تحقيق : محمد الشريف
توفير الطاقة الكهربائية حلم طالما داعب الحكومات المصرية المتعاقبة لتقترح كل حكومة فكرة لتحقيق ذلك الهدف المنشود والقضاء على كابوس انقطاع التيار الكهربائى الذى يؤرق المصريين ليل نهار، ورغم اختلاف استراتيجية كل حكومة عن غيرها فى مواجهة الأزمة كانت فكرة غلق المحلات التجارية القاسم المشترك بينها، لكن الفكرة قوبلت بموجة رفض فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، وفشل نظام الرئيس الأسبق مرسى فى تنفيذها، لتحيى «حواء » ذلك المقترح من جديد فى مبادرة تتبناها على صفحاتها بغلق الكافيهات والمقاهى قبل منتصف الليل توفيرا للطاقة وسعيا إلى القضاء على موجة البلطجة التى أصبحت المقاهى وكرا وملجأ لأربابها. «حواء » تستطلع ردود أفعال أصحاب المقاهى والأهالى حول المبادرة، وتسأل المختصين هل تخضع المقاهى لقانون المحليات فتلتزم بالغلق فى وقت محدد، أم تعتبر منشأة سياحية يتسبب غلقها مبكرا فى الإضرار بالحركة السياحية؟
البداية مع أصحاب المقاهى الذين اعتبروا المبادرة ظالمة لهم وسببا فى قطع أرزاق الكثيرين على حد قولهم، مطالبين الحكومة بتوفير فرص عمل للشباب بدلا من تسريح عمالة تلك المقاهى، حيث يقول محمد حسن، أحد أصحاب المقاهى بمصر
القديمة: المبادرة تظلم أصحاب المحلات والمقاهى لأن عدد ساعات الليل تعد أكثر الساعات نشاطا فى حركة البيع والشراء ما يعنى أننى سأخسر أهم عدد ساعات عملى، وتابع: شغل المقاهى يبدأ عادة منذ الساعة 4 عصرا حتى ال 2 صباحا، مشيرا إلى أن ومعظمها تعمل تقريبا فى تلك المواعيد.
عايزنا نشحت
حالة من الاستغراب والانفعال تملكت جمعة حبيب عند سماعه الفكرة ليلوح لى بيده يصمتنى قائلا بعصبية: «احنا عارفين نعيش كده لما تخلونا نقفل بدرى »، ولفت إلى أنه يعمل بالمقهى مع أبنائه الثلاثة وأخيه الأصغر لعدم وجود أى فرصة عمل لهم ويتناوبون الورديات مع بعضهم البعض، مضيفا أن حركة البيع والشراء تبدأ من الخامسة وتتزايد بعد العاشرة مساء، وأكد رفضه للمقترح ودفاعه عن أكل عيشه بانفعال شديد «محلات أية إللى يقفلوها.. هوا احنا لاقين ناكل كده لما يقفلوها.. هما عاوزينا نشحت!
ويعرض فاروق سليمان صاحب مقهى سبب رفضه للمبادرة فى وجهة نظره الاقتصادية قائلا: قيمة فاتورة الكهرباء التى أدفعها شهريا 1000 جنيه، ولدى 8 عمال بالمحل على مدار اليوم راتب كل واحد منهم لا يقل عن 800 جنيه شهريا بالإضافه إلى الضرائب، وكل هذا نحاول جمعه بالعمل طوال اليوم وبالكاد نسد احتياجاتنا، و 90 % من الزبائن تفضل المجئ إلى المقهى بعد المغرب لأن أغلبهم من الموظفين، هذا القرار سيتسبب فى غلق المقهى لأننى فى هذا الوقت لن أستطيع
توفير مصروفاتها.
وأضاف «الناس تعبانة، فى ناس مش لاقية رغيف العيش تاكله، وإحنا جايين نضيق عليهم »، ويرى أن المقترح خاطئ يفتقد إلى رؤية واضحة وعادلة، قائلا: «باب رزق وربنا فاتحه للناس نقفله بإيدينا ليه؟ » مضيفا أن القرار سيصبح سببا رئيسيا لتسريح العديد من العمال.
رواد المقاهى
لم يختلف رأى زبائن المقاهى أو المحلات عن أراء أصحابها، عندما تدخل أحدهم فى الحديث ساخرا «يعنى لا شغل ولا قهوة » هكذا بدأ «سعيد عليوة » أحد الزبائن الذى يجلس مع أصدقائه « القرار ده مش صح عايز تخنق الناس وتنيمها بدرى.. صحيح كل دول العالم بتعمل كده بس مصر حاجة تانية.. بدل ما تفكر تقفل القهوة أمام الناس فكر تأكلهم ولا تشوف لهم شغل الأول .»
جذب صديقه إبراهيم طرف الحديث قائلا: «فى ناس شغلها كله بالليل.. وناس كتير معتمدة على ساعتين الليل عشان تزود دخلها، حرام يناموا من
المغرب، هو احنا فى حالة حرب؟ .»
بينما يجلس الحاج «حمدى » على أحد مقاهى وسط البلد بصحبة أصدقائه من أصحاب المحلات لمناقشة المقترح الذى لا يرضى عنه «الثورة قامت من على القهوة » هكذا بدأ حديثه معبرا عن أهمية المقاهى فى تشكيل طابع الشعب المصرى، واصفا القرار بأنه يشبه «حظر تجول » بشياكة، وأنه سيؤدى إلى وجود سهرات بأماكن بعيدة عن الشارع قائلا «وقتها تخيل أى حاجة غلط ممكن تحصل .»
لحواء رأى
فيما ترى السيدة الأربعينية التى سألتنى أثناء مرورها أمام أحد المقاهى بعد أن استمعت لبعض التعليقات الساخرة : أنت بتعمل إيه؟ فطرحت عليها الفكرة لتبدى تأييدها بشدة قائلة «هذا القرار مناسب لعودة لم شمل الأسرة لأن بعض الرجال يتركون منازلهم ويلوذون إلى المقاهى لأوقات طويلة .»
بينما تخالفها الرأى رفيقتها وفاء «مدرسة » وترى أن تعميم تلك الفكرة سيعمل على كثرة السرقات بعد اختفاء المواطنين والحركة من الشوارع، وأن هناك الكثير من المحال التجارية التى تعمل على مدار ال 24 ساعة والتى يمكث أصحابها والعاملون بها لتأمينها حتى الصباح، وقالت: بهذا القرار سيتم تسريح العديد من العمالة لتزداد نسبة البطالة والدخول بالشباب إلى نفق مظلم.
سبب إزعاج
«لم يعد مشهد وجود المقاهى تعتلى الأرصفة أمرا يثيرا الدهشة بل بات أمرا اعتياديا، أما الدخان المنبعث منها والألفاظ الخارجة فحدث ولا حرج »، كانت تلك كلمات عبد الحميد عبد الرازق أحد سكان وسط البلد، وتساءل: كيف تم السماح لتلك المقاهى بأن تحول الأرصفة التى تعد من حق المواطنين المترجلين إلى ملكية خاصة يضعون عليها الكراسى والطاولات قاطعين الطريق على المارة غير عابئين بحقهم فى السير على تلك الأرصفة؟ وثمن عبد الحميد المبادرة مؤكدا أن المقاهى
أصبحت ملاذا للبلطجية والمتسولين الذين يجلسون عليها حتى ساعات الصباح، بالإضافة إلى كثرة الضجيج والكلام البذئ الصادر عن بعض لاعبى الشطرنج أو الطاولة.
وأيد حسن على المبادرة لمعاناته من الضوضاء وزحمة الشارع الذى يقطنه لاحتوائه على الكثير من محال بيع الهواتف المحمولة والملابس والمقاهى ما جعله لا يشعر بالراحة فى منزله.
نتائج سلبية
الآراء البسيطة التى تشابهت فى رفض اقتراح غلق المحلات مبكرا لم تختلف كثيرا عن رأى الخبير الاقتصادى محمد رضا الذى وصف الفكرة بغير المدروسة، وعن تأثيرها على الوضع الاقتصادى فى الوقت الحالى قال: القرار من شأنه التأثير سلبا على حركة البيع والشراء خاصة فى الأسواق والشوارع التجارية نتيجة لتقليص فترة الشراء التى تزدهر ليلا فى معظم الأسواق.
وتابع: «سيتسبب الإغلاق المبكر بلا شك فى زيادة الركود الاقتصادى، ومعدلات البطالة نظرا لغلق أبواب العمل الإضافى التى غالبا ما تبدأ بعد الساعة السابعة وحتى منتصف الليل، إلى جانب عدد من الأزمات الأخرى التى سيتسبب فيها تنفيذ هذا الاقتراح مثل زيادة معدلات استهلاك الكهرباء فى المنازل، وزيادة أزمة الاختناقات المرورية بعد العاشرة مساء نتيجة لتكدس الأعداد المتوجهة إلى المنازل ما سيزيد من أزمة الزحام والمواصلات.
ويضيف: الاقتراح غير مدروس جيدا، وأثبت فشله من قبل فى التسعينيات فى عهد وزير الداخلية الأسبق أحمد رشدى، وأنا أتوقع أن يثبت فشله مرة أخرى خاصة فى ظل حالة البطالة وزيادة معدلات السرقة فى السنوات الأخيرة.
مشروع قانون
وأيد النائب البرلمانى البدرى أحمد ضيف، عضو لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النواب المبادرة، مؤكدا أنها خطوة إيجابية لتوفير الطاقة الكهربائية والأمن والقضاء على البلطجة بالشوارع، مشيرا إلى أن لجنة الطاقة بالبرلمان بصدد تقديم مشروع قانون بهذه الفكرة، وأشاد النائب بجهد مجلة «حواء » وفريقها ودورهم المجتمعى الملموس وتبنيها لأفكار ومبادرات من شأنها طرح حلول للأزمات التى يعايشها الشارع المصرى. وطالب بإلزام المقاهى والمطاعم بالإغلاق عند الساعة 10 مساء وتطبيق غرامة مالية على المحلات المخالفة أسوة بدول كثير تطبق هذا النظام، مشيرا إلى أن غلق الكافيهات والمطاعم يساعد على توفير 1 % من الطاقة الكهربائية ومليار جنيه للدولة فى العام، حيث تدعم الدولة الطاقة الكهربائية ب 95 مليار جنيه ومعدل استهلاك البنزين والسولار 6 % بمحطات توليد الطاقة الكهربائية، فضلا عن تزايد الطلب على الكهرباء بالمصانع الجديدة، وأن المناطق الاستثمارية والعمارات المخالفة للبناء تستهلك طاقة كهربائية زائدة.
بين السياحة والمحليات
ويشير د. حمودة فتحي، أستاذ القانون التجارى بكلية الحقوق إلى أهمية طرح تلك القضية، معتبرا الكافيهات نشاطا أساسيا فى منظومة صناعة السياح ة كما هو الحال مع المطاعم ومحلات الوجبات السريعة ومسارح المنوعات التى تندرج جميعها تحت بند المنشآت السياحية، وتخضع لرعاية وإشراف غرفة المنشآت السياحية التابعة للاتحاد المصرى للغرف السياحية ، وتابع: لكننا فى مصر ننفرد بوضع لا مثيل له فى العالم حيث يحق للمحليات إعطاء رخص ة فتح مقهى أو كافتيريا حالها حال وزارة السياحة.
واستطرد: كان أصحاب الكافتيريات والمطاعم يتسابقون إلى الحصول على رخصة من وزارة السياحة طمعا فى تحقيق ربح أكبر وتقديم مشروبات كحولية لكنهم لاحظوا أن رسوم الرخصة والضرائب التى يتم تحصيلها على كل منشآة سياحية لاتساوى تلك الميزة فضلا عن الإجراءات المعقدة فى الحصول على الرخصة ، بل اكتشفوا أن الحصول على رخصة من المحليات أسهل بكثير وأن الرسوم والضرائب المفروضة على هذه المنشآت ثمن بخس بالنسبة لما يتم تحصيله من المنشآت التابعة للسياحة مع أن المواصفات تكاد تكون واحد ة، من هنا بدأ الراغبون فى فتح مقهى أو مطعم بالهروب من السياحة إلى المحليات تحت شعار «نار المحليات ولا جنة السياحة .»
وأوضح أن غرفة المنشآت السياحية ناقشت حملات التفتيش التى تقوم بها الأحياء على الكافيهات والمحال الحاصلة على رخصة سياحية وتم التوصل إلى ضرورة موافقة الحى على إعطاء رخصة تجارية تستخرج بها السياحية حتى لا يسمح بعدها بالتدخل والتفتيش سوى للسياحة، وأكد أنه إذا صدر قانون يلزم المحلات بالغلق فى ميعاد محدد يسرى هذا القانون على جميع المنشآت سواء كانت تابعة للسياحة أو الأحياء.
تأثير سلبى
وعن تأثير غلق الكافيهات على الحركة السياحية أوضح عبدالفتاح العاصى، رئيس قطاع الرقابة على المنتجعات والمنشآت السياحية بوزارة السياحة أن هناك اقتصادا موازيا يبدأ مساء ليس فقط فى المحلات التجارية بل فى المطاعم والكافيتريات والملاهى والمسارح ودور السينما والمولات، وتعتمد الحركة السياحية فى مصر خاصة من الزوار العرب على السهر ليلا الذين لا يقبلون أن يجبروا على النوم مبكرا، وهذا سيؤثر سلبا على حركة السياحة وإنعاش الاقتصاد القومي.
وقال العاصى إنه لا يرفض الاقتراح ولكن يجب الرجوع إلى اتحاد الغرف التجارية قبل تطبيقه ووضع رأيه فى الاعتبار، مقترحا إغلاق الورش والأنشطة المتسببة فى الإزعاج أولا، ثم المحلات التجارية والمولات والصيدليات، مع تفعيل نظام الصيدليات الليلية بكل حى، ثم البقالين والمخابز مع مد المواعيد فى المواسم السياحية والأجازات، على أن تستثنى الفنادق والمطاعم والمقاهى والكافيتريات والكازينوهات والتى لا تقيد بمواعيد حتى لا تتأثر السياحة، ومن يرغب فى الاستمرار بعد المواعيد المتفق عليها يتم تركيب عدادات كهرباء ذكية لحساب الاستهلاك بعد تلك المواعيد ومحاسبته دون دعم فى تلك الفترة الإضافية ليقرر بناء على ربح العمل بعد المواعيد أن يغلق أو يستمر.