السبت 12 ابريل 2025

مقالات

أعياد المصريين.. عبادة وبهجة ووحدة وطنية

  • 10-4-2025 | 13:01
طباعة

ينفرد المصريون بين كل الشعوب والأمم، بامتلاكهم عشرات الأعياد، التى تغطى تقريبا كل أيام العام، بل إن بعض الأيام تحمل بين طياتها أكثر من عيد، وإذا نظرنا إلى تاريخ مصر الحافل ، بكل ما يملكه من طول وعمق، نجد أن تلك الظاهرة المتفردة، تتسق تماما، مع مراحل الحضارة المصرية، منذ فجر التاريخ وحتى الآن، فمصر هى أول دولة مركزية في كل العالم، منذ أن استطاع الملك مينا توحيد القطرين قبل أكثر من خمسة آلاف سنة، ليبدأ عصر الأسرات الثلاثين، التى شكلت تاريخ الحضارة المصرية القديمة، وقد انتهت الأسرة الثلاثين في عام 343 قبل الميلاد، لتدخل مصر بعد ذلك تحت الحكم البطلمى ثم الحكم الرومانى، الذى شهد دخول المسيحية إلى مصر، ثم الفتح الإسلامى لمصر عام 640 ميلادية على يد عمرو بن العاص، في وجود الخليفة الثانى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ودخلت مصر بعد ذلك تحت مظلة الخلافة الأموية، ثم الخلافة العباسية، ثم الدولة الفاطمية، ثم الدولة الأيوبية، ثم دولة المماليك، ثم الاحتلال العثمانى عام 1517، ذلك الاحتلال الذى استمر لأربعة قرون كاملة، ولم ينته إلا على يد احتلال آخر هو الاحتلال الانجليزى لمصر (1882)، وانتهى الوجود العثماني بإعلان الإنجليز الحماية على مصر عام 1914، ثم منح مصر الاستقلال المنقوص عام 1922، بعد الثورة الشعبية الكبرى فى عام 1919، ثم ثورة يوليو 1952، التى أنهت الاحتلال الإنجليزى والحكم الملكى الفاسد، وخاضت ثورة يوليو العديد من المعارك من أجل تحقيق الاستقلال السياسى والاقتصادى لمصر.

وقد شهد هذا التاريخ الطويل العديد من الأعياد، يحمل بعضها الصبغة الدينية البحتة، ويحمل بعضها الصبغة الوطنية، ويجمع بعضها بين الصبغتين، فخلال التاريخ المصرى القديم، احتفل المصريون بعشرات الأعياد، وتم تخليد تلك الاحتفالات على جدران المعابد، ولعل ما يحدث في معبد أبي سمبل أقصى جنوب مصر، يمثل دليلا قاطعا على تلك الأعياد، حيث تتعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثانى مرتين كل عام 22 فبراير، 22 أكتوبر، ذكرى مولد الملك، وذكرى تنصيبه ملكا، وتمتلك تلك المعابد عيدا إضافيا عندما تم إنقاذها من الغرق عند بناء السد العالى، واستمرت عمليات الإنقاذ أربع سنوات من 1964 – 1968.

ومن الرائع أن المصريين مازالوا حتى الآن يحتفلون ببعض أعياد المصرى القديم، مثل عيد شم النسيم وعيد وفاء النيل، ومازلنا نحتفل بشم النسيم بذات الطريقة التى كانت في مصر القديمة، الخروج إلى الحدائق والمتنزهات وشاطئ النيل، وأكل السمك المملح والخس والبصل والملانة، ويأتى هذا العيد احتفالا بحلول فصل الربيع، ويرجع الاسم إلى الكلمة المصرية (شمو)، وهى كلمة هيروغليفية تعنى عيد الخلق أو بعث الحياة، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم، يرمز إلى بدء خلق العالم وبعث الحياة، وكان قدماء المصريين يحتفلون بذلك اليوم باحتفال رسمى كبير، ويجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم ليشهدوا غروب الشمس، ومازال المصريون يحتفلون بهذا العيد، لا فرق بين مسلم ومسيحى، رغم أن شم النسيم يأتى دوما في قلب احتفالات أسبوع الآلام لدى الأخوة المسيحيين، الذى يبدأ بـ (سبت النور)، وينتهى بعيد القيامة.

أما عيد وفاء النيل، فكان أحد أهم أعياد المصريين قبل بناء السد العالى، خاصة بعد سنوات الجفاف، حيث كان النيل يتحرك بين حالتي الجفاف والفيضان، وكلتاهما تمثل خطرا شديدا على المصريين، وكان هذا العيد يبدأ في 15 أغسطس من كل عام، ويستمر لمدة أسبوعين، ويتزامن هذا العيد مع ما يسمى عيد إصبع الشهيد لدى الإخوة المسيحيين، ولم يثبت تاريخيا أكذوبة أن المصريين القدماء، كانوا يرمون فتاة جميلة في نهر النيل حتى يأتى الفيضان.

وعندما دخلت المسيحية إلى مصر كثرت الأعياد الدينية المسيحية مثل عيد الميلاد وعيد القيامة وعيد الغطاس وعيد الفصح وعيد البشارة وعيد الصعود..... إلخ.

ومع الفتح الإسلامى لمصر، واعتناق الغالبية العظمى من المصريين الإسلام، أصبح للمصريين العديد من الأعياد المهمة، يأتى في مقدمتها عيد الفطر وعيد الأضحى والمولد النبوى الشريف، وغيرها من الأعياد الإسلامية: الإسراء والمعراج في شهر رجب، وتغيير القبلة في النصف من شعبان وليلة القدر في رمضان ..... إلخ. إضافة إلى عشرات الاحتفالات الدينية (الموالد)، احتفالا بآل بيت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأولياء الله الصالحين، ويتشابه المسلمون والمسيحيون في الاحتفال بتلك الموالد، فلدى الأخوة المسيحيين العديد من الموالد مثل العذراء، ومار جرجس، فهناك العديد من الموالد للعذراء في مسطرد بالقاهرة، وفى درنكة، ودير المحرق في أسيوط، وجبل الطير في المنيا، أما مولد مارجرجس فيوجد في ميت دمسيس وغيرها من الموالد.

ومن الطبيعى أن نجد المسيحيين يحضرون ويحتفلون بموالد الحسين والسيدة زينب والسيدة عائشة والسيد البدوى والدسوقى وأبوالحجاج الأقصرى وعبدالرحيم القنائى..... إلخ، ومن الطبيعى أيضا أن نجد المسلمين يحضرون ويحتفلون بموالد العدرا في مسطرد ودرنكة وجبل الطير ودير المحرق، حيث تحولت تلك الموالد في مصر إلى مناسبات للوحدة الوطنية.

وعندما سيطر الفاطميون على مصر قرابة القرنين من الزمان في الفترة من 969 إلى 1171 ميلادية، وضعوا لمستهم الخاصة على الأعياد الدينية والموالد، وتمثلت تلك اللمسة في العديد من أصناف الحلويات، التى نضعها ونتناولها حتى الآن، فنجد الكعك والبسكويت في عيد الفطر عند المسلمين وفى عيد الميلاد عند المسيحيين، ونجد الكنافة والقطايف ..... إلخ لدى كل المصريين خاصة في الأعياد.

وتصل الوحدة الوطنية إلى ذروتها، عندما يحرص المسلمون المصريون على تهنئة أشقائهم المسيحيين في كنائسهم ليلة عيدالميلاد، كما يحرص المسيحيون المصريون على تهنئة أشقائهم المسلمين بأعيادهم الكبيرة خاصة عيدالفطر المبارك بعد صيام رمضان، وعيد الأضحى، الذى يخلد شعيرة نبى الله إبراهيم عليه السلام، الجد الأكبر للمسلمين والمسيحيين.

وبعيداً عن الأعياد الدينية عند عنصرى الأمة المصرية، تمتلك مصر رصيداً هائلا من الأعياد الوطنية، يصعب بل يستحيل حصره، فعبقرية المكان والمكانة التى تمتلكها مصر، جعلتها طوال الوقت في بؤرة الاستهداف والأطماع من القوى الخارجية، مما جعلها في مواجهة دائمة مع تلك القوى، دفاعاً عن حدودها وثرواتها وأمنها القومى، وهذه المقاومة وتلك المواجهات، نتج عنها الكثير من الانتصارات العظيمة، التى تحولت إلى أعياد وطنية، وإذا كانت الحملة الفرنسية على مصر (1798 – 1801) بداية العصر الحديث، فإننا سنجد بداية للأيام المجيدة، والأعياد الوطنية بثورتى القاهرة الأولى (أكتوبر 1798) والثانية (مارس 1800)، لتتوالى بعد ذلك الأيام المجيدة، التى تحققت من خلال الانتصارات العسكرية الكبيرة والكثيرة، التى حققها إبراهيم باشا بن محمد على، في الشام والسودان والجزيرة العربية، حتى وصل إلى أبواب الأستانة عاصمة الدولة العثمانية، ولكن الدول الأوربية تكالبت على مصر، وأجبرت جيش إبراهيم باشا على الانسحاب من الأراضى العثمانية، وذلك طبقاً لاتفاقية لندن 1840، ولم يكن ذلك حباً في الدولة العثمانية، ولكن طمعاً فيها، والعمل على عدم إنشاء دولة قوية يكون مركزها مصر، وكانت هذه الاتفاقية مجرد حلقة من حلقات المطامع الأوربية في الدول العربية، حيث كانت فرنسا قد احتلت الجزائر عام 1830، ثم احتلت تونس 1881، ولذلك سارعت إنجلترا باحتلال مصر عام 1882، بعد أن استعان الخديو الخائن توفيق بالجيش الإنجليزى، لكى يقضى على الثورة العرابية، وقد استنفر الاحتلال الانجليزى كل مخزون المقاومة لدى الشعب المصرى، فتوالت الثورات والمواجهتات وظهرت الزعامات: مصطفى كامل، محمد فريد، سعد زغلول...... إلخ، وكانت ذروة تلك المواجهات في ثورة 1919، ولكن كل تلك المواجهات لم تنجح في إنهاء الاحتلال البغيض وحصول مصر على استقلالها، ذلك الاستقلال الذى تحقق من خلال ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952، بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر، وقد توالت الأعياد الوطنية والأيام المجيدة، التى تجسد إنجازات تلك الثورة العظيمة، قانون الإصلاح الزراعى 9 سبتمبر 1952، إعلان الجمهورية 18 يونيه 1953، عيد الجلاء 18يونيه 1956، تأميم قناة السويس 26 يوليو 1956، وضع حجر الأساسى للسد العالى 9 يناير 1960 ...... إلخ.

وقد أصابت كل هذه الإنجازات الاستعمار القديم والحديث بحالة من (السعار الاستعمارى) البغيض، فراحت تعمل بكل الوسائل والقوة على وأد تلك التجربة التنموية الوطنية العملاقة، وبدأت بالعدوان الثلاثى على مصر في نهاية أكتوبر 1956، ولكن مصر استطاعت أن تدحر هذا العدوان والأهم أن تحتفظ بقناة السويس، لتتحول إلى رافد عظيم من روافد الاقتصاد المصرى، وتحول يوم الثالث والعشرين من ديسمبر إلى واحد من أهم الأعياد الوطنية المصرية (عيد النصر)، وهو اليوم الذى انسحب فيه آخر جندى من جنود العدوان.

ولم تتوقف مؤامرات استهداف مصر، فى محاولة بائسة ويائسة لوأد هذه التجربة التنموية الوطنية العملاقة، فجاء عدوان يونيه 1967، ولكن جيش مصر العظيم فعل ما لم يحدث من أى جيش في العالم، حيث قام من الكبوة إلى المقاومة في عشرين يوم فقط، من خلال بطولات معركة رأس العش في 30 يونيه 1967، وتوالت بعدها البطولات العظيمة، مثل تدمير المدمرة إيلات في 21 أكتوبر 1967 (عيد البحرية المصرية)، والانتهاء من بناء حائط الصواريخ الرهيب، الذى قطع الذراع الطولى للصهاينة (الطيران)، في 30 يونيه 1970، (عيد الدفاع الجوى المصرى)، وقد أضاف المصريون عيداً جديداً ليوم الثلاثين من يونيه، وذلك عندما أطاحوا بحكم جماعة الإخوان، حفاظا وحماية للهوية المصرية في 30 يونيه 2013، وكان لا بد وأن تؤدى انتصارات حرب الاستنزاف، إلى الانتصار العظيم في السادس من أكتوبر 1973، الذى شهد بطولات لا حصر لها، ومنها معركة الطيران الكبرى في 14أكتوبر 1973 (عيدالقوات الجوية المصرية)، وإضافة إلى هذه الأعياد العسكرية العظيمة، تنفرد كل محافظة من المحافظات المصرية السبع والعشرين بعيد خاص بها، فمثلا الإسماعيلية يوم 25 يناير ذكرى معركة الشرطة ضد الإنجليز 1952، وهو نفس يوم عيدالشرطة المصرية، والسويس يوم 24 أكتوبر، يوم هزيمة العدوان الصهيونى عند أبواب مدينة السويس في 24 أكتوبر 1973، وبورسعيد يوم 23 ديسمبر، عيد النصر وهزيمة العدوان الثلاثى، وكفر الشيخ 4 نوفمبر ذكرى معركة البرلس ضد البحرية الفرنسية أثناء العدوان الثلاثى عام 1956، أما القاهرة فعيدها يوم 4 يوليو، وهو يوم بداية تأسيسها قبل أكثر من 1050 سنة.

وتمثل كل هذه الأعياد مخزونا وطنيا هائلا، يجب أن يكون متاحا أمام الأجيال الجديدة من الشباب، حتى يتعرفوا على قيمة وقامة هذا الوطن العظيم، خاصة وأن غيرنا من الدول، تحتفل وتحتفى بأعياد أقل قيمة وأهمية من أعيادنا، فمثلا في فرنسا يحتفلون بيوم الهدنة في الحرب العالمية الأولى، فهو يوم إجازة رسمية لكل الدولة، وتكتب عنه كل الجرائد والمجلات في كل عام، رغم أنه ليس يوم النصر، ولكنه مجرد يوم الهدنة، وفى إسبانيا يحتفلون مع بداية شهر نوفمبر من كل عام بما يسمونه (عيد الميتين)، وهو الآخر يوم إجازة رسمية وتكتب عنه الجرائد والمجلات في كل عام، وهكذا في كل دول العالم، نجد أنهم يحرصون على صناعة (أيام مجيدة)، يحتفلون بها، ويقدمونها لشبابهم من الأجيال الجديدة، على اعتبار أنها تاريخهم العظيم، بينما نحن في مصر نمتلك بالفعل العشرات من تلك الأيام المجيدة، التى ترتبط بانتصارات عظيمة، وعطاءات كبيرة، وتضحيات أكبر، ومن المهم أن يتم تقديم كل هذه الأيام المجيدة ليس فقط إلى الشباب من الأجيال الجديدة، ولكن أيضا إلى الأطفال والكبار، فمثل هذه الأعياد الوطنية، إذا وضعناها ملاصقة للأعياد الدينية، فإنها حتما ستعمل على إشباع القلوب والأفئدة بالقرب من الله وعشق الوطن،كما أنها ستجعل العقول والألباب تفكر وتتدبر، في فلسفة وفحوى هذه الأعياد، التى ترفع من شأن الوطن والمواطن، والأهم أنها تعمل على أن ينصهر عنصرا الأمة المصرية في عنصر واحد هو الانتماء لهذا الوطن العظيم، لنعيش كما كنا طوال التاريخ متحابين متسامحين، عنصراً واحداً في أمة عبقرية، أمة تؤكد أعيادها الكثيرة والكبيرة، أنها كانت ومازالت وستظل أمة الريادة والعطاءات العظيمة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة