جائزة «نوبل»، هي أشهر الجوائز العالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب نيل الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر و يحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.
ومع قسم الثقافة، على صفحات بوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901 في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.
ونلتقى اليوم مع الأديب الصيني .. مو يان
مو يان.. هو واحد من أشهر الأدباء الصينيين وبأن أعماله من أكثر الأعمال التي تمنع السلطات الصينية نشرها.
الميلاد والنشأة
ولد الأديب الصيني «مو يان»، في مثل هذا اليوم 17 فبراير عام 1955م، واسمه الحقيقي جوان موى في بلدة شمال «غاو ما» في مقاطعة «شاندونغ» في شمال شرق الصين، لعائلة من المزارعين، وانتهى من دراسته الابتدائية اتجه إلى زراعة الأرض، وترك المدرسة أثناء الثورة الثقافية ليعمل في مصنع ينتج البترول، ثم التحق بجيش التحرير الشعبي وفي عام 1976م في العشرين من عمره، وبدأ الكتابة، وهو ما يزال جنديًا في عام 1981م.
وبعد ثلاث سنوات بدأ يعمل معلمًا في قسم الآداب بأكاديمية الجيش الثقافية، وفي 1991م حصل على درجة الماجستير في الآداب من جامعة بكين للمعلمين، استقال من عمله بالجيش الصيني عام 1997 م.
الاسم القلمي لمو يان
«مو يان» تعني بالصينية «لا تتحدث»، وهو اسمه الأدبي، وفي كلمة ألقاها مو يان في جامعة هونج كونج المفتوحة، قال: «إنه اختار هذا الاسم عندما كتب روايته الأولى، وأضاف أنه يعلم أن الحديث العلني الصريح غير مرغوب به في الصين، ولهذا اختار هذا الاسم حتى لا يتحدث كثيرًا».
بدأت موهبة «مو يان» الأدبية في الظهور في سنٍّ مبكِّرة، فراح يَسرد العديدَ من القصص المُستوحاة من بيئته الريفية محمَّلةً بأبلغ المعاني الإنسانية والتفاصيل الدقيقة، وتميَّز بأسلوبٍ سِحري أخَّاذ، ونشر مو يان، أولى رواياته عام 1981م «الفجل الكريستال» التي ذاع صيتها حينذاك.
سمات كتابات مو يان
في كتاباته يرسم «مو يان» صورة حية عن تجاربه حينما كان شابًا وعن الحياة في مقاطعته، وظهر ذلك واضحا في روايته «الذرة الرفيعة الحمراء»، والتي صدرت بالإنجليزية عام 1993 و وتقدم الرواية من خمس قصص والتي تكشف عن عقود من القرن العشرين أثناء الاحتلال الياباني للصين، وصور فيها «مو يان» ثقافة اللصوص وثقافة المحتل الياباني والظروف القاسية التي كان يعاني منها الفقراء من العمال والفلاحين في تلك الفترة.
وتتميز كتابات «مو يان» بالتحرر في معالجة قضايا الجنس والسلطة والسياسة في الصين المعاصرة دون مواربة مع حس فكاهي عال، وينتقد الوسط الثقافى الصيني، وعلى رأسهم الكاتب الصيني الكبير ما جيان، عدم تضامن «مو يان» مع غيره من الكتاب الذين يواجهون قمعا من السلطة الصينية.
ويشغل «مو يان» منصب نائب رئيس جمعية الكتاب الصينيين ــ رسميا، ودافع مو يان عن الرقابة بقوله إنها «ضرورية» أحيانا مقارنًا إياها بعمليات التفتيش في المطارات، ومؤكدًا أنها قائمة في «كل دول العالم والفرق الوحيد هو الدرجة» التي تطبق بها.
عقبات واجهت مو يان
تأثر «مو يان» بكبار الكتاب في العالم في مقدمتهم الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، دي إتش لورانس، وإرنست همنغواي، وكان «مو يان» يستخدم الخيال والسخرية في كثير من كتبه التي وصفتها وسائل إعلام حكومية بأنها «مستفزة ووقحة»، و تصور روايته «الذرة الرفيعة الحمراء» المصاعب التي تحملها المزارعون في السنوات الأولى من الحكم الشيوعي.
وقال «مو يان» في كلمة ألقاها في معرض فرانكفورت للكتاب عام 2009م: «يجب أن يعبر الكاتب عن النقد والسخط في الجانب المظلم من المجتمع وقبح الطبيعة البشرية، لكن يجب ألا نستخدم نمطا واحدا من التعبير، وأضاف «قد يرغب البعض في أن يصرخوا في الشارع لكن يجب أن نتسامح مع أولئك الذين يختبئون في غرفهم ويستخدمون الأدب في التعبير عن آرائهم».
حصول«مو يان» على جائزة نوبل
أعلنت لجنة جائزة نوبل في الأكاديمية السويدية، في 11 أكتوبر 2012، فوز الأديب الصيني «مو يان»، بالجائزة في الآداب، وقالت عنه اللجنة «الذي يدمج الهلوسة الواقعية بالحكايات الشعبية، والتاريخ والمعاصرة»، وبهذا أصبح «مو يان» أول كاتب الصيني يفوز بجائزة نوبل للآداب لجمهورية الصين الشعبية.
مويان وصناعة الأدب في الصين
كان فوز «مو يان» بجائزة نوبل، 2012م، عائدًا بالنفع بقوة على صناعة الأدب في الصين، وحققت الصناعات الثقافية والإعلامية في الصين منافع مادية بسبب فوز«مو يان» بجائزة نوبل للأدب.
وتحقق محلات بيع الكتب الصينية منافع عالية، من فوز«مو يان» حيث ارتفعت المبيعات وقال «قه في»، نائب مدير مكتبة وانغفوجينغ لبيع الكتب ببكين، وهي واحدة من كبريات محلات بيع الكتب في الصين، حينذاك: «إن النسخ المتاحة من روايات مو، ومنها «السرجوم الأحمر»، وروايته الأخيرة «الضفدع»، بيعت بأكملها بحلول العاشرة صباحا، عقب ساعة واحدة فقط من فتح المكتبة، كما شهد حجز نسخ من روايات مو إقبالًا كبيرًا».
ولقي «مو يان» قبولًا واسعًا بين جمهور القرَّاء بفضلِ مؤلفاته التي نُشِرت تِباعًا، وتُرجِمت إلى معظم لغات العالم ومنها اللغة العربية، والتي استطاع من خلالها أن يُساهِم بدورٍ رائد في صناعة الأدب الصيني.
شهدت مبيعات المؤلفات الثقافية و الإعلامية رواجا كبيرًا في جميع أنحاء شانغهاي، بعد فوز «مو يان» بجائزة نوبل، وتأتي في المقدمة شركة «شينخوا شانغهاى للإعلام».
وبحسب شي شيانغ، نائب مدير شركة «التنمية الثقافية العميقة والحقيقية» ببكين قال: «إنه قد يتم إنتاج مزيد من الأفلام المأخوذة عن روايات مو مثلما حدث في فيلم «السرغوم الأحمر» للمخرج «تشانغ يى مو» في 1987م المأخوذ عن رواية مو يان».
وبيعت قرابة 200 ألف نسخة من رواية «الضفدع» لمو منذ نشرها في 2009 والتي حاز عنها بجائزة «ماو دون» للأدب 2011 وهي أرفع الجوائز الروائية في الصين.
مو يان والصحافة الغربية
واجه «مو يان» صعوبات مع الصحافيين الغربيين الذين اهتموا أكثر بالسياسة من الأدب، وأكد أنه تمنى الإفراج عن الكاتب الصيني الحائز على جائزة نوبل للسلام ليو شياوبو 2011م ، والمسجون بتهمة «التخريب» بسبب وثيقة تطالب بالديمقراطية.
ومثله كمثل الكثير من أبناء جيله عانى «مو يان» الاضطرابات السياسية في بلاده فضلًا عن الكوارث الطبيعية وقال: «إنه استلهم كتاباته عن الحياة في الريف من الجوع والوحدة».
ترجمات مو يان
تُرْجمت روايات أديب نوبل الصيني «مو يان»، أو «فولكنر الصيني»، إلى لغات عالمية كثيرة بصفته رائدا من روّاد الأدب الصيني المعاصر، ما جعله في مصافّ كتّاب الرواية الأكثر تأثيراً في عالمنا اليوم، هذا وقبل فوز مو يان بجائزة نوبل لم يترجم أي من أعماله إلى اللغة العربية؛ و تم ترجمة رواية الذرة الرفيعة الحمراء للغة العربية، وعدا بعض الشذرات التي خصّته بها جريدة «أخبار الأدب» المصرية بعد جائزة نوبل، يظلّ مو يان مجهولا لدى قرّاء العربية.
مؤلفات مو يان
خلال رحلة الأدبية المثمرة لـ «مو يان»، والتي امتدت ثلاثين عامًا، كتب نحو 11 رواية و 30 قصة طويلة، و80 قصة قصيرة تقريبا، كما قدم مؤلفات في مجال البحث العلمي.
ومن مؤلفات «مو يان» ورواياته البديعة.. «مطر هاطل في ليلة ربيعية» 1981م، «خطة فول الصويا» 1990م، «مخدع من البللور» ، «النجار» 1993م، «ثلاث عشرة خطوة» 1995م، «الضفدع» 2009م، ومن رواياته «السرغوم الأحمر» التي تحولت بعد ذلك إلى فيلم للمخرج تشانغ يي مو، وهو فيلم ناجح مما زاد من تأثيرها وشهرة كاتبها بشكل كبير،، ورشح الفيلم السينمائي لجائزة أوسكار.
ومن بين مجموعات «مو يان» القصصية
«النهر والغلطة»، «الذرة الرفيعة الحمراء»، ونشرت لأول مرة في عام 1987 في الصين، وفي عام 1993 باللغة الإنجليزية، «أغنيات الثوم» ونشرت لأول مرة باللغة الإنجليزية في عام 1995م، «انفجارات وقصص أخرى، ومجموعة من القصص القصيرة.
«جمهورية النبيذ» رواية ونشرت لأول مرة في عام 1992 في الصين وفي عام 2000 باللغة الإنجليزية، «شي فو: سوف تفعل أي شيء عن الضحك» ومجموعة من القصص القصيرة، ونشرت لأول مرة في عام 2002 باللغة الإنجليزية، « الحياة والموت ترتدي لي ان »، ونشرت باللغة الإنجليزية في عام 2008م.
الجوائز والأوسمة
نال «مو يان» العديدَ من الجوائز المحلية والعالمية المتميزة ومنها.. جائزة نيوستاد الدولية للمرشح في الأدب 1998م، جائزة كيرياما، ، 2005م، جائزة فوكوكا الثقافة الآسيوية السابعة عشرة 2006م، جائزة مان الآسيوية الأدبية 2007 م، جائزة «نيومان» الصينية الأدب، عن رواية «الحياة والموت ترتدي لي ان» 2009م ، والتي نشرت باللغة الإنجليزية في عام 2008م.
نال «مو يان» درجة زميل فخري من جمعية اللغات الحديثة 2010م، جائزة «الأدب مودان» عن رواية «الضفدع» 2011، جائزة نوبل في الأدب عن رواية «الذرة الرفيعة الحمراء».