الثلاثاء 8 ابريل 2025

عرب وعالم

باكستان تبدأ خطواتها نحو استخدام العملات المشفرة كجزء من استراتيجية لتوسيع الشمول المالي

  • 7-4-2025 | 10:33

باكستان

طباعة
  • دار الهلال

في خطوة هامة نحو التكيف مع التحولات الاقتصادية العالمية، قررت باكستان أخيرًا تبني العملات المشفرة بعد فترة من التردد، لتكون جزءًا من مساعيها لتعزيز الشمول المالي والابتكار التكنولوجي في الاقتصاد الوطني.


وذكرت صحيفة "ذا إكسبرس تريبيون" الباكستانية - في تقرير لها نشر اليوم الاثنين، أنه خلال الشهر الماضي، شكل رئيس الوزراء شهباز شريف مجلس العملات المشفرة الباكستاني ، وهو كيان جديد تم تكليفه بوضع إرشادات تنظيمية لإطلاق العملة الرقمية في البلاد، وهو قرار حظي بدعم جميع الأطراف الفاعلة الرئيسية في القطاع المالي والتقني.


وسيرأس المجلس المؤلف من خمسة أعضاء وزير المالية محمد أورنزيب، فيما سيتولى مستشاره الرئيسي بلال بن صاقب، منصب الرئيس التنفيذي، وفقًا لإشعار صادر عن وزارة المالية.


وعندما بدأت العملات المشفرة تكتسب زخمًا عالميًا، أصدر بنك الدولة الباكستاني – الذراع المالية المستقلة للحكومة – أمرًا يعتبر العملات المشفرة غير قانونية، إلا أن هذا الإعلان لم يكن له تأثير يذكر، فجزء كبير من جاذبية العملات المشفرة يكمن في عدم خضوعها للبنوك المركزية، ما يمنحها طابعًا تحرريًا يجذب الجماهير.


وكان "اتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية" (FPCCI) قد نشر تقريرًا بحثيًا قبل نحو ثلاث سنوات أشار فيه إلى أن الأفراد الباكستانيين يملكون مجتمعين نحو 20 مليار دولار من الأصول الرقمية، ما يدل على مدى انتشار العملات المشفرة في المجتمع الباكستاني رغم محاولات المنع، ولم تؤدي سياسات البنك المركزي إلى شىء سوى إبطاء هذا التبني، وهو نمط متكرر في عدة قطاعات، ساهم في تباطؤ النمو الاقتصادي الوطني.


وتم تفسير هذا الموقف المحافظ من البنك المركزي بأنه محاولة للتنصل من المسؤولية في حال وقوع خسائر، إذ أن أي مبادرة جديدة تحمل في طياتها مخاطر إلى جانب الفوائد المحتملة، بحسب تقرير الصحيفة.


وفي المقابل، وبينما كانت العملات المشفرة قد أصبحت قانونية منذ فترة طويلة في الولايات المتحدة، فقد تبنى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفًا أكثر دعمًا للعملات المشفرة، عاكسًا اهتمامًا متزايدًا من واشنطن بالأصول الرقمية وتأثيراتها الجيوسياسية، لا سيما في ظل محاولات مجموعة "بريكس" إنشاء نظام مالي بديل مشترك.


وأبرز التقرير قيام ترامب بالتركيز على العملات المشفرة في حملته الانتخابية، مستهدفًا بها الناخبين الشباب والليبراليين، مع تأكيده في الوقت نفسه على أهمية الدولار، وصرح بأنه يريد للولايات المتحدة أن تكون رائدة في مجال الابتكار المرتبط بالعملات الرقمية، ووجّه انتقادات إلى سياسات إدارة بايدن، معتبرًا أن العملات المشفرة تمثل أداة للحرية المالية.


ويرى محللون أن تشكيل "مجلس العملات المشفرة" في الولايات المتحدة وسعيها نحو تنظيم هذا القطاع هو محاولة للحفاظ على هيمنة واشنطن المالية، ومنع انتقال الابتكار في هذا المجال إلى دول أخرى مثل الاتحاد الأوروبي، الذي بدأ بتنفيذ لوائح تنظيمية مثل "MiCA"، أو الصين ودول "بريكس".


ويعتقد بعض دعاة تكنولوجيا (البلوكشين) أن الولايات المتحدة تسعى إلى تنظيم أكثر وضوحًا للعملات المشفرة لقطع الطريق على "بريكس" ومحاولاتها للتحرر من هيمنة الدولار، ففي حين تعمل دول "بريكس" على إصدار عملة مدعومة بالذهب، فمن المرجح أن تراهن الولايات المتحدة على دعم العملات الرقمية كنظام مالي مواز، ورغم أن العملات الرقمية لن تحل محل الدولار قريبًا، إلا أنها قد تُشكل بديلاً تدريجيًا في حال تراجعت مكانة الدولار عالميًا.


ونقلت الصحيفة عن الدكتور عبيد قيوم سليري، المدير التنفيذي لمعهد سياسات التنمية المستدامة (SDPI)، أن ترامب أعلن مؤخرًا عن إنشاء "احتياطي استراتيجي للعملات المشفرة" في الولايات المتحدة يضم خمس عملات رقمية، من بينها بيتكوين وإيثيريوم.. مشيرا إلى أن هذه المبادرة تمثل جزءًا من رؤيته لتحويل الولايات المتحدة إلى عاصمة العملات الرقمية في العالم.


وأشار إلى أن إدارة ترامب ألغت السياسات التقييدية التي فرضتها إدارة بايدن، وأطلقت لوائح تشجع على الابتكار في مجال الأصول الرقمية، بما في ذلك إصدار أوامر تنفيذية لتجميع الأصول المشفرة المملوكة للدولة، وتسهيل نمو القطاع الخاص.


وأكد الدكتور عبيد أن تزامن الخطوة الباكستانية مع التحول الأمريكي يبدو محض صدفة، وليست نابعة من تنسيق مباشر، لكنها تفتح آفاقًا للتعاون المستقبلي بين البلدين.


من جانبه، يرى الخبير الاقتصادى مصطفى حيدر سيد أن هذا التحرك الباكستاني يعتبر قرارًا مستقلاً، لكنه سيُعزز فرص التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة.. مشيرا إلى أن باكستان تدخل الآن في نظام اقتصادي عالمي تعد العملات الرقمية جزءًا محوريًا منه، مؤكدا أن العديد من البنوك المركزية حول العالم باتت تحتفظ باحتياطيات من العملات المشفرة.


وأوضح أن باكستان، رغم تأخرها في اعتماد هذه التكنولوجيا، لم تبتعد كثيرًا عن الركب العالمي، إذ لم تقدم أي دولة نامية حتى الآن على خطوات مماثلة بهذا المستوى من التنظيم الرسمي.


وأكد مصطفى حيدر أن العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة ستستمر كونها أكبر سوق للصادرات الباكستانية، لكن في الوقت ذاته، فإن باكستان ترحب بالاستثمارات من كافة دول العالم.


وأضاف أن باكستان، بفضل سكانها الشباب المتعلمين والمطلعين على التكنولوجيا، يمكنها تقديم خدمات رقمية داعمة لأنظمة العملات المشفرة العالمية، مما يفتح لها مصدر دخل جديدا.


أما سجاد مصطفى سيد، رئيس رابطة شركات البرمجيات الباكستانية، فأوضح أن تشكيل مجلس العملات المشفرة جاء استجابة لتنامي عدد المستخدمين المحليين – الذين يُقدر عددهم بـ20 مليون مستخدم – ولمواكبة الاتجاهات العالمية، في إطار سعي الحكومة لجذب الاستثمارات وتعزيز الشمول المالي وتشجيع الابتكار.


وأشار إلى أن هذه الخطوة ستسهم في زيادة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، وجذب المستثمرين المهتمين بالأصول الرقمية، إلى جانب توفير خدمات مالية منخفضة التكلفة للسكان غير المشمولين بالخدمات المصرفية.


وأضاف أن الميزة الأهم من اعتماد العملات المشفرة هي تعزيز الترابط المالي العالمي، حيث أصبحت الدول حول العالم تسعى لتكوين احتياطياتها الخاصة منها، وباكستان تنضم إلى هذا التوجه العالمي الآن.


كما أكد أن العملات المشفرة يمكن أن تسهم في تقليل اعتماد باكستان على الدولار في المعاملات الدولية، لكنها لا تلغي الحاجة إلى إدارة أسعار الصرف.


ويرى أن إطلاق "مجلس العملات المشفرة" سيساعد على دمج تقنية البلوكشين في النظام المالي الباكستاني، وسيشكل خطوة مهمة نحو جذب الاستثمارات الدولية، مستفيدًا من قاعدة المستخدمين المتزايدة و الشباب المتحمسين للتكنولوجيا.