العزف على أوتار الدراما الرمضانية هذا العام يشبه العزف على آلة العود الشرقي ذات الألحان الشجية، فطوال النصف الأول من دراما رمضان، كنت أبحث عن الوتر السابع الذي يستخدمه العازف المحترف على العود حتى تكتمل أصواته بمراحله الثلاث: "القرار، الجواب، جواب الجواب"، فكنت أبحث عن هذه النغمة وسط أصوات كثيرة، مع وجود لحن مميز جدًا، لكنه كان يفتقد بعض اللمسات التي تجعله يخرج بأبهى صورة، وطوال 15 يومًا وحلقة، كان اللحن غير مكتمل؛ فهناك جمل موسيقية فريدة من نوعها، لكنها لم تُسمع بالشكل الكافي، لوجود نغمات نشاز يتفوق صوتها على الجمل الفريدة.
ومن أهم هذه الجمل مسلسل "قلبي ومفتاحه" لآسر ياسين، ومي عز الدين، ودياب، وأشرف عبد الباقي، وتأليف وإخراج تامر محسن، فالمسلسل أشبه بحالة موسيقية تنقلك في عوالم خفية داخل مجتمعنا العربي، لأنه يدور حول أزمة تكرار الطلاق والرجوع للمحلل، وهنا نجد أن معظم نجوم العمل خرجوا من العباءة التي حاصرتهم طوال الفترة الماضية، وخاصة آسر ياسين، ومحمود عزب، وعايدة رياض.
ومن أبرز النغمات هذا العام أيضًا، مسلسل "ولاد الشمس"، لأنه نغمة من القرار يستعرض فيها مخرجه شادي عبد السلام عضلاته، فبعد أن قدم من قبل "بدون ذكر أسماء"، و"لحظات حرجة"، و"أفراح القبة"، يأتي بنغمة مختلفة يغوص بها في أعماق عالم أطفال الشوارع ودور الأيتام، من خلال "ولعة" و"مفتاح" اللذين تمردا على هذه الحياة بعد إجبار مدير الدار لهما على احتراف السرقة.
العمل به مناطق كثيرة مضيئة وجهد تمثيلي كبير، مع إظهار الحالات المختلفة للأبطال على المستويين النفسي والجسدي أبدع فيها كل من محمود حميدة، وأحمد مالك، وطه الدسوقي، وإن كانت النهاية جاءت صادمة للمشاهد.
كذلك نغمة "النص" لأحمد أمين، وأسماء أبو اليزيد، وصدقي صخر، وحمزة العيلي، وهي النغمة الأبرز والأفضل من وجهة نظري في هذا الموسم، المأخوذ عن "مذكرات نشال"، حيث يتحول فيها البطل من نشال إلى بطل شعبي يقاوم الاحتلال الإنجليزي، فقدم شريف عبد الفتاح مع عبد الرحمن جاويش إبداعًا خاصًا في التأليف، وصاغه ببراعة المخرج حسام علي.
ولم يتوقف المسلسل عند حد الإبداع في كل عناصر العمل، بل قدم مبارزة درامية لنجومه، لعل أبرزهم النجم حمزة العيلي الذي تفرد في إبداع لزمة التلعثم لـ"درويش"، وأداء عبقري في المشهد الأخير له، وقدم أيضًا مواهب متفردة، منها عبد الرحمن محمد، وميشيل ميلاد.
ومن النغمات المتفردة أيضًا "جودر 2" بطولة ياسر جلال، وياسمين رئيس، ونور اللبنانية، وهو استكمال لعالم الأساطير في "ألف ليلة وليلة"، والتي بدأها المؤلف أنور عبد المغيث العام الماضي، ولكنه لم يلق النجاح الذي حققه العام الماضي من الإبهار والتشويق، وربما يكون هذا بسبب أن المسلسل على جزئين، فلو عرضا في موسم واحد لكان الإبهار سيستمر، ومع ذلك، حقق النجاح الجماهيري والنقدي.
ولعل آخر هذه النغمات المتميزة هو مسلسل "إخواتي"، الذي يدور حول "نجلاء" التي يراودها حلم غريب عن موت زوجها، فتجده بعدها جثة هامدة على باب منزلها، فتلجأ إلى أخواتها الثلاثة لإيجاد حل، ومن هنا تتصاعد الأحداث، وقد نجح أبطال العمل في تقديم وجبة تمثيلية دسمة، خاصة بين نيللي كريم، وروبي، وكندة علوش، وجيهان الشماشرجي، بالإضافة إلى حاتم صلاح، وعلي صبحي، وأدار النغمة بكل اقتدار المخرج محمد شاكر خضير.
ولعل البسمة الوحيدة في هذه النغمات جاءت من خلال مسلسل "أشغال شاقة جدًا" لهشام ماجد، وأسماء جلال، ومصطفى غريب، الذي فرض نفسه ككوميديان من العيار الثقيل.
هذه النغمات كانت هي نواة لحن متميز لولا دخول نغمات نشاز بها، أصوات عالية تكسر من قيم وأعراف المجتمع، وتحث على العنف أحيانًا، والابتذال أحيانًا أخرى.
ومن هنا تدخلت الدولة المصرية لعودة الدراما المصرية كقوة ناعمة فاعلة في العالم العربي، بتكوين لجنة لبحث حال الدراما، بما يشمل كافة أطياف صناعة العمل الفني.
ولم تمضِ أيام على التدخل إلا وجاءت أعمال النصف الثاني من الشهر الكريم، والتي أعتبرها الوتر السابع الذي عزفت عليه الدراما المصرية لتخرج لحنًا متكاملًا في العديد من الأعمال.
فكانت الصدمة الحقيقية يوم 15 رمضان مع عرض أول حلقة من "لام شمسية"، بطولة أحمد صلاح السعدني، وأمينة خليل، ومحمد شاهين، وصفاء الطوخي، وهو العمل الذي يناقش قضية مسكوت عنها، وهي التحرش الجنسي بالأطفال.
وطوال مدة العمل، وضع المخرج كريم الشناوي المتفرج في حالة توتر دائم لمناقشة هذه القضية الحساسة دون أي ابتزال أو مشهد جارح للأسرة، وقدمها بأسلوب راقٍ بعيدًا عن الخطابة والشعارات.
وأبدع كل الأبطال في إيصال رسالة العمل، خاصة محمد شاهين صاحب الأداء العالمي في هذا العمل، وكذلك الممثلة القديرة صفاء الطوخي، وأعتقد أن هذا العمل سيرسم لعدد من الوجوه الجديدة طريقًا للنجومية، فهذه العمل عزف على الوتر السابع وأخرج أجمل نغمات في لحن الدراما.
ومن نغمة "لام شمسية" إلى نغمة "قهوة المحطة"، وكأنني انتقلت من الوتر السابع للوتر الأول في عود الدراما لخروج لحن متكامل، فما زال الكاتب الكبير عبد الرحيم كمال يبحر بنا في عوالمه الخاصة، بعد الخط الصوفي في أعماله السابقة، ليقدم لنا المدينة بكل توحشها على "قهوة المحطة"، حيث تُوأد الأحلام والطموحات بمقتل البطل الحالم.
ووسط الأحداث أشعر أنني دخلت في عالم أرسطي، حيث المأساة والملهاة، صاغها المخرج إسلام خيري بحرفية كبيرة في التنقل بين الماضي والحاضر، و"الفلاش باك" الذي يخدم الدراما ولا ينفر منها، بل قدم لنا نجمًا جديدًا في عالم الفن، أحمد غزي، وأجاد بيومي فؤاد الذي ذكرنا بموهبته مرة أخرى في مركز الإبداع الفني، والتي كادت أن تضيع وسط أعماله التجارية.
ومن النغمات المميزة أيضًا التي عزفت على الوتر السابع في عود الدراما، "مسلسل حسبة عمري" لروجينا، وعمرو عبد الجليل، ويتناول الفراغ العاطفي من خلال سوسن وزوجها فاروق الزوجان اللذان يعانيان من الحياة بعد سفر ابنتهما، ليكتشفا صعوبة الحياة، لتبدأ أزماتهما في التصاعد، ويدخل الثنائي في صراع طويل يحاول كل منهما فيه إزعاج الآخر بكل الطرق، وهزيمته قانونيًا واجتماعيًا وماديًا، فتقرر سوسن تطليق نفسها من فاروق، وتطالبه بحق "الكد والسعاية"، وهي قضية أثارت العديد من الخلافات بين الحقوقيين والقانونيين.
ومن الأمور الغريبة أنني أعتبر مسلسل "ظلم المصطبة" نغمة نهاوند تعرف على الوتر السابع، حيث المباراة التمثيلية القوية بين ريهام عبد الغفور، وإياد نصار، وفتحى عبد الوهاب، وأحمد عزمي، فهي مباراة بين عتاولة التمثيل، بعيدًا عن السيناريو والإخراج المتميز.
ومن النغمات الصادمة، مسلسل "منتهى الصلاحية" لمحمد فراج، والذي يخترق عوالم مسكوت عنها انتشرت بين الشباب في الفترة الأخيرة من أجل الربح السريع، وهي المراهنات الإلكترونية، والمصير الذي يتسبب في هدم المجتمع.
وكنت أتمنى أن يكتمل لحن النص الثاني بمسلسل "الغاوي" لأحمد مكي وعائشة بن أحمد، فرغم البداية المتميزة للعمل وظهور البطل الشعبي بصورة طبيعية، إلا أن تصاعد الأحداث في البحث عن الساعة أدخل المسلسل في منعطف آخر فقد فيه مكي بريق الشخصية، خاصة عندما أصبغ تجربته الشخصية مع تربية الحمام على الأحداث، فرغم البدايات الجيدة إلا أن النهايات كانت على غير المتوقع.
هذه النغمات التي كونت اللحن الذي عزف بالوتر السابع، وهو وتر المحترفين في لحن دراما رمضان هذا العام.