لا يكاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن يرفع يديه، حتى يضرب مرة أخرى، مستقويًا بما تظفر به بلاده من مكانة سياسة واقتصادية، يُريد هو بدوره أن يعيد لها عصرها الأسمى، عبر مجموعة من الإجراءات يتقدمها فرض تعريفات جمركية على العالم بأكمله، لم يسلم منها عدو ولا صديق.
وبات الرئيس الأمريكي ينتظر أن تجني بلاده عشرات مليارات الدولارات، بعد قراراته بفرض ضريبة أساسية بنسبة 10 بالمائة على الواردات من جميع الدول، بجانب زيادة معدلات التعريفات الجمركية على عشرات الدول التي لديها فوائض تجارية مع الولايات المتحدة.
قرارت ترامب
فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء الماضي، رسومًا جمركية على 185 دولة، بحد أدنى يبلغ 10 بالمائة، فيما أسماه بـ"يوم التحرير"، الذي يستقل فيه الاقتصاد الأمريكي، حيث يعتقد أن ذلك سيجلب لبلاده المزيد من الإنتاج المحلي.
ودخلت الرسوم الجمركية الأساسية بنسبة 10 بالمائة التي فُرضت على جميع الدول حيز التنفيذ، اليوم الأحد، في حين أن الرسوم الأعلى التي تم تحديدها بشكل خاص لبعض الدول ستُطبق اعتبارًا من 9 أبريل الجاري.
وحذرت الولايات المتحدة الأمريكية سلفًا، شركائها التجاريين، من الرد على التعريفات الجمركية التي قررتها، معتبرة ذلك سيكون تصرف "غير حكيم"، حيث سيؤدي ذلك إلى تصعيد الأمور.
بيد أن هذه الدول أكدت من جانبها أن القرارات الأمريكية لن تمر بدون رد، وهو ما حصل بالفعل، حيت بادرت الصين -في أول رد على القرارت الأمريكية- بفرض رسوم جمركية إضافية على السلع الأمريكية بنسبة 34 بالمائة، وهو المعدل نفسه، الذي فرض عليها.
ما هي تداعيات القرار؟
وتوضيحًا لتداعيات الرسوم الجمركية الأمريكية، يقول الدكتور سمير رؤوف، الباحث الاقتصادي وخبير أسواق المال، إن أي قرار له شق سلبي وآخر إيجابي، كما أنه يكون له تأثير مباشر وآخر غير مباشر.
وعن الشق الإيجابي، يقول الدكتور سمير رؤوف، في حديث لـ"دار الهلال"، إن هذا يرتبط بالاقتصاد الأمريكي، بحيث يعاود الإنتاج، فيتم تغيير ميزان المدفوعات الخاص به من مستورد إلى مصدر، ففي الماضي، كانت الشركات العالمية تصنع في الولايات المتحدة، أما اليوم فذهبت إلى الصين، وهو من خلال هذه القرارات يريد أن يجلب هذه الشركات إلى سوق بلاده مرة أخرى.
وعلى مستوى المستهلك الأمريكي، فإن تداعيات قرارات الرئيس الأمريكي ستظهر عبر رفع الأسعار عليه بنفس نسب الرسوم الجمركية، حسب الخبير الاقتصادي.
وفيما يتعلق بتفاوت نسب الرسوم الجمركية، يبيّن سمير، أن مصر جاءت مع الدول التي طالتها أقل نسبة من التعريفات الجمركية، وهي نسبة 10 بالمائة، إلى جانب دول عربية كالمغرب والإمارات والسعودية، موضحًا أن مصر تمتلك في هذا السياق نسبة تنافسية كبيرة جدًا، حيث إنها تصدر للولايات المتحدة الأمريكية مواد غذائية لا توجد في البلاد، كـ"بقوليات"، إلى جانب امتلاكها طاقة بشرية.
بمعنى أن مصر قد تستغل هذه النقطة لتفتح استثمارات على أرضها عبر ميزة نسبة الرسوم الجمركية التي قدرت عليها، وتخفيض الضرائب المقررة على الاستثمار الأجنبي، كما يضيف الخبير الاقتصادي، الذي أوضح أن هذا سيجلب للبلاد استثمارات أجنبية مهولة.
وأردف أن مصر كذلك من الممكن أن تستغل فرق نسبة الرسوم الجمركية بينها وبين الاتحاد الأوروبي لتصدر هي سواءً إلى أوروبا أو الولايات المتحدة، مستفيدة في ذلك من اتفاقيات مثل "الكويز" و"البريكس"، خصوصًا الأخيرة، حيث من الممكن أن تجلب الصين لتصنع على أرضها، وتصدر إلى الولايات المتحدة، مقابل نسبة من المكسب، مستفيدة بفرق نسبة الرسوم الجمركية بين البلدين.
رفع التضخم
وفي حديثه، يتطرق الدكتور سمير رؤوف إلى أن أحد الآثار السلبية السافرة للقرارات الأمريكية، هو رفع نسبة التضخم على مستوى العالم، حيث إن أقل نسبة رسوم جمركية فرضت كانت 10 بالمائة.
وأشار إلى أن تداعيات القرارات ظهرت على الفور، حيث إن سعر الدولار الأمريكي انخفض أمام العملات الأخرى، كما انخفض البترول أمام الدولار بشكل كبير جدًا، موضحًا أن هذا من المفترض أن يحسن مستوى التضخم، ولكن ما حصل هو العكس، جراء أن الأسهم والسندات تتحرك على أساس السعر في السوق.
وقال مختتمًا إن "العالم بأكمله كان يتجه نحو خفض الفائدة، لكن أصبح القرار الآن تثبيت الفائدة، وهذا على أساس أن تخفيض الفائدة يستهدف الركود".