الأحد 23 مارس 2025

عرب وعالم

"فورين بوليسي": قرارات ترامب بتسريح الكفاءات فرصة سانحة لأوروبا لبناء مستقبل جديد

  • 22-3-2025 | 11:20

ترامب

طباعة
  • دار الهلال

رأت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن العلاقات عبر الأطلسي كما هو متعارف عليها قد انتهت بالفعل، خاصة مع إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنها تفضل إبرام اتفاق مع روسيا أو غيرها من الأنظمة الأخرى على الحفاظ على التزامات طويلة الأجل مع شركائها الغربيين.

وأسهمت هذه التهديدات ـ وفقا للمجلة الأمريكية - في توحيد الأوروبيين، الذين يكثفون حاليا دعمهم لأوكرانيا، ويستثمرون بكثافة في الدفاع (التسليح)، ويسعون جاهدين لبناء اقتصاد أقوى وأكثر مرونة، وذلك في الوقت الذي بدأت المؤسسات الأمريكية، التي كانت تدعم التعاون الدولي والقوة الناعمة الأمريكية، في التفكك.

واعتبرت المجلة أن هذه التطورات (سياسات ترامب وتوجه أوروبا نحو الوحدة) تمثل فرصة لتشكيل مستقبل جديد عبر الأطلسي من خلال الاستثمار في رأس المال البشري، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي تسعى فيه أوروبا إلى بناء قدراتها العسكرية، والوقوف على قدميها في مجال الاستخبارات، وجعل بنيتها التحتية للبيانات والطاقة أكثر مرونة، تعاني الولايات المتحدة (بسبب سياسات إدارة ترامب تجاه الوظائف في مختلف الوكالات الحكومية) من فقدان مواهبها في مختلف المجالات.. لذا، يمكن لأوروبا الاستفادة من هذه المواهب في بناء مستقبلها.

وأوضحت المجلة الأمريكية أن إدارة ترامب جمدت أموالا فيدرالية ضخمة، وأعلنت إلغاء ما يصل إلى 100 ألف وظيفة، بما في ذلك وظائف كبار العسكريين والأمنيين، كما هددت بتهميش الضباط العسكريين الذين يؤيدون التنوع والمساواة، فيما كانت معاملة وكالات الاستخبارات الأمريكية (CIA) مع موظفيها أشد قسوة، فقد عرضت الوكالة على العديد من الموظفين الاستقالة الطوعية مقابل تعويضات، وشرعت في إنهاء عدد غير معلن من عقود المسؤولين الصغار والمراقبين.

وفي حين أن الأعداد الدقيقة للمتقاعدين أو المستقيلين من وكالات الاستخبارات الأمريكية والجيش سرية، إلا أن هذا الإجراء قد أدى إلى نقاشات عديدة داخل الولايات المتحدة، أبرزها حول التهديدات المحتملة لأمن الولايات المتحدة وفقدان الكفاءات المتميزة.

وتؤكد "فورين بوليسي" أن هذه التطورات قد تتيح عدة فرص غير متوقعة لقطاعي الدفاع والاستخبارات الأوروبيين عبر توظيف آلاف العسكريين والأمنيين الأمريكيين الأكفاء الذين وجدوا أنفسهم يبحثون عن وظائف جديدة، وبينما تشير الترجيحات إلى أن الكثيرين منهم قد يفكر في العمل ضمن قطاعي الدفاع والأمن الخاصين في الولايات المتحدة، إلا أن عددا ليس بالقليل منهم قد يكون مهتما بمتابعة مسيرة مهنية في مناطق أخرى، ونظرا للاستياء الواضح من تسريحهم، بالإضافة إلى اختلافهم مع سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصعيدين الإنساني والسياسي، فمن المرجح أن يفكر البعض في تقديم خدماتهم إلى جيش أو وكالة أخرى تابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في دولة غربية أخرى.

ولفتت المجلة الأمريكية إلى أنه نظرا لأن انتقال الأفراد الذين عملوا في قطاعات بالغة الحساسية أو تلقوا تدريبا على عقيدة عسكرية إلى دولة أخرى ليس عملية سهلة، خاصة فيما يتعلق باندماج هؤلاء الأفراد في منظومة ذات عقيدة مختلفة، إلا أنها مع ذلك، ليست مستحيلة.. فيمكن استغلال آليات مثل برامج التبادل ومهام الناتو التي شارك فيها الكثير من العسكريين الأمريكيين لتعزيز التوافق التشغيلي، ومعالجة مسألة قدرة الضباط على الاندماج والعمل بفعالية ضمن مختلف الأطر العسكرية.

وأضافت "كما أنه لا ينبغي أن يكون هناك أي إلزام للعسكريين الأمريكيين بالانضمام إلى الوحدات الأوروبية النظامية في إطار عقد تقليدي، بل يمكن تعيينهم كمستشارين، وهو ما سيكون في هذه الحالة مُرضيا من النواحي السياسية والإدارية لكافة الأطراف".

ونبهت المجلة إلى أن عملية الانتقال إلى موقع عمل خارج الولايات المتحدة قد تكون أكثر صعوبة بالنسبة للمشتغلين في الاستخبارات نظرا لقوانين عدم الإفصاح وسرية الدولة، ولكن يمكن التعاطي مع الأمر عبر التفكير في برامج كالزمالة، التي تتيح لكبار المسؤولين الحفاظ على دخلهم واستقلاليتهم، مع تقديم الاستشارات والدعم للإدارات العامة الأوروبية في الوقت نفسه.

وحول الفوائد العامة المتبادلة، رأت مجلة "فورين بوليسي" أن الاستفادة من الكوادر البشرية الأمريكية سيعزز الروابط عبر الأطلسي، فمن خلال الترحيب بهذه الكوادر الكفؤ والقادرة في وكالاتهم، سيظهر الأوروبيون أن العلاقات الأوروبية الأطلسية تتجاوز مجرد العلاقات الحكومية، وهي الرسالة التي تلقى صدى ليس فقط لدى الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، بل لدى العديد من الأمريكيين الذين يختلفون مع ترامب، كما سيؤكد ذلك التزام أوروبا بمواصلة العمل مع أمريكا لتحقيق المنفعة المتبادلة، وتعزيز العلاقات عبر الأطلسي، وإظهار التضامن مع الأمريكيين الذين تم تسريحهم مؤخرا من العمل.

وترى المجلة كذلك أن ما هو ممكن في المجالين العسكري والاستخباراتي سيكون أسهل في الاقتصاد، حيث يمكن لأوروبا اكتساب آراء قيمة من المسؤولين الحكوميين الأمريكيين ذوي الخبرة في الإشراف على قطاعات مثل الطاقة والبيانات، أو مجالات أخرى تتميز بمنصات متكاملة وعمل تعاوني مثل الصحة العامة والعلوم.

وأعادت المجلة التأكيد على أهمية سرعة إطلاق أوروبا برامج زمالة وشراكات قصيرة الأجل وعقود استشارية للتغلب على العقبات القانونية والبيروقراطية المختلفة التي قد تتسبب في إبطاء الاستفادة من الروابط والكوادر البشرية الأمريكية.

وشددت على أنه من شأن هذه الروابط أن تنشئ تكاملا في العالم الغربي (أمريكا وأوروبا) يركز على رأس المال البشري، وسيكون لذلك آثار إيجابية على المديين القصير والطويل، حيث سيسرع على المدى القصير من تحسين الأمن والاستخبارات الأوروبية، فيما سيرسخ على المدى البعيد أسس تحالف أطلسي مستقبلي من خلال الروابط الشخصية والثقافة المشتركة.

ونبهت "فورين بوليسي" إلى أن الوقت عامل حاسم، فكما هو الحال مع جميع الأفكار الجيدة، لن يكون الأوروبيون الوحيدين الذين يسعون إلى الاستثمار في رأس المال البشري الأمريكي لتعزيز مصالحهم، فقد أظهرت الاستخبارات الأمريكية أدلة على أن روسيا والصين تستكشفان بالفعل موظفي الحكومة الفيدرالية الساخطين؛ مما يؤشر إلى أهمية سرعة تحرك الأوروبيين لإعطاء الغرب فرصة للبقاء على قيد الحياة (باستقطابهم الأمريكيين وتفويت الفرصة على الروس والصينيين)، خاصة في ظل الاضطرابات الحالية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة