استضافت قاعة «المؤسسات»، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ندوة متميزة بعنوان «مصر واستراتيجيات الدفاع عن التراث والهوية الوطنية»، والتي شهدت حضور الدكتور عمر المعتز بالله، أستاذ تاريخ الفن المصري القديم بكلية الآثار جامعة القاهرة، وأدارتها الإعلامية هدى عبد العزيز.
افتتحت الإعلامية هدى عبد العزيز الجلسة بسؤال للدكتور عمر المعتز بالله حول مفهوم الأمان والحماية بالنسبة للإنسان، ومدى وجود قوانين محددة لحماية التراث.
وفي إجابته، أوضح الدكتور عمر المعتز بالله: «أن التراث هو الإرث الثقافي الذي نحمله من الماضي وننقله إلى الأجيال القادمة، مؤكداً أن الحفاظ عليه لا يقتصر فقط على التوثيق، بل يتطلب ممارسة دائمة لإبقائه حيًا».
وتطرق إلى فن التحطيب، مشيراً إلى أنه أحد أشكال التراث المصري الحي، حيث يُمارَس في صعيد مصر منذ آلاف السنين كفن قتالي واستعراضي، وهو ما يؤكد أن التراث إذا لم يكن جزءاً من الحياة اليومية، فسيكون من الصعب الحفاظ عليه.
وأكد الدكتور عمر المعتز بالله قائلًا : «أن مصر بذلت جهوداً كبيرة في توثيق التراث وحمايته، حيث قدّمت ملفاً إلى اليونسكو لإدراج التحطيب ضمن قائمة التراث غير المادي، ولكن في البداية، تم رفض الملف بسبب تقديمه تحت عنوان «التحطيب فن قتالي واستعراضي من مصر القديمة»، حيث لم يستوفِ الشروط المطلوبة. إلا أن مصر أعادت تقديمه مرة أخرى باعتباره أحد أشكال الفلكلور المصري القديم، ليتم قبوله فورًا».
و أشار إلى أن مصر تمتلك إرثًا ثقافيًا ضخمًا، لكن عدد العناصر المسجلة ضمن قائمة التراث غير المادي لليونسكو لا يتجاوز سبعة فقط، في حين أن الفلبين، على سبيل المثال، لديها أكثر من 110 عناصر مسجلة، وهو ما يعكس الحاجة إلى جهود أكبر في توثيق وحماية تراثنا.
ولفت الدكتور عمر المعتز بالله إلى أن متحف الحضارة يعمل حاليا على توثيق التراث الغذائي المصري، موضحاً أن بعض الأكلات التي يعتقد المصريون أنها محلية، مثل الملوخية والمسقعة، ليست ذات أصول مصرية، وهو ما يستدعي زيادة الوعي حول تراث المطبخ المصري الحقيقي.
وأشار «المعتز بالله» إلى أن هناك هجمات ممنهجة على التاريخ المصري، خصوصاً من قبل تيارات مثل «المركزية الإفريقية"، التي تحاول الترويج لفكرة أن الحضارة المصرية القديمة تم بناؤها من قبل شعوب أفريقية أخرى. وأكد أن مصر ترد على هذه الادعاءات بطرق علمية موثقة، من خلال الدراسات التاريخية والأثرية.
وأكد الدكتور«المعتز بالله» أن نشر الوعي بالتراث مسؤولية مشتركة بين الدولة ووسائل الإعلام، مشيراً إلى أن الدبلوماسية الثقافية تلعب دوراً رئيسياً في حماية التراث، من خلال المبادرات الثقافية وبرامج التبادل بين الشعوب.
وفي ختام حديثه، شدد «المعتز بالله» على ضرورة إدراج مادة دراسية عن الحضارة المصرية في المناهج التعليمية، لتعريف الأجيال القادمة بتراثهم، وتمكينهم من مواجهة التحديات المستقبلية. كما دعا إلى تعزيز دور القوة الناعمة المصرية من خلال تقديم أعمال درامية وسينمائية تبرز الموروث الثقافي والتاريخي لمصر، مما يساهم في غرس الوعي بالهوية الوطنية والحفاظ على التراث.
معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025
ويقام معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، الذي تنظمه الهيئة العامة المصرية للكتاب، في الفترة من 23 يناير الجاري حتى 5 فبراير المقبل بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، وأعلن لأول مرة عن ضيفي شرف المعرض في الدورتين 2026، و2027، وهما رومانيا وقطر كما أعلن إطلاق مبادرة المليون كتاب ضمن فعاليات المعرض هذا العام.
ويشهد المعرض استحداثات جديدة لأول مرة ومن بينها جناح مجاني لاتحاد الناشرين الذي تشارك فيه دور النشر الناشئة وذلك بهدف دعم صناعة النشر، بالإضافة إلى استحداث قاعة جديدة لتكون عدد قاعات معرض الكتاب فى دورته الجديدة 6 قاعات بدلًا من 5 قاعات، بالإضافة إلى أجنحة للكتب المخفضة.
ووقع الاختيار على اسم العالم والمفكر الدكتور أحمد مستجير، ليكون شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب، والكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول، شخصية معرض كتاب الطفل، وجاء شعار المعرض هذا العام بعنوان «اقرأ.. في البدء كان الكلمة».
وتحل دولة سلطنة عمان ضيف شرف المعرض، وتشارك ببرنامج ثقافي متنوع يعكس التاريخ الثقافي والفكري للسلطنة، ويسلط الضوء على العديد من الجوانب التاريخية والتراثية والفكرية بها.
وتشهد الدورة الحالية نقلة نوعية تستحق التقدير، سواء من حيث التنظيم أو المُشاركة الدولية والمحلية، وتقام الدورة الحالية للمعرض على مساحة 55 ألف متر مربع، بإجمالي مساحة تضم 6 صالات للعرض، ويصل عدد الناشرين والجهات الرسمية المصرية والعربية والأجنبية المشاركة إلى 1345 دار نشر، من 80 دولة من مختلف دول العالم، كما يبلغ عدد العارضين 6150 عارضًا هذا العام، يعرضون تنوعًا ثريًا من الإصدارات الأدبية والفكرية.
ويضم البرنامج الثقافي للمعرض ما يقرب من الـ600 فعالية متنوعة تشمل ندوات أدبية وحوارات فكرية وعروضًا فنية، بمشاركة نخبة من المفكرين والمبدعين من مختلف أنحاء العالم.
ويُعد معرض القاهرة الدولي للكتاب من أكبر معارض الكتاب في الشرق الأوسط، وفي عام 2006 اعتبر ثاني أكبر معرض بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، زار المعرض في دورته السابقة الـ55 4,785,539 زائر.
انطلق المعرض لأول مرة في عام 1969م، حينما كانت القاهرة تحتفل بعيدها الألفي، فقرر وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة الاحتفال بالعيد ثقافيًا، فعهد إلى الكاتبة والباحثة الراحلة سهير القلماوي بالإشراف على إقامة أول معرض للكتاب في مصر.
وأوضح أن ريادة مصر تعتمد في جوهرها على العلم والمعرفة وموقعها المتميز كمركز للثقافة والفكر، ومن هنا تأتي الدعوة لكل فئات الشعب المصري لتوجيه طاقاتهم نحو القراءة والتعمق في المعرفة، لتنوير العقول والاستفادة من ثمار الفكر الإنساني.