السبت 1 مارس 2025

عرب وعالم

"فورين بوليسي": الفرصة سانحة لصفقة محتملة بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية

  • 1-3-2025 | 11:17

ترامب وزعيم كوريا الشمالية

طباعة
  • دار الهلال

خلال مؤتمره الصحفي مع رئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا في السابع من شهر فبراير، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على علاقته الشخصية الجيدة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، قائلا: "إن التفاهم معه يشكل ميزة كبيرة للجميع".

وفي هذا الصدد، تساءلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية عما إذا ينبغي للولايات المتحدة أن تستأنف المحادثات مع كوريا الشمالية خلال فترة الولاية الثانية لترامب أم لا؟!

وأوضح ترامب أيضا، خلال المؤتمر الصحفي مع إيشيبا، أن محادثاته مع كيم خلال ولايته الأولى أوقفت الحرب في شبه الجزيرة الكورية. وبصرف النظر عما إذا كان هذا صحيحا أم لا، فإن ترامب تعامل بالتأكيد بشكل أفضل مع كوريا الشمالية مقارنة بسلفه باراك أوباما الذي ألقى خطابات جميلة، لكنه بدا –وفقا للمجلة الأمريكية- ضعيفا في نظر العديد من البلدان في شرق آسيا، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة وشركائها. فلمدة ثماني سنوات، لم يفعل أوباما شيئا بشأن كوريا الشمالية، ووصف سياساته حيالها بأنها سياسة "الصبر الاستراتيجي"، والتي أدت في النهاية إلى تآكل الردع وسمحت لبيونج يانج بتطوير برامجها الصاروخية والنووية.

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أنه عقب تولي ترامب السلطة، وفي أغسطس 2017، هدد كيم جزيرة غوام، وهي إقليم أمريكي وقاعدة عسكرية رئيسية في المحيط الهادئ، بالصواريخ. ورد ترامب على ذلك بالوعيد بإمطار بيونج يانج "بالنار والغضب". ومنذ ذلك الحين، لم تختبر كوريا الشمالية صاروخا بعيد المدى على أي مسار من شأنه أن يقربها من غوام.

وبعد استعادة قوة الردع، التقى ترامب بكيم ثلاث مرات: في سنغافورة عام 2018، وفي هانوي عام 2019، وفي المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل بين كوريا الشمالية والجنوبية، في عام 2019.

ورأت "فورين بوليسي" أن هذه الاجتماعات فشلت لأنها كانت معدة بشكل سيئ وحددت هدفا غير واقعي لـ"نزع السلاح النووي"، وأن توقع ما يسميه المسؤولون الأمريكيون "نزع السلاح النووي الكامل والقابل للتحقق ولا رجعة فيه" للبرنامج النووي لكوريا الشمالية هو "مهمة حمقاء".

وأكدت المجلة الأمريكية أنه لا يوجد أي احتمال لتخلي كوريا الشمالية عن برامجها النووية أو الصاروخية، خاصة وأن بقاء النظام الكوري قضية وجودية، وبيونج يانج تعتبر هذه البرامج ضرورية للغاية لضمان هذا الهدف. كما أنه لا يوجد حافز يمكن تقديمه لبيونج يانج - أو تكلفة يمكن فرضها - يمكن أن تقنعها أو تجبرها على التخلي عن برامجها سالفة الذكر، لأن القيام بذلك يعادل فتح الباب لتغيير النظام هناك.

وأوضحت المجلة أن أهداف الولايات المتحدة لنزع السلاح النووي تشكل عقبة أمام التعامل مع البرنامج النووي لكوريا الشمالية بطريقة عملية وواقعية. وتجدر هنا الإشارة إلى أن ترامب وبشكل عملي ومفاجيء، وصف في وقت سابق من هذا العام، كوريا الشمالية، بأنها "قوة نووية". وانتقده المتشددون في مجال منع الانتشار النووي لقيامه بذلك، لأن معاهدة منع الانتشار النووي تعترف فقط ببريطانيا وفرنسا والصين وروسيا والولايات المتحدة كقوى نووية رسمية. ومع ذلك، كان ما قاله ترامب مجرد وصف بسيط لحقيقة واقعة.

وترى "فورين بوليسي" أن كوريا الشمالية عقلانية، ويمكن التعامل معها بنفس الطريقة التي يتم التعامل بها مع جميع الدول الحائزة على الأسلحة النووية، من خلال الردع القوي والدبلوماسية الماهرة. وقد كانت إدارة ترامب الأولى قوية ولكنها لم تكن بارعة، لذا فإن محاولة الدبلوماسية مرة أخرى مع بيونج يانج لن تكون خطأ.

فعلى الرغم من خطابها الملتهب، فقد استبعدت المجلة الأمريكية إلى حد كبير أن تبدأ كوريا الشمالية حربا أخرى لإعادة التوحيد، كما فعلت في عام 1950. فالحرب من شأنها أن تعرض بقاء النظام هناك للخطر. إضافة إلى أنه على الرغم من الخبرة القتالية التي تكتسبها القوات الكورية الشمالية الآن في حرب روسيا وأوكرانيا، إلا أن الجيش الكوري الجنوبي متفوق من الناحية التكنولوجية على القوات التقليدية لجارته، وقد يؤدي غزو كوريا الجنوبية إلى جذب قوات إضافية من الولايات المتحدة واليابان وربما أستراليا.

ودللت المجلة على ما ساقته بشأن استبعاد الصدام المسلح بالإشارة إلى قرار الزعيم الكوري الشمالي في يناير 2024، بالتخلي عن إعادة التوحيد السلمي كهدف سياسي، والأمر بهدم قوس إعادة التوحيد في بيونج يانج، ما يعد بمثابة اعتراف محتمل ببقاء الكوريتين (كدولتين وليس دولة واحدة)، ما يعد بداية لتحرك صحي للخروج من الظلال العميقة لإرث والده وجده.

وبينت المجلة أن سياسة كيم تقوم على "بيونج جين" أو (التنمية الموازية)، والتي بدأت عام 2016، وتضع التركيز على التنمية العسكرية والاقتصادية على قدم المساواة، على عكس سياسة والده "سونجون" (السياسة العسكرية أولا).

كما أنه في فبراير 2024، ذكرت وسائل الإعلام الكورية الشمالية أن كيم قال إنه "يشعر بالخجل والأسف" لإهمال التنمية الاقتصادية خارج بيونج يانج العاصمة، ودعا إلى "ثورة صناعية ريفية". لذا، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هو: مع احتمال رضا كيم عن التقدم الذي أحرزته بلاده في مجال الأسلحة النووية والصواريخ، فهل يعود إلى الدبلوماسية من أجل تعزيز أجندته الاقتصادية؟!
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن الكوريتين غير مهتمتين حاليا بإعادة التوحيد. وإنه من أجل الحد من خطر سوء التقدير، فمن الأفضل أن تتعامل الدولتان مع بعضهما البعض كدولتين منفصلتين ذات سيادة.

وهذا يتطلب من الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية الاعتراف رسميا بكوريا الشمالية وإبرام معاهدة سلام معها.

وقد يزعم البعض أن معاهدة السلام من شأنها أن تكافئ السلوك السيئ، وبالتالي تشجعه. ولكن هذا غير مقنع؛ فمكافأة السلوك السيئ ليست بالأمر الجديد في العلاقات الدولية.

وأكدت "فورين بوليسي" أن العقوبات لم تنجح مع بيونج يانج، كما أن أوان شن حرب عليها قد ولى، لذا فإن المناقشات حول ضبط الأسلحة ومنع الانتشار إلى دول ثالثة، هي الأهداف الواقعية الوحيدة للدبلوماسية مع كوريا الشمالية.

وحول السياسات المتبعة سابقا مع بيونج يانج، انتقدت المجلة الأمريكية وضع إدارة الرئيس السابق جو بايدن، الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية في فئة أيديولوجية واحدة، حيث إن هذه السياسة تتجاهل الاختلافات في كيفية تحديد هذه الدول الأربع لمصالحها، ودرجة اندماجها في الاقتصاد العالمي، ونطاق طموحاتها، داعية إلى أن تكون هذه الاختلافات نقطة البداية للدبلوماسية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في ولاية ترامب الثانية.

وشددت المجلة على أن واشنطن هي الوحيدة التي لديها فرصة لتغيير بيونج يانج، وأنه يجب استثمار انتهاج الزعيم الكوري الحالي لسياسات مغايرة لوالده وجده، حيث سبق وأكد قبل أيام أن "بلاده لا تريد توترا غير ضروري للوضع الإقليمي، ولكنها ستتخذ تدابير مضادة مستدامة لضمان التوازن العسكري الإقليمي"، منتقدا (كيم) في الوقت نفسه الولايات المتحدة لخلق ما وصفه بـ "اختلال في التوازن العسكري في شمال شرق آسيا".

وتساءلت "فورين بوليسي" عن ماهية التوازن المناسب لمعالجة الشكوك الكورية الشمالية؟ وعما إذا كان الأمر يتطلب التخلي عن صواريخ بيونج يانج بعيدة المدى، والتي تشكل مصدر القلق الرئيسي لدى واشنطن، مقابل قبول الولايات المتحدة للصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى التي تهدد اليابان وكوريا الجنوبية؟.

وأكدت المجلة أن معالجة واشنطن لهذه المعضلة هو مفتاح الحل للملف الكوري، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنه بالنسبة لكوريا الجنوبية واليابان وبصرف النظر عن قراراتهما بشأن الردع النووي المستقل، فمن الحكمة أن تفتح سيول وطوكيو قنواتهما الدبلوماسية الخاصة لبيونج يانج أيضا، بدلا من ترك هذه العلاقة الحاسمة بالكامل في أيدي واشنطن الأقل قابلية للتنبؤ، خاصة وأن مصالح الولايات المتحدة في كوريا الشمالية تختلف عن مصالح اليابان وكوريا الجنوبية.

الاكثر قراءة