"نزل القرآن في مكة والمدينة وقرئ في مصر".. مقولة ساهمت فيها إذاعة القرآن الكريم المصرية التي يمر على إنشائها اليوم 61 عامًا نجحت خلالها في تحقيق صورة الإسلام الوسطي، وحافظت على هذا الاتزان الفكري في المجتمع المصري، وواجهت التطرف والإرهاب عبر برامج أعلام الأزهر الشريف بها، لتلعب دور القوة الناعمة المضافة إلى قوة مصر الحضارية والدينية في العالم الإسلامي كافة.
وشقت إذاعة القرآن الكريم طريقها إلى قلوب مستمعيها في 25 مارس 1964، فحازت قبولهم، وبحضورها منذ ذلك الحين عرفوا التفاؤل والطمأنينة وأبواب الرزق الوفيرة، وأحبوا معها مدرسة التلاوة المصرية التي تلألأت بأصوات أجيال متعاقبة لكوكبة من عظماء القراء كان لهم بالغ الأثر في نفوس مستمعيها من كل حدب وصوب، فسمع لها العالم العربي والإسلامي وتأثر بسحرها.
بفضل إذاعة القرآن الكريم أصبح للمدرسة المصرية في التلاوة الريادة في العالم كله وأصبحت مصر أرض التلاوة ودولة التلاوة، وكان الشيخ الحصري أحد دوافع إنشاء هذه الإذاعة بعد أول جمع صوتي للقرآن الكريم كاملًا بصوته في 1961 عبر أسطوانات ليصبح بذلك أول من يسجل القرآن الكريم مرتلًا لهذه الإذاعة، ثم كان استمرار إذاعة القرآن الكريم دافعًا لتسجيل مصاحف مرتلة أخرى بأصوات كبار الشيوخ كمصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد، ومحمود علي البنا، ومحمد صديق المنشاوي والشعشاعي وغيرهم..
ويعد أحد أهم أسباب إنشاء إذاعة القرآن الكريم هي القيادة السياسية في عهد الزعيم جمال عبد الناصر ومحاولاته المتكررة لتأكيد الهوية والبعد الإسلامي في تلك الفترة، ومن ثم إفراد مساحة إذاعية خاصة يبرز من خلالها هذا الدور إلى جانب الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف.
وكان الدكتور كامل البوهي أول رئيس لشبكة إذاعة القران الكريم قادها بتعاون مجموعة شباب المذيعين وقتها ومنهم د.محمد كمال إمام، وعزت حرك، ود.عبد الخالق محمد عبد الوهاب.
وبعد سنوات من إنشاء إذاعة القرآن الكريم وفي عهد رئيسها د.كامل البوهي حلت البرامج الدينية على الإذاعة في إطار علوم التفسير والأحاديث والسيرة النبوية، وكانت طويلة ومسجلة في المساجد كبرامج "يا أمة القرآن" و"الرحمن علم القرآن" و"لغة القرآن"، وكان أعلام الأزهر الشريف وقتها هم المتحدثون كالدكتور عبد الحليم محمود والشيخ شلتوت وأحمد حسن الباقوري.
وامتدت برامج إذاعة القرآن الكريم لتضم تحت مظلتها برامج الطفل والمرأة والشباب لتواكب الحياة الاجتماعية كبرنامج "طلائع الإيمان".
ولإذاعة القرآن الكريم دور عظيم ببث الأمل في النصر والطمأنينة في الأزمات التي مرت بها مصر من حروب 67 و73، فزادت برامجها في أعقاب 67 وزاد إرسالها حينها ليصل إلى 14 ساعة بعد أن كان 4 ساعات فقط.
وفي 1981 ضمت إذاعة القرآن الكريم برامج جديدة في فروع المعرفة كبرنامج "من المكتبة الإسلامية" و"اعلام الفكر الإسلامي" واكتفى د.عبد الصمد الدسوقي رئيس إذاعة القرآن الكريم وقتها بأعلام التلاوة كالبنا وعبد الباسط والمنشاوي والحصري ومصطفى إسماعيل، وكذا أعلام المتحدثين والمبتهلين وعلماء الفقه.
وضمت إذاعة القرآن الكريم أصوات نسائية عدة منها؛ فاطمة طاهر صاحبة الصوت الأول في هذه الإذاعة، ود. هاجر سعد الدين، ووفاء إبراهيم، وعلياء الحكيم، وغيرهن، إلى أن تولت المرأة رئاسة محطة القرآن الكريم بقيادة د.هاجر سعد الدين.
وقدم الصوت النسائي برامج عدة كبرنامج "براعم الأطفال" و"فقه المرأة في الإسلام"، و"مسلمات حول الرسول".
وفي منتصف التسعينيات صدح ميكروفون إذاعة القرآن الكريم في العالم العربي والإسلامي ليصبح منبرًا عالميًا يشارك المسلمين في شتى بقاع الأرض صلواتهم ومناسباتهم الدينية ولا تزال حتى الآن تؤدي دورها على أكمل وجه.