/1889 «الممثل المأساوي دون قصد»، «الزفاف»، «غابة الشيطان» كوميديا من أربعة فصول 1889، «اليوبيل»1891، «نورس» 1896،«العم فانيا» 1897، «الأخوات الثلاث» 1901، «بستان الكرز» 1904.
ومسرحيات «تشيخوف» الكُبرى هي الأربعة.. «النورس، العم فانيا، الشقيقات الثلاث، بستان الكرز»، تمت إعادة إخراجهم في إنتاجات حديثة.
قصص تشيخوف
«وفاة موظف»، «السمين والنحيف» 1883؛ «المحار»، «الحرباء»، «قناع» 1884، «الصيادون»، «الرقيب بريبيشتشيف» 1885، «وجبة» 1886، «البداية» ، «حورية البحر»، «كاشتانكا» 1887، «السهوب» 1888، «المعرض رقم 6» عام 1892م.
«الراهب الأسود»، «كمان روتشيلد» 1894، «أمر آنا» 1895، «البيت مع ميزانين»1896، «موزهيكس» 1897، «رجل في الدرع» 1898، «السيدة صاحبة الكلب» 1899، «الكهنة» 1902، «خطيبتهُ» 1903م.
القصص القصيرة
«دراما في الصيد» 1884، «فانكار 1886، «إلى جدي العزيز،«سهل» 1888، «الرِهان» 1889؛ «مبارزة» 189، «ثلاث سنوات» 1895، «حياتي رسومات فكاهية» 1896، «حكايات مُزركشة»1886م.
«تشيخوف» قيمة فنية عالية
استطاع «تشيخوف»، من زمن بعيد، أن يجذب الانتباه على المستوى الأدبي والشعبي، وقام الكاتب الروسي الشهير دميتري غريغوروفتش، 64 عامًا، بالكتابة لـ «تشيخوف» بعد قراءة قصته القصيرة وهنتسمان»، «لديك موهبة حقيقية، موهبة تضعك في المرتبة الأولى بين الكُتاب في الجيل الجديد» في عام 1887، فازت مجموعة تشيخوف للقصص القصيرة «في الشفق»، بجائزة «بوشكين«تشيخوف» لأفضل إنتاج أدبي مُتميز بقيمة فنية عالية 1888م
وحصل «تشيخوف» على وسام القديس ستانيسلاوس من الدرجة الثالثة، و وسام القديس ستانيسلاوس .
رحيل سيد القصص والمسرحي العالمي
بحلول شهر مايو 1904، أصيب أنطون تشيخوف بمرض السل، وأشار ميخائيل تشيخوف إلى أن «جميع من رأوه شعروا بداخلهم أن نهايته ليست ببعيدة» وفي 3 يونيو انطلق مع أولغا باتجاه مدينة الحمامات الألمانية BADENWEILER، في الغابة السوداء، حيث كتب رسائل مرحة إلى شقيقته ماشا واصفًا المواد الغذائية والبيئة المحيطة، مؤكدًا لوالدته بأنه في تحسن مُستمر، وفي رسالته الأخيرة، شكى من طريقة لبس النساء الألمانيات.
أصبحت واحدة من «مجموعة من القطع الكبيرة من التاريخ الأدبي»، سرده، مطرزة، والخيال، وخاصة في مهمة القصة القصيرة التي كتبها كارفر رايموند في عام 1908، كتبت أولغا زوجة «تشيخوف» هذا الأمر من لحظات زوجها الماضي: قام «أنطون» بشكل غير اعتيادي ومستقيم وقال بصوتٍ عالٍ وبوضوح - مع أنه لم يكن يتقن اللغة الألمانية - Ich sterbe «أنا أموت»، فقام الطبيب بتهدئته وحقنه بمادة الكافور وأمر بإحضار الشمبانيا له، شرب أنطون تشيخوف كأسًا كاملًا منه ومن ثم ابتسم لي وقال: «لقد مضى زمن طويل منذ أن شربت الشمبانيا»، عندما شربه جلس على جانبه الأيسر بهدوء وكان لدي الوقت لأذهب إليه واستلقي بقربه وناديته، لكنه توقف عن التنفس وكان ينام بسلام وكأنه طفل».
ونقلت جثة «تشيخوف» إلى موسكو في سيارة السكك الحديدية المبردة، دُفن تشيخوف بجانب والده في مقبرة نوفوديفيتشي.