استضافت القاعة الدولية بلازا «2»، ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، اجتماع نخبة من الدبلوماسيين والمفكرين في ندوة حملت عنوان «العلاقات المصرية الأوروبية»، ضمن محور الدبلوماسية الثقافية الذي استحدثته وزارة الخارجية المصرية بالتعاون مع الهيئة العامة للكتاب. جاءت الندوة بمشاركة السفير وائل حامد، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية، والسفير عزت سعد، سفير مصر السابق في روسيا، وأدارتها الإعلامية ليلى عامر.
وافتتحت ليلى عامر الجلسة بالإشارة إلى أهمية الدبلوماسية الثقافية كأداة لتعزيز العلاقات الدولية، مؤكدةً أن تخصيص محور لهذا الموضوع داخل المعرض يعكس وعي الدولة المصرية بأهمية الثقافة كجسر للتواصل بين الشعوب.
وعبّر السفير وائل حامد عن سعادته بالمشاركة في ندوة ضمن معرض الكتاب، مؤكدًا أن علاقته بهذه الفعالية الثقافية العريقة تعود إلى طفولته. وأشار إلى أن وزارة الخارجية ليست كيانًا منفصلًا عن المجتمع المصري، بل هي جزء أصيل منه، تساهم في تشكيل وعيه وتفاعله مع القضايا الدولية.
تطرق «حامد» إلى عمق العلاقة التاريخية بين مصر وأوروبا، مستشهدًا بمقولة الجغرافي الكبير جمال حمدان بأن «البحر قاعدة التواصل»، موضحًا أن الجغرافيا جعلت من البحر المتوسط معبرًا للتجارة والتفاعل الثقافي، وأعاد السفير التذكير بالدور الذي لعبته الحملة الفرنسية في كشف القيمة التاريخية لمصر من خلال فك رموز حجر رشيد، والذي فتح الباب أمام تأسيس علم المصريات لاحقًا.
لكن العلاقات المصرية الأوروبية لم تكن دائمًا سلسة، فقد مرت بفترات صدام، خاصة خلال الحقبة الاستعمارية، غير أن الأمور بدأت في التغير بعد عام 1977، حيث أبرمت مصر اتفاقيات اقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، تلقت خلالها مساعدات مالية حتى أوائل التسعينيات، ثم جاءت اتفاقية أوسلو لتفتح آفاقًا أوسع للتعاون، ولكن مع قرارات 1994، تغيرت طبيعة العلاقة إلى شراكة قائمة على تبادل المصالح، وليس على أساس التفوق الأوروبي.
وعن التعاون الاقتصادي، أشار السفير حامد إلى أن مصر واجهت صعوبات في التفاوض على «اتفاقية المشاركة الاستراتيجية المصرية الأوروبية، والتي لم تبرم إلا في عام 2003. غير أن الشراكة تطورت لاحقًا، حيث شهدت اتفاقية 2024 بعدًا أعمق، متجاوزة تحرير التجارة والصناعة، لتشمل قضايا الأمن والبيئة وغيرها من المجالات الحيوية.
وحول الأوضاع الاقتصادية في أوروبا، لفت حامد إلى أن التضخم الذي شهدته دول الاتحاد الأوروبي نتيجة أزمة كوفيد-19، أجبر الحكومات على رفع الأجور، مما جعل من الصعب عليها جذب العمالة. وأدى ذلك إلى توجه دول مثل ألمانيا وبلجيكا وفرنسا للاستثمار في مصر، مستفيدةً من الطفرة الهائلة التي شهدتها البنية التحتية المصرية خلال العقد الأخير.
أما عن العلاقات مع روسيا، فقد أوضح أن مصر تتعامل مع موسكو بندية، خاصة أنها أكبر مستورد للقمح الروسي، بينما تعد روسيا أكبر مصدر لهذه السلعة الاستراتيجية.
تحدث السفير عزت سعد، مشيرًا إلى الدور الذي لعبه السفير وائل حامد في تعزيز العلاقات المصرية الروسية، خاصة فيما يتعلق بملف الطاقة. لكنه أوضح أن العلاقات المصرية الأوروبية لا تقتصر فقط على الاتحاد الأوروبي، بل تمتد إلى دول القارة بأكملها، التي يجمعها "مجلس أوروبا"، وهو كيان دولي مستقل عن الاتحاد الأوروبي.
تطرق «سعد» أيضًا إلى تداعيات الأزمة الأوكرانية، التي دفعت الاتحاد الأوروبي إلى تعليق عضوية روسيا، مما أثر على خريطة التحالفات السياسية والاقتصادية في المنطقة، كما شدد على أهمية المكون الثقافي في العلاقات المصرية الأوروبية، مؤكدًا أن السفارات المصرية تبذل جهدًا كبيرًا لتعزيز هذا البعد.
وكشف السفير أن حجم التبادل التجاري بين مصر وأوروبا اقتصاديًا، بلغ 30 مليار دولار، مشيرًا إلى وجود إرادة سياسية داخل الاتحاد لدعم مصر، من خلال تقديم تسهيلات مالية واستثمارية. لكن الحرب في أوكرانيا قلصت بعض أوجه التعاون، مما أثر على فرص مصر في الاستفادة من الدعم الأوروبي.
سياسيًا، أوضح السفير عزت سعد أن هناك انقسامًا داخل الاتحاد الأوروبي بشأن العديد من القضايا، أبرزها موقف الدول الأعضاء من القضية الفلسطينية. ففي حين تلتزم مصر بموقف ثابت تجاه غزة، نجد أن بعض دول الاتحاد لا تتردد في إمداد إسرائيل بالسلاح.
اختتم «سعد حديثه بالتأكيد على أن المشهد الأوروبي يشهد تحولات كبرى، أبرزها تصاعد اليمين المتطرف، الذي يعيد النظر في العلاقة مع روسيا، بالإضافة إلى الأزمات الداخلية التي تواجهها دول مثل فرنسا وألمانيا، والتي تعكس حالة عدم الاستقرار داخل الاتحاد.
معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025
ويقام معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، الذي تنظمه الهيئة العامة المصرية للكتاب، في الفترة من 23 يناير الجاري حتى 5 فبراير المقبل بمركز مصر للمعارض الدولية بالتجمع الخامس، وأعلن لأول مرة عن ضيفي شرف المعرض في الدورتين 2026، و2027، وهما رومانيا وقطر كما أعلن إطلاق مبادرة المليون كتاب ضمن فعاليات المعرض هذا العام.
ويشهد المعرض استحداثات جديدة لأول مرة ومن بينها جناح مجاني لاتحاد الناشرين الذي تشارك فيه دور النشر الناشئة وذلك بهدف دعم صناعة النشر، بالإضافة إلى استحداث قاعة جديدة لتكون عدد قاعات معرض الكتاب فى دورته الجديدة 6 قاعات بدلًا من 5 قاعات، بالإضافة إلى أجنحة للكتب المخفضة.
ووقع الاختيار على اسم العالم والمفكر الدكتور أحمد مستجير، ليكون شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب، والكاتبة الكبيرة فاطمة المعدول، شخصية معرض كتاب الطفل، وجاء شعار المعرض هذا العام بعنوان «اقرأ.. في البدء كان الكلمة».
وتحل دولة سلطنة عمان ضيف شرف المعرض، وتشارك ببرنامج ثقافي متنوع يعكس التاريخ الثقافي والفكري للسلطنة، ويسلط الضوء على العديد من الجوانب التاريخية والتراثية والفكرية بها.
وتشهد الدورة الحالية نقلة نوعية تستحق التقدير، سواء من حيث التنظيم أو المُشاركة الدولية والمحلية، وتقام الدورة الحالية للمعرض على مساحة 55 ألف متر مربع، بإجمالي مساحة تضم 6 صالات للعرض، ويصل عدد الناشرين والجهات الرسمية المصرية والعربية والأجنبية المشاركة إلى 1345 دار نشر، من 80 دولة من مختلف دول العالم، كما يبلغ عدد العارضين 6150 عارضًا هذا العام، يعرضون تنوعًا ثريًا من الإصدارات الأدبية والفكرية.
ويضم البرنامج الثقافي للمعرض ما يقرب من الـ600 فعالية متنوعة تشمل ندوات أدبية وحوارات فكرية وعروضًا فنية، بمشاركة نخبة من المفكرين والمبدعين من مختلف أنحاء العالم.
ويُعد معرض القاهرة الدولي للكتاب من أكبر معارض الكتاب في الشرق الأوسط، وفي عام 2006 اعتبر ثاني أكبر معرض بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، زار المعرض في دورته السابقة الـ55 4,785,539 زائر.
انطلق المعرض لأول مرة في عام 1969م، حينما كانت القاهرة تحتفل بعيدها الألفي، فقرر وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة الاحتفال بالعيد ثقافيًا، فعهد إلى الكاتبة والباحثة الراحلة سهير القلماوي بالإشراف على إقامة أول معرض للكتاب في مصر.
وأوضح أن ريادة مصر تعتمد في جوهرها على العلم والمعرفة وموقعها المتميز كمركز للثقافة والفكر، ومن هنا تأتي الدعوة لكل فئات الشعب المصري لتوجيه طاقاتهم نحو القراءة والتعمق في المعرفة، لتنوير العقول والاستفادة من ثمار الفكر الإنساني.