شهد تاريخ الحضارة الإسلامية العديد من العلماء البارزين الذين قدموا إسهامات كبيرة في مجالات معرفية متنوعة مثل: العلوم التطبيقية، الدينية، اللغوية، الفلسفية، الطبية، والاجتماعية، وقد أسس هؤلاء العلماء قواعد ومناهج علمية راسخة في أبرز العلوم التي استفاد منها الإنسان على مر العصور وحتى يومنا هذا.
وفي سلسلة خاصة تقدمها بوابة «دار الهلال» خلال شهر رمضان المبارك، سنستعرض يوميا أحد هؤلاء العلماء المسلمين المبدعين ونلقي الضوء على إسهاماتهم العظيمة في مختلف ميادين المعرفة.
نبدأ في حلقتنا الأولى بالتعرف على أبرز علماء اللغة العربية والأدب، الذين قدموا أعمالاً قيمة أثرت هذا المجال وأسهمت في تقدمه.
اليربوعي التميمي
يعد جرير بن عطية الكلبي اليربوعي التميمي (33 هـ - 110 هـ/ 653 - 728 م) من أشهر شعراء العرب في فن الهجاء وكان بارعًا في المدح أيضًا، وكان من أشعر أهل عصره، ولد ومات في نجد، وهي أحد أقاليم شبه الجزيرة العربية.
ظل جرير عمره كله يناضل شعراء عصره ويساجلهم ولم يثبت أمامه أحدًا سور إثنين الفرزدق والأخطل، حيث أن حياته الشعرية بدأت بنقائض ضد شعراء محليين ثم اتجه إلى الفرزدق «ولج الهجاء بينهما نحوا من أربعين سنة» وإن شمل بهجائه أغلب شعراء زمانه مدح بني أمية ولازم الحجاج زهاء العشرين سنة.
واتفق علماء الأدب وأئمة نقد الشعر على أنه لم يوجد في الشعراء كلهم الذين نشأوا في ملك الإسلام أشعر وابلغ من جرير والفرزدق والأخطل ولكن الاختلاف حال بينهم فيمن من الثلاثة أشعر من الآخر.
تميز أسلوب جرير بسهولة الألفاظ وهي ظاهرة واضحة في جميع شعره، وبها يختلف عن منافسيه الفرزدق والأخطل اللذين كانت ألفاظهما أميل إلى الغرابة والتوعر والخشونة، وقد أوتي جرير موهبة شعرية ثربة، وحسا موسيقيا، ظهر أثرهما في هذه الموسيقى العذبة التي تشيع في شعره كله، وكان له من طبعه الفياض خير معين للإتيان بالتراكيب السهلة التي لا تعقيد فيها ولا التواء، فكأنك تقرأ نثراً لا شعراً.
وكان لحياة جرير البدوية أثرها الكبير في شعره، كما كان لها أثرها في نفسه، فتأثير النشأة البدوية واضح من جزالة ألفاظه ورقتها وسهولتها، وكان للقرآن الكريم أثره في شعره، إذ لطف فيه من طابع البداوة، وكان له أثره في رقة ألفاظه وسهولة أسلوبه، كما كان له أثر في معانيه وأفكاره، كما أن جرير لا يكثر من الصور البيانية في قصائده، ففي شعره يظهر الأسلوب البدوي، وهو قريب التناول جميل التعبير.
ومن قصائده: قصيدة بان الخليط
بان الخليط ولو طوعت ما بان .. وقطعو من حبال الصرم اقرانا
حي المنازل إذ لا نبتغي بدلا .. بالدار دار ولا الجيران جيرانا
قد كنت في اثر الاظعان ذا طرب .. مروعا من حذار البين محزانا
يا رب مكتئب لو قد نعيت له .. باك واخر مسرور بمنعانا
لو تعلمبن الذي نلقا أويت لنا .. أو تسمعين إلي ذي العرش شكوانا
كصاحب الفلك إذ مالت سفينته .. يدعوا إلي الله اسرارا واعلانا
يا أيها الراكب مزجي مطيته .. بلغ تحياتنا قد بلغت حملانا
بلغ قصائد عنا خف محملها .. علي قلائص لم يحملن حيرانا
كيما نقول إذ بلغت حاجتنا .. أنت الامين إذا مستأمن خانا