رأت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعمل، عن قصد أو عن غير قصد، على تجميد الاقتصاد الأمريكي من خلال التعريفات الجمركية التي أقرها، حيث إن الأضرار تتضاعف مع كل يوم يواصل فيه السير في هذا النهج .. مشيرة إلى ترامب ، وبدون موافقة الكونجرس التي يتطلبها الدستور ، يفرض أعلى ضرائب تجارية في الولايات المتحدة منذ عام 1909، وهو ما يمثل فعليًا أكبر زيادة ضريبية منذ عام 1968.
وذكرت الصحيفة، في افتتاحيتها اليوم الثلاثاء ، أن المتداولين في "وول ستريت"، يشعرون برعب لم يعرفوه منذ أزمة 2008 المالية، وفي أوروبا، تعود الذاكرة إلى تبعات "بريكست" في 2016، أما في آسيا، فيستحضر المحللون أزمة 1997 المالية.. مشيرة إلى أن ما سيحدث خلال الأيام القليلة المقبلة سيحدد عمق الركود، الذي بات شبه محتوم، ليس فقط في الولايات المتحدة بل في الاقتصاد العالمي كله.
وأضافت "لا تزال هناك تساؤلات حول كيفية رد باقي دول العالم، وإن كانت الإدارة الأمريكية ستدخل في مفاوضات لتقليل التداعيات".. لافتة إلى أنه في الوقت الذي هوت فيه الأسواق أمس، هدد ترامب بفرض رسوم إضافية بنسبة 50 في المئة على الصين، في حين عرضت تايوان وثلاث دول أخرى إلغاء جميع الرسوم على السلع الأمريكية لكن مستشار الرئيس الأمريكي للتجارة بيتر نافارو قال إن هذا "غير كافٍ، فكل دولة تحكمها اعتبارات داخلية عند تقرير كيفية الرد.
وأشارت الصحيفة إلى أن الشركات تؤجل قرارات استثمارية كبيرة إلى حين اتضاح مصير الرسوم الجمركية خلال الأيام والأسابيع المقبلة، وانهارت سوق السندات عالية المخاطر بأكبر وتيرة لها منذ أزمة كورونا عام 2020، أما الشركات الصغيرة، التي لا تملك قدرة على امتصاص ارتفاع التكاليف أو فرض شروط على مورّديها، فقد تبدأ بالتعثر، وتهدد الرسوم أيضًا سلاسل التوريد العالمية المعقدة، ما قد يؤدي إلى نقص في بعض السلع.
وفي اقتصاد متجمد، تجد الشركات نفسها مضطرة لتسريح العمال وهي الكلفة الوحيدة التي يمكن السيطرة عليها بسهولة، وستكون النتيجة ارتفاع البطالة.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن ارتفاع البطالة سيؤدي بدوره إلى تراجع ثقة المستهلكين، فمثلما تحتاج الشركات إلى الوضوح، يحتاج المستهلكون إليه قبل اتخاذ قرارات الشراء، اتخاذ قرار مثل حجز عطلة صيفية مكلفة في الوقت الراهن يتطلب جرأة أو رصيدًا مصرفيًا ضخمًا، ما قد يدفع كثيرا من العائلات لتأجيل مثل هذه الخطوات.
ورأت الصحيفة أن الهلع بهذا الشكل قد يتحول بسهولة إلى نبوءة تتحقق ذاتيًا، موضحة أن "الركود التضخمي" وهو مزيج من التضخم والبطالة من دون نمو ، بات احتمالًا واقعيًا، فبيع الأسهم وسط انهيار الأسواق غالبًا ما يكون خيارًا سيئًا تاريخيًا، لكن شراءها الآن أشبه بمحاولة الإمساك بسكين ساقطة، فديناميكية الأسواق تؤثر بدورها على السلوك الاقتصادي على المدى القصير والناس ينفقون أكثر حين يشعرون بالثراء، وأقل حين يشعرون بالفقر، وبالطبع، حين ترتفع الأسعار، نادرًا ما تعود لتنخفض.
ولفتت إلى أن ثمة متغيرات قد تحد من صدمة الرسوم الحالية، فتدخل القضاء لتقييد استخدام ترامب لسلطاته الطارئة في فرض الرسوم (كما تطالب دعوى تمهيدية واعدة في فلوريدا) قد يُحدث فارقًا، كما أن تحرك الجمهوريين في الكونجرس لتمرير تشريع يقيّد يد ترامب سيكون ذا تأثير ملموس.
وأظهر الاقتصاد الأمريكي قدرًا من الصمود خلال الجائحة، لكن ذلك كان نتيجة ضخ تريليونات من الدولارات عبر سياسات مالية ونقدية استثنائية، وهذه المرة، من غير المرجح أن يتكرر ذلك، فالاحتياطي الفيدرالي يواجه مأزقًا حرجًا، إذ عليه أن يوازن بين مكافحة التضخم والبطالة.
وتزداد الأمور تعقيدًا مع احتمال أن يمدد الكونجرس – أو حتى يوسّع – التخفيضات الضريبية التي أُقرّت عام 2017، ما قد يفاقم الألم.
وبحسب الصحيفة، أدت رسائل البيت الأبيض المتضاربة إلى تفاقم الغموض، واستشهدت الصحيفة بتصريحات وزير الخزانة سكوت بيسنت، عندما قال إن الرسوم عززت موقف ترامب التفاوضي، لكنه أضاف: "هذا ليس من النوع الذي يمكن حله خلال أيام أو أسابيع".
أما وزيرة الزراعة بروك رولينز، فقالت إن أكثر من 50 دولة "تتواصل باستمرار مع البيت الأبيض"، وبعضها "يائس" لعقد صفقة مع ترامب، لكن نافارو أصر على أن هذا "ليس تفاوضًا".
ورأت واشنطن بوست أن الرسائل مرتبكة، لأن الاستراتيجية نفسها غامضة ، فلا أحد، حتى ترامب نفسه، يبدو متأكدًا من النهاية المرجوة.. متسائلة "هل الهدف هو الحفاظ على رسوم مرتفعة لتعزيز الإيرادات، أم الضغط من أجل خفض الرسوم على السلع الأمريكية وزيادة الصادرات؟" .. مشيرة إلى أن جواب الرئيس الأمريكي حتى الآن هو: نعم.
واختتمت الصحيفة الأمريكية الافتتاحية بالقول: "هكذا، تواصل الأسواق سقوطها، وإذا لم يبادر ترامب إلى التهدئة، فقد تصبح آثار قراراته على الاقتصاد كارثية بحق".