يشكل معدل البطالة أحد المؤشرات الاقتصادية الرئيسية التي تعكس ديناميكية سوق العمل ومدى قدرة الاقتصاد على توليد فرص تشغيل جديدة وعندما ينخفض هذا المعدل يكون ذلك إشارة إلى تحسن النشاط الاقتصادي وزيادة الطلب على العمالة وهو ما يؤثر بشكل مباشر على مستوى المعيشة والاستقرار الاجتماعي وخلال الربع الرابع من عام 2024 شهدت مصر تراجعا في معدل البطالة إلى 6.4% ما يعكس تطورات إيجابية في السوق مدفوعة بعدة عوامل اقتصادية واستثمارية ولكن هذا الانخفاض ليس سردا نقصه دون تدبر فما هذا الرقم إلى جملة من التحرك حيث يبدأ مما يشهده الاقتصاد من تحسن ملحوظ في معدلات النمو مدفوعاً بزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية خاصة في قطاعات البنية التحتية والطاقة والتصنيع من ناحية أخرى فقد شهد القطاع الخاص نمواً في أنشطته مدعوما بإصلاحات اقتصادية وسياسات تحفيزية مثل دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ما أدى إلى زيادة الطلب على العمالة كما أن تحسن بيئة الأعمال ساهم في زيادة عدد الشركات الناشئة والمشروعات الاستثمارية.
ومع تحسن الظروف العالمية وزيادة أعداد السائحين القادمين إلى مصر شهد قطاع السياحة انتعاشا ملحوظا ما أدى إلى توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة خاصة في الفنادق والمطاعم وخدمات النقل والأنشطة الترفيهية زاوية أخرى تتمثل في استمرار الدولة في تنفيذ مشروعات قومية كبرى مثل مشروعات الإسكان والبنية التحتية وتطوير قطاع الطاقة مما أدى إلى خلق آلاف الوظائف في مجالات البناء والتشييد والصناعات المرتبطة بها كما قامت الحكومة بتعزيز برامج التدريب المهني والتشغيل والتي تستهدف دمج الشباب في سوق العمل من خلال توفير برامج تدريب وتأهيل في مجالات متعددة ما عزز من قدرة الباحثين عن عمل على الانخراط في وظائف جديدة.
أما آثار هذا الانخفاض فنراها في ارتفاع دخل الأفراد وزيادة القدرة الشرائية ما يعزز الطلب المحلي على السلع والخدمات وهو ما يسهم في نمو الاقتصاد فمع توافر فرص العمل تتحسن الظروف الاقتصادية للأسر مما يساهم في تقليل معدلات الفقر وعدم المساواة وبالتالي المساعدة في تخفيف الضغوط الاجتماعية والاقتصادية وبالطبع مع زيادة التشغيل وارتفاع الأجور تزداد الإيرادات الضريبية للحكومة مما يمكنها من تمويل مزيد من المشاريع التنموية والخدمات العامة مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية لذا يعتبر انخفاض البطالة عاملا مهما في تحقيق الاستقرار الاجتماعي حيث يقلل من معدلات الفقر والجريمة والاضطرابات الاجتماعية كما يزيد من ثقة المواطنين في السياسات الاقتصادية للحكومة.
وهنا لا يجب أن ننسى أن هناك تحديات كالتضخم وارتفاع تكاليف المعيشة فرغم التحسن في سوق العمل إلا أن معدلات التضخم المرتفعة قد تحد من القوة الشرائية للمواطن مما قد يؤثر سلبا على الاستهلاك والاستثمار وبالتالي قد يحد من قدرة الشركات على التوسع في التوظيف وما زلنا عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية مثل ارتفاع أسعار الطاقة وأسعار الفائدة العالمية التي قد تؤثر على تدفقات الاستثمار الأجنبي وقدرة الشركات على التوسع كما لا يزال القطاع غير الرسمي يمثل نسبة كبيرة من سوق العمل ما يقلل من فاعلية بعض السياسات الاقتصادية ويحد من الاستفادة الكاملة من القوى العاملة.
وعلى أي حال يمثل انخفاض معدل البطالة في مصر إلى 6.4% مؤشرا إيجابيا على تعافي الاقتصاد مدعوما بنمو الاستثمار وانتعاش القطاعات الاقتصادية الرئيسية وتوسع المشروعات القومية لذا يجب تعزيز سياسات التدريب المهني ودعم الشركات الناشئة والعمل على تقليل التضخم لضمان زيادة القوة الشرائية للمواطن وإدماج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي لضمان استدامة النمو الاقتصادي وتحقيق فرص عمل أكثر استقرارا ودخلا أعلى للمواطنين.
أما حزب "المشككين" والمرتابون دائما فلا عزاء لهم وعليهم أن يفهموا أن انخفاض معدل البطالة في مصر إلى 6.4% خلال الربع الرابع من عام 2024 ليس مجرد رقم إحصائي بل هو انعكاس لتحولات اقتصادية ملموسة تدعمها بيانات حقيقية مثل نمو الاستثمارات وتوسع المشروعات القومية وتعافي القطاعات الحيوية كالسياحة والصناعة وإن أي تشكيك في هذا التراجع يكذبه ما سبق تحليله من مؤشرات واقعية وتغيرات في سوق العمل حيث أسهمت عوامل متعددة في خلق فرص التشغيل وزيادة أعداد المشتغلين.