تحل اليوم ذكرى وفاة واحد من أعلام الموسيقى العربية، الموسيقار الكبير محمد القصبجي، الذي توفي في مثل هذا اليوم، 26 مارس عام 1966، تاركًا وراءه إرثًا موسيقيًا ثريًا ارتبط بشكل كبير بأعمال كوكب الشرق أم كلثوم، والتي ساهم هو في رسم مسيرتها الفنية منذ بداياتها.
وُلد القصبجي في 15 أبريل 1892، وكان له بصمة فريدة في انطلاقة أم كلثوم الفنية، في عام 1923، بدأ التعاون بينهما عندما كانت تُغني قصائد دينية في مدح الرسول، أعجب القصبجي بصوتها الصاعد وقرر أن يكرس جهده ليكون ملحنًا لها، حيث رأى فيها موهبة فريدة تستحق الدعم.
كانت أغنية "قال حلف مايكلمنيش" هي أول تعاون فني يجمع بينهما، كما أسس لها أول "تخت شرقي" كان يصاحبها في حفلاتها.
وقد مهد ذلك لانطلاقتها الكبرى من خلال أغنيته "رق الحبيب"، التي كانت واحدة من أبرز علاماتهما الفنية المشتركة. تبع ذلك مجموعة من الأعمال الناجحة مثل "أوبرا عايدة"، "يا صباح الخير"، "ما دام تحب"، و"إن كنت أسامح وأنسى الأسية"، والتي عززت مكانته كملحن عبقري.
مع مرور السنوات، ومع تزايد شهرة أم كلثوم، بدأت تميل إلى ألحان ملحنين آخرين مثل رياض السنباطي ومحمد الموجي، هذا التغيير دفع القصبجي إلى التراجع عن دوره كملحن رئيسي لها وقبول الاكتفاء بدور العازف على العود في فرقتها الموسيقية، مخلصًا لفنه ومنتميًا لفرقة الست حتى يوم وفاته.
ولعل أكثر ما يُميز هذه العلاقة أن القصبجي ظل يعبر عن حبه بصمت، متحملًا ألم التهميش.
وفقًا لما رواه طارق الشناوي في كتابه "أنا والعذاب وأم كلثوم"، فإن القصبجي كان يكنّ حبًا عميقًا لأم كلثوم، وتشير القصة إلى وقع خبر زواجها من الموسيقار محمود الشريف كصدمة كبيرة عليه، الأمر الذي دفعه إلى اقتحام منزلها مسلحًا بهدف إنهاء تلك الزيجة. لكن أم كلثوم، بنظراتها الحازمة وغضبها العارم، تمكنت من احتواء الموقف وإنهاء الأزمة بشكل مؤثر، مقدرةً مشاعر القصبجي دون أن تدعه يتجاوز حدوده.
رحل محمد القصبجي عن عالمنا جسدًا، لكنه بقي حاضرًا بأعماله الفنية التي لا تزال تروي قصة عبقرية موسيقية محفورة في وجدان الفن العربي.