الثلاثاء 4 مارس 2025

مقالات

مدرسة القرآن

  • 4-3-2025 | 15:18
طباعة

مصر هنا الحضارة يا تاريخ شاهدة.

مصر هنا الحضارة أهرام مشيدة.

أتى السحاب على قدم يحييها.

عظيمة يا مصر منذ أوجدك الله على الأرض ورعاك، وسوف تظل في رعاية من الله تعالى وأمن وسلام، ففيها كلم الله موسى تكليمًا، قال تعالي: ( فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى(13) ) ( طه : ١1 – ١٣).

تولت مصر حاضرة الثقافة والعلوم في مختلف أنواعها، وجسد الدور الديني فيها الصدارة في المشهد العربي والعالمي، ألا يكفينا الأزهر الشريف راعي لكل هذا بكل مؤسساته التي تخدم الشريعة الإسلامية السمحاء.

وأما حديثنا الذي نحن بصدده الآن عن دولة التلاوة، ووصف مصر بهذا الدور الرائد في تلاوة القرآن الكريم، كتاب الله تعالى ووحيه الذي أنزله على رسوله (ﷺ)، فاكتمل به الدين، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: ٣ )، فقد تصدرت مصر مشهدًا عظيمًا في التلاوة والإنشاد الديني.

فمصر هي عاصمة دولة التلاوة، وكانت ولا تزال عبر التاريخ منبع الخير كله، فهي بلد الحضارة  التي تمتد لآلاف السنين، وكانت ملاذًا وأرضًا للأنبياء ومقصدًا لأهل البيت والصالحين، وتربة خصبة للمجددين والعلماء، وكرمها الله سبحانه وتعالى بالذكر في القرآن الكريم، كتاب الله الذي نزل في مكة، وقُرئ في مصر بأصوات باتت نبراسًا وضياءً للمسلمين في شتى بقاع الأرض، وإن مدرسة القرآن المصرية  كانت وما زالت هي الأولى والأشهر والأكثر نفوذًا وتأثيرًا بكل ما تتفرد به من بصمة خاصة في فن الأداء، وما تتميز به من الحفظ التام، وحلاوة الصوت الذي يصل بالمعنى إلى شغاف القلوب.

إن هذه الروح المصرية التي تصدرت مشهد التلاوة للقرآن الكريم، خرجت في محراب الإيمان والسمو الروحي الذي أصبح سمة للروح والعقل والمشيئة الإلهية، لأن يصبح أهم سبعة قراء في العالم من مصر، وهم: الشيخ محمد رفعت، والشيخ محمد صديق المنشاوي، والشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ محمود خليل الحصري، والشيخ محمود على البنا، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والشيخ محمد محمود الطبلاوي، وما زالت دولة التلاوة تبرز لنا قامات شامخة تسير على منهج هؤلاء وخطواتهم العظيمة عندما خرج علينا فضيلة العالم الجليل الدكتور على جمعة مؤكدًا على أن مصر هي دولة التلاوة، لم يكن هذا الأمر لمجرد تسليط الضوء على دور مصر الرائد في قراءة القرآن الكريم، بل هو الإبصار الصحيح الواعي بتلك الخبرات السابقة والحالية التي أحدثت الريادة المصرية في قراءة القرآن الكريم.

الشيخ محمد رفعت: (9 مايو 1882 - 9 مايو 1950) من مواليد القاهرة، قارئ مصري، ويعد أحد أعلام هذا المجال البارزين، ويلقبونه بقيثارة السماء، وهو من افتتح بث الإذاعة المصرية سنة 1934م.

  كان الشيخ محمد رفعت ذا صوت جميل ببصمة لا تتكرر، وأسلوب فريد ومميز في تلاوة القرآن، وكان يتلو القرآن بتدبر وخشوع يجعل سامعه يعيش معاني القرآن الكريم ومواقفه بكل جوارحه لا بأذنه فقط، فكان يوصل رسالة القرآن ويؤثر بمستمعي تلاوته، وكان يبدأ بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والبسملة والترتيل بهدوء وتحقيق، وبعدها يعلو صوته، فهو خفيض في بدايته ويصبح بعد وقت ليس بالطويل غالبًا «عاليًا» لكن رشيدًا يمسُّ القلبَ ويتملكه ويسرد الآيات بسلاسة وحرص منه واستشعار لآيات الذكر الحكيم.

كان اهتمامه بمخارج الحروف كبيرًا، فكان يعطي كل حرف حقه، بل لكي يصل المعنى الحقيقي إلى صدور الناس، وكان صوته حقًا جميلاً رخيمًا رنانًا، وكان ينتقل من قراءة إلى قراءة ببراعة وإتقان وبغير تكلف، وقد امتلك الشيخ محمد رفعت طاقات صوتية هائلة، جعلته يستطيع الانتقال بسلاسة شديدة بين المقامات في أثناء تلاوته للقرآن الكريم، ليس هذا فحسب، بل إنه امتلك القدرة على تراسل الحواس لدى المستمعين، فيعلم متى يبكيهم، ومتى يبهجهم من خلال آيات الترغيب والترهيب في كتاب الله عز وجل، فقد أوتي مزمارًا من مزامير داود، وإذا ما وضعنا جماليات الصوت جانبًا لننتقل إلى قوته، فإن صوته كان قويًا لدرجة أنه يستطيع من خلاله الوصول لأكثر من ثلاثة آلاف شخص في الأماكن المفتوحة.

 الشيخ مُحَمَّد صِدِّيق الْمِنْشَاوي:

(20يناير 1920 - 20يونيو 1969) قارئ قرآن مصري، سجل المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم، وكان قارئًا في الإذاعة المصرية، توفي مبكرًا إثر مرض عن 49 عامًا.

للشيخ المنشاوي بصمة خاصة في التلاوة، يتميز بصوت خاشع ذي مسحة من الحزن، فلُقِّب الشيخ محمد صديق المنشاوي بـ«الصوت الباكي»، ابتدأت رحلته مع التلاوة بتجواله مع أبيه وعمه بين السهرات المختلفة، حتى سنحت الفرصة له كي يقرأ منفردًا في ليلة من عام 1952م بمحافظة سوهاج، ومن هنا صار اسمه يتردد في الأنحاء.

سجل القرآن الكريم كاملًا في ختمة مرتلة، كما سجل ختمة قرآنية مجودة بـالإذاعة المصرية، وله كذلك قراءة مشتركة برواية الدوري مع القارئين كامل البهتيمي وفؤاد العروسي، وله أيضًا العديد من التسجيلات في المسجد الأقصى والكويت وسوريا وليبيا، تلا القرآن في المساجد الرئيسية في العالم الإسلامي، كالمسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة، والمسجد الأقصى في القدس، وزار عددًا من الدول الإسلامية كالعراق وإندونيسيا وسوريا والكويت وليبيا وفلسطين والسعودية.

ذاع صيته ولقي قبولًا حسنًا لعذوبة وجمال صوته وانفراده بذلك، إضافة إلى إتقانه لمقامات القراءة، وانفعاله العميق بالمعاني والألفاظ القرآنية، حصل الشيخ «المنشاوي» على أوسمة عدة من دول مختلفة، كإندونيسيا وسوريا ولبنان وباكستان، وكان على رأس قراء مصر في حقبة الخمسينيات من القرن العشرين مع قراءٍ مثل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وغيرهم من القراء، والذين لا زالوا إلى يومنا هذا على رأس القراء المستمع لهم، لما عندهم من رونق في أصواتهم، قال عنه إمام الدعاة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي: «أنه ورفاقه الأربعة مقرئون؛ الآخرون يركبون مركبًا ويبحرون في بحر القرآن الكريم، ولن يتوقف هذا المركب عن الإبحار حتى يرث الله - سبحانه وتعالى- الأرض ومن عليها».

الشيخ مصطفى إسماعيل:

(17يونيو 1905 - 26ديسمبر 1978) قارئ قرآن مصري، يُعد من أبرز شيوخ التلاوة في مصر والعالم الإسلامي، وأتقن المقامات، وقرأ القرآن بأكثر من 19 مقامًا بفروعها وبصوت عذب وأداء قوي، وقد عُرف عنه أنه صاحب نَفَس طويل في القراءة التجويدية،  وقد سجَّل بصوته تلاوة القرآن الكريم كاملًا مرتلًا، وترك وراءه ألف وثلاثمائة تلاوة لا تزال تبث عبر إذاعات القرآن الكريم، ركّب في تلاوته النغمات والمقامات بشكل استحوذ على إعجاب المستمعين، وكان ينتقل بسلاسة من نغمة إلى أخرى، ويعرف قدراته الصوتية بشكل جيد، وكيف يستخدمها فی الوقت المناسب، استطاع أن يمزج بين علم القراءت، وأحكام التلاوة، وعلم التفسير، وعلم المقامات، وكان يستحضر حجة القرآن في صوته ويبثها في أفئدة المستمعين لاستشعار جلال المعنى القرآني، وكان أول قارئ يسجل في الإذاعة المصرية دون أن يمتحن فيها، واختاره الملك فاروق قارئًا للقصر الملكي، وكرَّمه عبدالناصر وأخذه معه السادات في زيارته للقدس.

حصل الشيخ مصطفى إسماعيل على وسام الاستحقاق من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وعلى وسام الأرز من لبنان عام 1958، ووسام الفنون عام 1965، ووسام الامتياز عام 1985 من الرئيس مبارك، ووسام الاستحقاق من سوريا، كما حصل على أعلى وسام من ماليزيا، و وسام الفنون من تنزانيا، وقد تلقى الشيخ إسماعيل الدعوات والطلبات من دول عربية وإسلامية للقراءة فيها، فلبّى تلك الدعوات، وسافر إلى العديد من تلك الدول، وقرأ فيها.

الشيخ محمود خليل الحصري: (17 سبتمبر 1917 - 24 نوفمبر 1980) قارئ قرآن مصري، ويعد أحد أعلام هذا المجال البارزين، من مواليد قرية شبرا النملة، طنطا، محافظة الغربية، له العديد من المصاحف المسجلة بروايات مختلفة، كان والده قبل ولادته قد انتقل من محافظة الفيوم إلى هذه القرية التي ولد فيها، وهو قارئ قرآن مصري أجاد قراءة القرآن الكريم بالقراءات العشر.

ويمكن أن نطلق على الشيخ محمود خليل الحصري لقب «حارس القرآن» و«وزير دولة التلاوة»؛ إذ كان صاحب أداءٍ فذ في القراءة المتقنة والالتزام الصارم بالأحكام، من هنا يمكن فهم الحرص على تسجيلات الشيخ الحصري وبثها عبر إذاعة القرآن الكريم منذ انطلاقها في 25 مارس 1964، كان ابن قرية شبرا النملة في محافظة الغربية صاحب مدرسة في التلاوة اعتبرها كثيرون «الميزان» الذي يمكنك أن تقيس عليها وتحتكم إليها.

الشيخ محمود علي البنا:

(17ديسمبر 1926 - 20يوليو 1985) قارئ قرآن مصري، ويعد أحد أعلام هذا المجال البارزين، من مواليد قرية شبرا باص مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، حفظ القرآن الكريم في كتاب القرية على يد الشيخ موسى المنطاش، وأتم حفظه وهو في الحادية عشرة، ثم انتقل إلى مدينة طنطا لدراسة العلوم الشرعية بالجامع الأحمدي، وتلقى القراءات فيها على يد الإمام إبراهيم بن سلام المالكي.

ويُنظر إلى الشيخ محمود علي البنا على أنه أمير قرآن الفجر وملك «القفلات»، والذين عاشوا زمن البنا وسعدوا بالاستماع إليه في تلاواته الحية، يدركون معنى الأجواء الملائكية التي كانت تحف بهذه المجالس، خاصة في تلاوات صلاة الفجر، حيث كان يتجلى فيها صوته ويصل بأدائه إلى ذُرىً رفيعة.

الشيخ عبد الباسط عبد الصمد:

(1345هـ - 1409هـ/ 1927م - 1988م)، قارئ قرآن مصري، ويُعَد أحد أعلام هذا المجال البارزين، وقد لُقّب بـ«صوت مكة»، حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ محمد الأمير شيخ كتاب قريته، وأخذ القراءات على يد الشيخ المتقن محمد سليم حمادة، دخل الإذاعة المصرية سنة 1951م، وكانت أول تلاواته من سورة فاطر، عُيّن قارئًا لمسجد الإمام الشافعي سنة 1952م، ثم لمسجد الإمام الحسين سنة 1958م خلفًا للشيخ محمود علي البنا، ترك للإذاعة ثروة من التسجيلات، إلى جانب المصحفين المرتل والمجود، ومصاحف مرتلة لبلدان عربية وإسلامية، جاب بلاد العالم سفيرًا لكتاب الله، وكان أول نقيب لقراء مصر سنة 1984م.

بدأ الشيخ عبد الباسط رحلته الإذاعية في رحاب القرآن الكريم منذ عام 1952م، وانهالت عليه الدعوات من شتى بقاع الدنيا في شهر رمضان وغيرهِ.

وكانت بعض الدعوات توجه إليه ليس للاحتفال بمناسبة معينة، وإنما كانت الدعوة للحضور إلى الدولة التي أرسلت إليه لإقامة حفل بغير مناسبة، وإذا سألتهم عن المناسبة التي من أجلها حضر الشيخ عبد الباسط، فكان ردهم (بأن المناسبة هو وجود الشيخ عبد الباسط)، فكان الاحتفال بهِ ومن أجلهِ؛ لأنه كان يضفي جوًا من البهجة والفرحة على المكان الذي يحل به.

وأطلق عليه الكثير من الألقاب مثل: سفير القرآن الكريم، والحنجرة الذهبية، وصوت مكة، تميز صوته وتفرد بنبرة ملائكية بها خشوعًا لا مثيل له.

محمد محمود الطبلاوي:

(14 نوفمبر 1934م - 12 رمضان 1441هـ / 5 مايو 2020م) قارئ قرآن مصري، وأحد أعلام هذا المجال البارزين، من مواليد مركز تلا بمحافظة المنوفية، تعود أصوله إلى محافظتي الشرقية والمنوفية، قرأ القرآن وانفرد بسهرات قرآنية كثيرة منذ الثانية عشرة من عمره، كما دُعِي لإحياء مآتمِ كبارِ الموظفين وشخصيات بارزة لعائلات معروفة، سجلت تلاواته على غرار مشاهير القراء الإذاعيين قبل أن يبلغ الخامسة عشرة، «آخر حبة في سبحة المقرئين العظام» بفضل صوته الذي يمتاز بالحلاوة والطلاوة.

وفي النهاية نتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى هذا البرنامج الذي صدر عن التليفزيون المصري عن دولة التلاوة، وأشاد بكل القراء، وأشاد بحضارة مصر العريقة، وأشاد بالدور الحيوي والبناء لمصر، ودور الأزهر الشريف.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة