الخميس 6 مارس 2025

مقالات

المثقفون ومواجهة الفكر المتطرف


  • 6-3-2025 | 11:32

د. أشرف مؤنس

طباعة
  • د. أشرف مؤنس

المثقفون يقع عليهم دور كبير في عملية بناء المجتمع الذي يعيشون فيه، بناء مجتمع صالح، متماسك، راقٍ، متطور، يسوده الأمن والأمان والاستقرار والسلام والمحبة. 

في البداية لا بد أن نجيب على التساؤلات التالية، هل كل متعلم مثقف؟ أو بمعنى آخر ما الفرق بين المتعلم والمثقف؟ وما المقصود بالفكر المتطرف؟ وما هي آثاره ومظاهره وأسبابه؟ وما هي الحلول التي يجب أن تقدم لمواجهة هذا الفكر المتطرف؟ ومن هنا يأتى السؤال ما هو دور المثقف في المجتمع؟

يوجد فرق كبير بين المتعلم والمثقف، "المتعلم" هو الشخص الذي حصل على شهادة تثبت أنه يقرأ ويكتب، وقد يكون حاصلاً على شهادة جامعية ولا يعني مطلقًا أنه شخص مثقف، بل هو شخص متعلم. أما "المثقف" هو الشخص الذي لديه من الإدراك والاطلاع ما يكفي لفهم محيطه، ويستطيع تحليل معطيات الواقع للوصول إلى نتائج سليمة. المثقف هو الشخص الملتزم والواعي اجتماعيًا، بحيث يكون بمقدوره رؤية المجتمع والوقوف على مشاكله وخصائصه وملامحه وملم بقضايا مجتمعه والعالم الذي يعيش فيه.

 وتدور حياته أو عمله حول دراسة الأفكار واستخدامها، ويكون لديه قدرة على التفكير وفهم الأشياء، وخاصة الأفكار المعقدة، ولديه قدرة على إدراك هذه الأفكار، وإيجاد حلول.

المثقف لا يسكن في بطون الكتب، بل شخص تخرج منها إلى آفاق أرحب وأوسع، لخدمة المجتمع. 

إذن المثقفون هم أولئك الذين يتمتعون بالحكمة والبصيرة المتنوعة، والذين يطبقون فكرهم ورؤاهم التطلعية إلى المستقبل، بهدف إيقاظ المجتمع، وهم يساعدون في تحويل الجماهير عن ما هو غير حكيم وخاطئ إلى ما هو صالح وآمن.

ومن هذا المنظور فمن الواضح أن مناقشة دور المثقف، هي مناقشة للمسؤولية المجتمعية، ولذا يقول أينشتاين: "إن العَالم مكان خطير ليس بسبب أولئك الذين يرتكبون الشر، بل بسبب أولئك الذين يراقبون ولا يفعلون شيئاً".

إذن المثقفون يجب أن يكون لهم دور فاعل ومؤثر على كل المستويات، ويتحملون مسؤولية كبيرة تجاه مجتمعاتهم، ويتعين عليهم أن يستخدموا قدراتهم للمساهمة في توجيه المجتمع والتواصل الجيد.

وعلى المثقفين أن يلعبوا دورًا كبيرًا في حل مشكلات المجتمع الذي يعيشون، فيه  بفكرهم المعتدل الوسطي لمواجهة الفكر المتطرف.

وهنا يأتي السؤال ما المقصود بالفكر المتطرف؟ وما هي آثاره؟ وما هي مظاهره؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الفكر المتطرف؟

الفكر المتطرف، ظاهرة اجتماعية خطيرة، ويقصد بها اتخاذ الفرد منهجًا معينًا نحو المواضيع الحياتية كافة، ويكون خارجًا عن الاعتدال وبعيدًا عن الوسطية، وتكون أفكاره متناقضة مع الأفكار والعادات السائدة بين الأفراد في المجتمع، ويكون الشخص متعصبًا لأفكاره، فلا يردعه دين ولا أخلاق ولا مجتمع عن تغيير معتقداته!! ظنًا منه أن منهجيته هي الحقيقة التامة التي لا يشوبها أي باطل!!

وهذه الأفكار تنعكس على المجتمع جراء هذا التطرف الفكري، وتؤدي إلى تدمير البنية الأساسية للمجتمع، حيث يكون هذا الشاب أو صاحب هذا الفكر الضال في حالة ضياع وانحراف،  ويُعتبرون أداة لتدمير الدولة وتخريبها، بدلاً من حمايتها وتعميرها، ويلجاؤن إلى العنف والقتل والاغتيال؛ وبالتالي يعرضون أمن الدولة إلى الخطر.

ومن مظاهر هذا الفكر المتطرف التربية الاجتماعية الخاطئة التي تقوم على عدم تقبل آراء الآخرين، والاستعلاء عليهم وتحقيرهم.. ومن هنا يبرز دور المثقفين في التأثير على المجتمع من خلال شخصية المثقف وأعماله التي تنعكس مباشرة على من حوله في المجتمع، خاصة إذا كان المثقف يتصف بالتواضع، وعدم الاستعلاء على الآخرين، ويكون نموذجًا وقدوة يقتضي به الآخرون،  ومن ثم يسهم في تحسين سلوكيات المجتمع.

إن المسؤولية الملقاة على كاهل المثقفين في بناء الأوطان وتنميتها تدفع عجلة التقدم والازدهار في الوطن إلى الأمام. ولذا يجب على المثقف استيعاب الآخر، ويحسن فن التعامل مع الآخرين ومعرفة أسباب تطرفهم، ويلعب دورًا مهمًا من خلال نشر أفكار التسامح والاعتدال والوسطية، ويكون للمثقف دوره البارز عبر وسائل متعددة منها الإبداع، والكتابة، والندوات، والمؤتمرات، والمحاضرات العامة، والبرامج الإعلامية "تليفزيون- راديو- وسائل تواصل اجتماعي"، وهناك عدة آليات لمعالجة الفكر المتطرف، منها العمل على تحسين تفكير الأفراد من خلال وضع برامج تعمل على إكسابهم المهارات والخبرات بكل المجالات، أيضًا من خلال وسائل الإعلام وعرض الحقائق والعمل على نفي مزاعم التطرف الكاذبة عن طريق المعلومات الصحيحة من الجهات الرسمية، وكذلك التأكيد على دور الأسرة، ومؤسسات التعليم في ترسيخ القيم والاخلاق العليا للأبناء من خلال التربية وربط الجهاز التعليمي بالمجتمع المحلي.

يجب على المثقف أيضًا أن يكون مستوعبًا للتطورات التكنولوجية في ظل الثورة الرقمية، واكتساح المعرفة الإلكترونية المتدفقة كالسيل الجارف، التي فتحت أبواب واسعة لتكنولوجيا الاتصال الحديثة التي ربطت العالم ببعضه وجلبت معها ثقافات وأفكار جديدة على المجتمعات، وأصبح اندماج أفراد المجتمع بهذه التقنيات اندماجًا مقرونًا بالتأثير على مستقبل الشباب وسلوكياتهم واتجاهاتهم وميولهم.

ولذا يجب على المثقف توجيه الشباب بأخذ النافع وتجنب الضار، وتوعيه أفراد المجتمع ضمن هذا الإطار بالاستناد على قيم الأصالة والتراث،  استنادًا إلى العلاقة الطردية التي تشير إلى أنه كلما تصاعد دور المثقفين والمفكرين والمصلحين في التوعية المجتمعية،  كانت الرؤية واضحة في المجتمع حول المستقبل ومتطلباته.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة