يصادف اليوم الأحد، الـ30 من مارس 2025، الذكرى الـ49 ليوم الأرض الفلسطيني، والذي يحلّ علينا هذا العام وسط منعطف تاريخي تمر به القضية الفلسطينية، نتيجة التصعيد الإسرائيلي المستمر في الأراضي المحتلة، لا سيما قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر 2023.
وإن كان يوم الأرض الفلسطيني يخلد ذكرى دماء ستة فلسطينيين قُتلوا بنيران المحتل الإسرائيلي الغاصب، فإن تاريخ السابع من أكتوبر 2023 يخلد دماء أكثر من 50 ألف شهيد فلسطيني قُتلوا بنفس النيران، في خضم حرب إبادة جماعية تمارس ضدهم.
رمزية يوم الأرض الفلسطيني
يخلد يوم الأرض الفلسطيني أحداثًا سُجلت في عام 1976، عندما قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالاستيلاء على آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين داخل أراضي عام 1948، وذلك لتخصيصها لإقامة المزيد من المستوطنات في سياق تنفيذ خطة "التهويد".
وقد سبق ذلك إعلان السلطات الإسرائيلية في عام 1975، ما أسمته بـ"خطة تطوير منطقة الجليل"، التي نصت على مصادرة أراضٍ فلسطينية لبناء تجمعات سكنية يهودية.
خلقت هذه الخطة حالة من الغضب لدى فلسطيني 48، لا سيما في أعقاب تسرب وثيقة "كيننج" في مطلع مارس من عام 1976، حيث أظهرت عزم السلطات الإسرائيلية تهجير سكان مثلث الجليل والاستيلاء على أراضيهم.
وطالبت وثيقة "كيننج" التي تسربت عن متصرف لواء الشمال في وزارة الداخلية الإسرائيلية يسرائيل كيننج، بتقليل نسبة الفلسطينيين في منطقتي الجليل والنقب، عن طريق مصادرة أراضيهم الزراعية ومحاصرتهم اقتصاديًا واجتماعيًا، وتشجيع الاستيطان اليهودي بالمنطقة.
وتفجر الغضب الفلسطيني، في نهاية شهر فبراير من عام 1976، حين صادّقت إسرائيل على قرار جديد لمصادرة 21 ألف دونم من أراض تعود ملكيتها لفلسطينيين في بلدات سخنين وعرّابة ودير حنّا وعرب السواعد.
حيث أعلنت "لجنة الدفاع عن الأرض" على أثر ذلك، عن إضراب عام شامل في الـ30 مارس، وذلك في إطار مواجهة القرار الإسرائيلي.
واستجابة لذلك، نشبت مظاهرات في قريتي دير حنّا وعرّابة في الـ29 من مارس 1976، أعقبها أخرى في سخنين، رغم صدور قرار إسرائيلي بحظر التجول في هذه المناطق.
وفي فجر الـ30 من مارس 1976، شنَّت القوات الإسرائيلية حملة عسكرية استهدفت قرى وبلدات سخنين وعرّابة ودير حنّا والناصرة وطمرة والطيبة وباقة الغربية والطيرة ونحف والمغار ودالية الكرمل وكفر قاسم وكفر قرع وقلنسوة وجلجولية، بالإضافة إلى مدينتي حيفا وعكا، حيث قمعت المظاهرات واعتقلت عددًا من الشخصيات السياسية.
وأسفرت هذه المواجهات عن استشهاد ستة فلسطينيين، وجرح 49 آخرين، فضلًا عن اعتقال أكثر من 300، بينما توسعت الاحتجاجات لتصل إلى الضفة الغربية وقطاع غزة ومخيمات اللجوء في لبنان، حيث نُظمت إضرابات تضامنية.
ومنذ العام 1976، أصبح تاريخ الـ30 من مارس، يومًا وطنيًا في حياة الشعب الفلسطيني، سواءً داخل فلسطين أو خارجها، حيث يرمز لأرضه التي غُصبت من قبل محتل غاصب.
تهجير أهالي قطاع غزة
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر 2023، ظهرت نية عبرية مبيتة لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، بما يتسق مع حرب الإبادة الجماعية الممارسة ضدهم هناك.
ولتنفيذ ذلك، صادقت إسرائيل، الشهر الجاري، على إنشاء إدارة لتهجير سكان قطاع غزة، حسب مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي من المفترض أنه عدل عنه، وفق ما صرح به في 21 من الشهر الماضي.
جاء ذلك بعد أن جعلت إسرائيل قطاع غزة أكبر سجن في العالم، حيث تُحاصر هناك أكثر من مليوني فلسطيني، قاطعةً دخول الإمدادات الإنسانية والغذائية، بشكل أدى إلى مستويات مجاعة غير مسبوقة.
كما أنها دمرت، في إطار حربها المستمرة منذ أكثر من 17 شهرًا، 88 بالمائة من البنية التحتية للقطاع الفلسطيني، ناهيك عن الخسائر المادية التي قُدرت بعشرات مليارات الدولارات، وإيقاع أكثر من 164 ألف شخص بين شهيد وجريح.
وكشف تقرير صادر عن جهاز الإحصاء الفلسطيني، أن 70 بالمائة من الوحدات السكنية في قطاع غزة لا تصلح للسكن، فضلًا عن تدمير المدارس والجامعات والمستشفيات والمساجد والكنائس والمقرات الحكومية، بفعل آلة الحرب الإسرائيلية.
كما أن عدد سكان قطاع غزة انخفض عام 2024 بنسبة 6 بالمائة، بنحو 160 ألف فلسطيني، ليبلغ 2.1 مليون نسمة، من جراء الإبادة وتبعاتها، حسب المصدر ذاته.
الاستيطان يلتهم الضفة
أما في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، فأصبحت المصالح الفلسطينية فيها تتراجع يوميًا مع استمرار إسرائيل بلا هوادة في سياساتها الاستيطانية وضم الأراضي.
ووفقًا لتقرير صادر مؤخرًا عن منظمة التحرير الفلسطينية، فإنه يعيش الآن حوالي 740 ألف مستوطن إسرائيلي في مستوطنات الضفة الغربية، بما في ذلك 240 ألفًا يعيشون في القدس المحتلة.
ويفيد التقرير، بأن الاحتلال أنشأ عددًا قياسيًا من البؤر الاستيطانية غير القانونية، لتكون تلك البؤر هي الأداة المناسبة لتحقيق خطط الضم التي كان وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش يخطط لها.
هذا بالإضافة إلى الزيادة الحادة في عنف المستوطنين الإسرائيليين، وإغلاق الطرق والطرق السريعة، والتدابير غير المسبوقة لإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير القانونية وتمويلها، طبقًا للمصدر ذاته.
وفي الإطار نفسه، أظهر تقرير جهاز الإحصاء الفلسطيني، أن عدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية الإسرائيلية بلغ في نهاية العام العام الماضي في الضفة الغربية 551 موقعًا.
وكشف أن نسبة المستوطنين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية حوالي 23.4 مستوطنًا، مقابل كل 100 فلسطيني، في حين بلغ أعلاها في محافظة القدس حوالي 67.6 مقابل كل 100 فلسطيني.
ويوضح التقرير، أنه منذ بداية عام 2025، تقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم عشرات المباني في المخيمات الفلسطينية، وتهجير عشرات الآلاف من ساكنيها.
وبموازة إبادة غزة، أسفرت الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، عن استشهاد أكثر من 939 فلسطينيًا، وإصابة قرابة سبعة آلاف شخص، واعتقال 15.700 شخص، وتهجير أكثر من 40 ألفًا، حسب معطيات فلسطينية رسمية.