صعدت إسرائيل، في الساعات الأخيرة، من هجماتها ضد الأراضي اللبنانية، بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار القائم بين البلدين تحت مظلة أمريكية، إلا أن الأولى تواصل كعادتها سياسة النقض والنكث التي درجت عليها، وذلك من منطلق "أن من آمن العقوبة أساء الأدب".
ومنذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين البلدين نهاية نوفمبر الماضي، لم تلتزم إسرائيل به، حيث ما تزال قواتها موجودة في عدد من المواقع بجنوبي لبنان، فضلًا عن ذلك، فإن هذه المنطقة تتعرض لغاراتها بشكل شبه يومي.
وجاءت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ضد لبنان تحت ذريعة تعرض مستوطنة "المطلة"، شمال الأراضي المحتلة، لقصف بثلاث صواريخ أُطلقت من لبنان، ليتم توجيه جيش الاحتلال الإسرائيلي على إثر ذلك بقصف عشرات الأهداف اللبنانية.
ومن جانبه، نفى "حزب الله" اللبناني، الذي خاض مؤخرًا مواجهة مع إسرائيل امتدت لأكثر من عام، أن يكون هو من أطلق الصواريخ، ومع ذلك، فإن إسرائيل وجهت بقصف ما قالت إنه عشرات الأهداف التابعة للحزب اللبناني.
وحذر المستوى السياسي في لبنان، يتقدمه الرئيس جوزيف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، ورئيس البرلمان نبيه بري، من محاولات جر البلاد لدائرة جديدة من العنف، لا يرغب في الدخول فيها.
وفي غضون ذلك، يقول اللواء محمد رشاد، وكيل المخابرات العامة الأسبق، إن إسرائيل تحاول استغلال الوضع الراهن لخلق منطقة عازلة على الحدود مع لبنان تؤمن بها مستوطناتها الشمالية.
واعتقد اللواء محمد رشاد، في حديث لـ"دار الهلال"، أن إسرائيل ستصر على تحقيق مرادها هذا، ولن تتنازل عنه، وذلك نظرًا للأزمة "الكبيرة" التي جاءت نتيجة تهجير سكان الشمال جراء هجمات حزب الله.
وبناءً عليه، فإن الهجمات الإسرائيلية تأتي في سياق محاولاتها للحفاظ على نقاط داخل الأراضي اللبنانية، حتى تتجنب تكرار معضلة سكان الشمال في المستقبل، بحسب الخبير العسكري والاستراتيجي.
وأوضح أن المناخ العام يتيح لإسرائيل تحقيق مرادها هذا، فضلًا عن الدعم الأمريكي المقدم لها من إدارة الرئيس دونالد ترامب، فهي لا تجد من يردعها، وفي المقابل، نجد أن الدول العربية لا تقوم بالدور اللازم حيال الأزمة اللبنانية.
ويرى أن "حزب الله" يواجه أزمة مع الحكومة اللبنانية، وبالتالي فإن تحاشيه لخلق صراع جديد مع إسرائيل يجنبه أزمة مع القيادة السياسية في البلاد، وفي ذات الوقت، فإنه لا يريد أن يجعل من نفسه ذريعة لإسرائيل للبقاء في الأراضي اللبنانية الشمالية دون الانسحاب منها.
وبذلك، فإن حزب الله يتيح المجال أمام السلطات اللبنانية لممارسة دورها في دفع إسرائيل للانسحاب من كامل الأراضي، وفقًا لما ذكره "رشاد".
الشرق الأوسط على صفيح ساخن
وفي هذا الإطار، يوضح اللواء محمد رشاد، أن الشرق الأوسط، بطبيعة الحال، على صفيح ساخن، ولكن ليس هذا وليد التصرفات الإسرائيلية في المنطقة فحسب، بل كذلك جراء السياسة الأمريكية تجاه الأوضاع الراهنة، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وأكد أن الولايات المتحدة منحازة بشكل كامل لإسرائيل، بل أحيانًا تشجعها على تصرفاتها المتمثلة في التوسع على حساب الأراضي العربية، مشيرًا إلى أن إسرائيل في الوقت الراهن تنفذ أجندتها في هذا السياق.
وشدد في ختام حديثه، على أن ذلك ينبع من إسرائيل، دولة مارقة ذات حدود "مصطنعة"، ليس لها حدود، ولا تعرف لها حدود.
ولا يقتصر التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان، بل هناك كذلك الأراضي الفلسطينية المحتلة، يتقدمها قطاع غزة، حيث يُباد الفلسطينيون، إلى جانب سوريا.
وحسب هيئة البث الإسرائيلية، فإن جيش الاحتلال شن أكثر من 200 غارة على أهداف في سوريا ولبنان وقطاع غزة خلال يومي الجمعة والسبت، ما يعني أن "تل أبيب" تجر ثلاث جبهات عربية إلى ما لا يُعرف عقباها.
وفي إطار ذلك، يعزي اللواء أركان حرب دكتور سمير فرج، الخبير العسكري والاستراتيجي، كافة التصعيد الإسرائيلي الحاصل في المنطقة إلى مصالح شخصية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وأكد "فرج"، في حديث لـ"دار الهلال"، أن بنيامين نتنياهو لا يريد أن يوقف القتال، لأن ذلك يعني استمرار محاكمته في قضايا الفساد التي يحاول جاهدًا تعطيلها، هذا إلى جانب محاسبته على إثر التقصير في الحرب، لأنه لم يحقق أي إنجاز فعلي بعد نحو 17 شهرًا من القتال.
وبناءً عليه، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي -بحسب الخبير العسكري والاستراتيجي- لا يريد أن يوقف القتال، لأن استمراره فيه يعني تدميرًا أكبر سواء للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بما فيها حركة حماس، أو "حزب الله" في لبنان، وكذلك القوى الأخرى في سوريا.
وبذلك، فإن استمرار الحرب يمثل لـ"نتنياهو" ثلاث مكاسب: أولًا، الحفاظ على مصالحه الشخصية، ثانيًا، تحقيق أكبر قدر من التدمير في القوة المعادية، ثالثًا، الضغط على حركة حماس حتى توافق على المقترحات الأمريكية، كما قال "فرج".
وأوضح في ختام حديثه، أن الولايات المتحدة ما يهمها من التصعيد هو الضغط على حركة حماس، في إشارة منه إلى أن واشنطن قد لا يعنيها التصعيد الحاصل في جبهات أخرى.